وصف خبراء ومؤرخون مصريون المثقفين، بأنهم كانوا بمنزلة العصب للثورات والحركات الشعبية في التاريخ المصري الحديث، حيث كانت كتاباتهم وخطبهم، مصدر دعم كبير في إنجاح ثورة 1919، رغم تراجع نسب التعليم بمصر، سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي، واعتماد التعليم في معظم قرى الوجه البحري والصعيد على الكتاتيب وليس المدارس، بالإضافة لغياب وسائل الإعلام الحديثة في هذا التوقيت.
ويحي المصريون هذه الأيام الذكرى المئوية الأولى لثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي بقيادة سعد زغلول، التي بدأت في صباح يوم الأحد 9 آذار/ مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات في أرجاء القاهرة والأسكندرية والمدن الإقليمية.
ووفق خبراء، فإن المثقفين أدّوا دورا
بارزا أيضا في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وما تلاها من أحداث مضادة تمثلت
في مظاهرات 30 حزيران/ يونيو، ثم الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013، وكان
لمشاركتهم وميولهم وحساباتهم السياسية تأثير واضح على حالة التشويش التي عانى منها
الشعب المصري.
وقسم الخبراء، المثقفين في الثورتين
لفئتين؛ حيث غلب على الثورة الأولى رجال القانون والمحامون وخريجو مدارس الحقوق
والآداب، ثم الصحفيون وأخيرا السياسيون، بينما اختلف الوضع مع الثورة الثانية وهي
25 يناير 2011، حيث قفز السياسيون على صدارة المشهد، يليهم الصحفيون والإعلاميون،
ومعهم الممثلون والراقصون الذين أثروا في المشهد أكثر من الجميع.
ويرى خبراء تحدثوا لـ"عربي21"
أن الاختلاف بين موقف المثقفين في الثورتين، لم يكن في دعم ثورة ومواجهة أخرى،
وإنما في قوة تأثيرهم على القاعدة الشعبية والجماهيرية، التي كان للوعي الشعبي
دور بارز في غربلة ما يخرج عن المثقفين قبل وصوله لعقول الجماهير.
"وعي 1919"
وفي تقييمه لموقف المثقفين في ثورة 1919
يؤكد الباحث في التاريخ الحديث طارق الصولي لـ"عربي21" أنهم "قاموا
بدور كبير في توعية الجماهير نحو هدف واحد، وهو جمع التوقيعات باختيار وفد شعبي
يمثل مصر في المطالبة باستقلالها".
ويضيف الصولي: "رغم غياب وسائل
التواصل الحديثة في ذلك الوقت، واقتصارها على الصحف والإذاعات، إلا أن تأثيرها في
تشكيل الرأي العام كان قويا، وقد دعم ذلك المصداقية التي كانت تتعامل بها الصحافة
مع الشأن المصري، وتمايز الصحف ما بين الداعمة للملك والأخرى التابعة للإنجليز،
مقابل الصحف الوطنية التي كانت تتحدث بلسان معظم الشعب المصري، دون تلوينها باتجاه
على حساب آخر".
ويرى الباحث التاريخي أن النخبة المثقفة
وقتها "فرضت هذا الدور المهم، حيث كانت تتشكل في أغلبها من خريجي كليات الحقوق
والآداب، وهي الكليات التي كان يحظى المتخرجون فيها بثقة ليس لها مثيل لدى الشعب
المصري، وقد دعم ذلك أن واحدا من أبرز خريجها وهو الزعيم مصطفى كامل، كان مثالا
لكثير من الشباب الباحثين عن الحرية والاستقلال".
ويضيف الصولي: "مصطفى كامل توفي
وهو شاب عام 1908، وكان لخطبه ومقالاته في جريدة اللواء عامل السحر لدى عموم
المصريين، الذين دفعوا أبناءهم لكلية الحقوق ليكونوا مثل الزعيم الوطني الشاب،
الذي أعاد ترتيب المشهد السياسي والثقافي بمصر".
ويؤكد عبد الرحمن، أن "الباشوات
الكبار الذين كانوا يتصدرون المشهد السياسي في 1919، تعاملوا مع طاقات الشباب
ورغبات الجماهير، بأمانة وعدم استغلال سياسي، وحولوا منازلهم وقصورهم لمنتديات
مفتوحة لأبناء دوائرهم الذين كانوا يتمتعون بفهم واستيعاب كبير للأحداث السياسية،
ما جعل المسؤولين السياسيين يحسبون حساباتهم جيدا، خوفا من تخليهم عن المسؤولية
الوطنية التي كلفهم بها الشعب الواعي".
"استغلال 2011"
على جانب آخر، يرى الباحث السياسي أحمد
الشافعي، أن الدور الذي أداه المثقفون في إشعال ثورة 25 يناير 2011، لا يقل عن الدور نفسه الذي أداه الآباء في ثورة 1919، ولكن الفارق كان في أهداف كل فريق مع كل
ثورة، بالإضافة لدور كل فريق بعد كل ثورة.
ويضيف الشافعي لـ"عربي21" أن "المؤثرات
في 2011 كانت مختلفة عن 1919، ففي الأولى تجاوزت نسب التعليم عشرات المرات ما كانت
عليه في 1919، كما انتشرت وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الإلكتروني، وهي
أمور لم تكن موجودة في 1919، ومع ذلك فإن غياب الوعي والتسطيح الذي مارسته الأنظمة
التي خرجت من رحم حركة الضباط الأحرار عام 1952، كان لها تأثير سلبي في قناعات
الجماهير بما يقدمه المثقفون".
ويشير الباحث السياسي إلى أن "المثقفين
في ثورة يناير 2011 مثَّلوا عبئا عليها، فهم الذين أبطأوا حركة الشباب، عندما سعوا
منذ البداية لتقسيم الميدان إلى فئات واتجاهات، ثم بعد ذلك الكذب والتدليس الذي
مارسته فئات كثيرة منهم بحثا عن مصالحها الفئوية والفكرية".
ووفقا للشافعي، فإن المثقفين رأوا أن
"نيران العسكر أفضل من جنة الإخوان، وهو ما دفعهم لاستغلال الأمية الثقافية
للشعب في تبرير الانقلاب العسكري، والترويج له كبديل آمن للديمقراطية، لأنها جاءت
بالإخوان المخالفين لهم في الأفكار والتوجهات".
وحسب الشافعي، فإن المثقفين المصريين
الذين شكلوا معظم النخب السياسية، كانوا أكثر خطرا على ثورة 25 يناير من الانقلاب
العسكري نفسه، لأنهم بحثوا عن مصالحهم الخاصة على حساب مستقبل الشعب المصري".
اقرأ أيضا: الأزهر بين ثورتي 1919 و2011 .. أدوار ثورية وأخرى سياسية
الأزهر بين ثورتي 1919 و2011 .. أدوار ثورية وأخرى سياسية
لماذا يتجاهل السيسي النداءات الدولية ويواصل الإعدامات؟
حملة سعودية للرد على منتقدي تطبيق "أبشر"