صدر منذ أيام قليلة بيان لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بعنوان "الحرب على الإسلام في تونس والجزائر.. إلى متى السكوت"، يستثمر من خلاله التنظيم الإرهابي في قضية ما أصبح يعرف بغلق الفضاء العشوائي لتحفيظ القرآن الكريم في الرقاب (ولاية سيدي بوزيد)، ويربطها بحادثة منع الصلاة في فضاءات تربوية في الجزائر، حيث تبين أن أطفالا تجاهل أولياؤهم انقطاعهم عن الدراسة، وهو مخالف للقانون التونسي، وأرسلوهم إلى "مدرسة" قرآنية تتضمن مبيتا خارج الأطر القانونية، وتبين أيضا تعرض بعضهم لظروف إقامة صعبة وأيضا للاغتصاب، وذلك إثر نشر تحقيق تلفزيوني. تسبب الموضوع في حالة جدال كبيرة وانقسام للرأي العام.
البيان سيكون على الأرجح حلقة من حلقات متصاعدة لتبرير الأعمال الإرهابية للتنظيم الذي ينشط في السلسلة الجبلية بين تونس والجزائر، وربما إطارا لتصعيد هذه العمليات لتكون عاملا آخر يؤطر السياق السياسي لانتخابات 2019، ليضع مرة أخرى الديمقراطية التونسية على محك الاستقطاب الهوياتي، بما يهمش اختيار الناخبين للأحزب ومرشحيها على أساس برامجهم وتفضيل الارتكان إلى التحصن حول الهوية، بتجلياتها المختلفة محافظة كانت أم حداثية، بما يضيع على بلادنا مناسبة أخرى لإنضاج وترشيد الديمقراطية.
مبالغات فجة يتضمنها بيان القاعدة أراها أيضا بذات المفردات في وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن الاختلاف مع الحكومة في تقصيرها الكبير في التعامل مع ملف بقي منسيا لثلاث سنوات، والاختلاف مع المستثمرين في الملف من باب "الحداثة" في اتجاه استقطاب هوياتي في سنة الانتخابات، لكن بالتاكيد لا يمكن أيضا السكوت عمن يساهم في خلق أجواء مناسبة لتوسع قاعدة الإرهاب بترديد شعار "الحرب على الإسلام" و"الإسلام في خطر" في تونس، كأن أطفالنا لا يحفظون القرآن ولا يدرسون دينهم في المدرسة العمومية وآلاف الكتاتيب الممولة من الدولة عدا الخاصة، بالاضافة للرابطة الوطنية للجمعيات القرآنية التي أسسها الشيخ النيفر منذ 1968 ونشط فيها جل مؤسسي حركة النهضة.
يجب عدم التهاون أو التسامح مع من يساهم في ترويج هذا الدجل والتزوير. فهي مساهمة عن قصد أو غير قصد في بروباغندا الإرهاب التي تصور تونس "دولة جاهلية كافرة يجوز فيها الجهاد"
إذا كان هناك خلاف في تسيير الشأن الديني فهو في اتجاهين: الوصاية على المتدينين والوصاية على الدين. كلاهما موقف حدي مضر.
هذان توجهان متناقضان، ليس فقط مع بعضهما البعض، لكن في داخل كل معسكر منهما. المدافعون عن الوصاية على المتدينين هم أنفسهم الذين يدافعون عن لائكية الدولة، لكنهم يريدون من الدولة التدخل في تفاصيل المتدينين حتى في حياتهم الخاصة، والمدافعون عن الوصاية على الدين مجموعات كل منهم يريد وصايته هو بالمعنى الفرقي- المسيس بشكل أو بآخر (إخواني، دعوة وتبليغ، سلفي مدخلي، جهادي...) على طريقة وصاية الدولة على الدين.
الخيار الذي يقره الدستور التونسي واضح: وصاية الدولة على تسيير الشأن الديني العام. وتجربة ما بعد الثورة وضّحت أن التهديد لا يأتي فقط من الراغبين في الانقلاب على الديمقراطية، بل أيضا من مجاميع الإرهاب المعنية بإثارة الفوضى والتوحش. وكأن الدين مجال اشتغال هذه المجاميع الأخيرة، وتبين فيما بعد أن عديدها كان يشتغل في سياق "سلمي" ظاهر، في حين كانت تهيئ للعمل المسلح والاغتيالات. البعض يبدو يريد تناسي ذلك، أو المواصلة كما هي العادة في تسطيح ظاهرة الإرهاب واعتبارها مجرد "صنيعة مخابراتية" والتبرئة الضمنية لأنصار الشريعة.
الخيار الذي يقره الدستور التونسي واضح: وصاية الدولة على تسيير الشأن الديني العام. وتجربة ما بعد الثورة وضّحت أن التهديد لا يأتي فقط من الراغبين في الانقلاب على الديمقراطية، بل أيضا من مجاميع الإرهاب المعنية بإثارة الفوضى والتوحش
من المسيء أن تجد من يستغل هذا الموضوع للتوظيف السياسي والأيديولوجي واستسهال وسم المخالفين بالإرهاب
سيناريو "التوافق" الجديد: النهضة "صانعة الملوك" والشاهد بقرطاج
بعد فيلم "في سبع سنين".. رواية أخرى