الأزمة اليمنية
تقع سلطنة عُمان في منطقة محاطة بالاضطرابات العنيفة، ولا تتمتع بحصانة ضد التهديدات العابرة للحدود، والتي تتمثل في إمكانية انتقال حرب اليمن إلى السلطنة، أكبر خطر على أمنها، حيث يخشى المسؤولون في السلطنة من أن عدم الاستقرار المتزايد في اليمن قد يؤدي إلى انتشار أوسع للقوى المتطرفة، مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية (داعش)، التي تمكنت من توسيع وجودها في اليمن وسط انهيار الدولة. إن التهديد الذي يمثله هؤلاء الفاعلون يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار في محافظة ظفار، في أقصى جنوب السلطنة.
وبالنظر إلى سياسة سلطنة عُمان الخارجية المحايدة تقليديا، فإن عُمان أبقت على القوات العمانية خارج التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وهكذا أكد وزير الخارجية العُماني موقف السلطنة القائم على بناء السلام والاستقرار، وأن هذا لا يُمَكن السلطنة من أن تكون جزءا من حملة عسكرية. لذلك، نأت سلطنة عُمان بنفسها عن التدخل العسكري الذي قادته السعودية في آذار/ مارس 2015م لدعم شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وعُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تشارك في التحالف العربي ودعم عملية "عاصفة الحزم." في الوقت نفسه، أعدت السلطنة مبادرة في إطار إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية سريعة، وتحويل الحوثيين إلى حزب سياسي، وواصلت جهودها لتحرير الرهائن السعوديين من قبضة الحوثيين، وساعدت في إطلاق سراح عدد من الرهائن الغربيين في عام 2015م، حيث تعتبر عُمان نفسها صديقا للجميع.
بالرغم من ذلك، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشعران بالقلق تجاه العلاقات الودية التي تقيمها عُمان مع إيران، وأن مسقط لا تأخذ في الاعتبار بشكل كاف مخاوفهم الأمنية، بل إن جهات غير رسمية سعودية اتهمت السلطنة بتسهيل تهريب الأسلحة إلى الحوثيين المتمردين في اليمن. وعلى الرغم من أن النزاع المتفاقم في اليمن قد شكل تهديدا كبيرا لمصالح سلطنة عُمان، إلا أن هذا الوضع أتاح للسلطنة فرصة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية. بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء في عام 2014م، سعت سلطنة عُمان إلى استخدام علاقاتها الإيجابية مع جميع الأحزاب الرئيسية في اليمن، لوضع نفسها كدبلوماسي ووسيط سلام بين الأطراف المتحاربة. وسعت عُمان إلى تعزيز تحالفاتها الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث ساعدت السلطنة بعدة طرق، من خلال قبول السجناء اليمنيين من معتقل غوانتانامو باي، والتفاوض وتأمين الإفراج عن الرعايا الغربيين المحتجزين في اليمن، وضمان الإخلاء الآمن للموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين من السفارة الأمريكية في صنعاء في شباط/ فبراير 2015م. وقد أيدت عُمان ودعمت بشكل كامل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتعزيز محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة في اليمن.
لقد أصبحت سلطنة عُمان تحت حكم السلطان قابوس لاعبا مستقلا ومتوازنا في السياسة الخارجية، وقد جلبت العديد من الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات، من الصراع الخليجي الإيراني والملف اليمني إلى النزاع الإيراني الأمريكي.
هكذا، تجنّب السلطان قابوس الصراع في منطقة مضطربة، لتصبح مسقط بوابة للتأمل في الشرق الأوسط. وهذا يفسر الواقع السياسي الدقيق لسلطنة، عُمان مما جعلها لا تتدخل في سياسات الدول الأخرى، إلا أنه من الحيطة والحذر أن تبتعد عُمان عن السقوط في حقول الألغام في الشرق الأوسط، وأن تُبقي مواقفها وممارساتها وتفاعلاتها وفقا لمبدأ الحياد الإيجابي مع مختلف التطورات الخليجية والعربية.
السياسة الخارجية العُمانية: التوازن الصعب (3)
السياسة الخارجية العُمانية: التوازن الصعب (2)