نشرت صحيفة "
لاكروا" الفرنسية تقريرا
تحدثت فيه عن استمرار الحرب في
سوريا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إنه بعد ثماني سنوات من المظاهرات الأولى استعاد النظام
سيطرته على ثلثي الأراضي السورية وأعاد ربط علاقاته مع الدول المجاورة. وعلى الرغم
من أن الوضع يبدو طبيعيا ظاهريا، إلا أن الحياة اليومية تتسم بنقص في الحاجيات
الأساسية، بينما يستمر العنف في محافظة إدلب. وداخل البلاد وخارجها، يستغل بشار
الأسد عودة الأمور إلى نصابها من أجل دفع السوريين إلى نسيان الحرب التي تبدو
بعيدة كل البعد عن الانتهاء.
كتبت الباحثة مريم يوسف، من موقعها في دمشق في
مدونة "برنامج البحث حول الصراعات" التابع لكلية لندن للاقتصاد أن
"النظام وأنصاره ووسائل الإعلام التابعة له اعتبروا سنة 2018 "سنة
النصر"(...)، وكانت الشوارع مليئة بملصقات بشار الأسد، مرفوقة بعبارات
وشعارات تمجد الرئيس وترجئ ما يسمى بالنصر للرئيس وحده".
وبينت الصحيفة أن استعادة معاقل عديدة ترمز
للثورة شرق حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016، والغوطة الشرقية في ضواحي دمشق في
ربيع 2018، عزز قوة النظام الذي يدين في مثل هذه العمليات لحلفائه الروس
والإيرانيين. كما أن المعارك المستمرة حول الجيب الأخير، الذي يسيطر عليه تنظيم
الدولة في الباغوز شرق البلاد، بقيادة قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف عربي
كردي تدعمه الولايات المتحدة، تعطي الانطباع بتحقيق الاستقرار.
تسيطر الحكومة الآن على حوالي 60 بالمئة من
الأراضي السورية، حيث يعيش ثلثا سكان البلاد (17 مليون نسمة إجمالا). ومن بين هذه
المناطق المعنية، "سوريا المفيدة"، وهي الممر الاستراتيجي على طول البحر
الأبيض المتوسط الذي يضم غالبية المدن الكبرى والصناعات التحويلية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه يبدو أن الحياة قد استأنفت سيرها على شاكلة
ما قبل الحرب، إلى درجة أنه في أيلول/ سبتمبر الماضي أجرى النظام أول انتخابات
محلية منذ سنة 2011، التي فاز بها معسكره حزب البعث. ولم يكن ذلك طريقة لتكريس
الديمقراطية، وإنما فرصة "لتحفيز دعاية النظام حول موضوع عودة الحياة
الطبيعية إلى سوريا"، وفقًا للباحثة مريم يوسف.
اقرأ أيضا: حصيلة جديدة لضحايا 8 سنوات من الحرب في سوريا
وأضافت الصحيفة أن إشارات عودة الأمور إلى
نصابها قد ظهرت خارج الحدود أيضا. ففي أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر المنقضي،
أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، التي أغلقت سنة 2012 تنديدا
بالقمع. وفي أوائل شهر آذار/ مارس، شارك رئيس البرلمان السوري في اجتماع البرلمان
العربي في عمان الأردنية. لقد اعتبر هذا الأمر سابقة منذ تعليق عضوية سوريا في
جامعة الدول العربية في أواخر سنة 2011، حيث أصبحت مسألة عودة البلاد، التي
أثارتها تونس والعراق ولبنان، على جدول الأعمال.
يؤكد فابريس بالانس، المختص في الشؤون السورية والأستاذ المحاضر في
جامعة ليون 2، أن "هناك عملية تطبيع جارية من جانب الدول العربية". ومع
ذلك، يجب ألا يعتبر هذا التطبيع بمثابة نظير لأي انفتاح للنظام على المعارضين،
وإنما نتاج لعبة نفوذ؛ حيث "ترغب الإمارات في التصدي لتركيا التي ازدادت
أهميتها في شمال سوريا، فضلا عن مواجهة عدوها اللدود قطر".
وذكرت الصحيفة أن عودة الحياة إلى طبيعتها،
التي اقترحتها المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تندرج ضمن نوع من الخداع ذلك أن
الاحتياجات الأساسية للسكان ليست مضمونة. ويجبر ارتفاع أسعار الوقود وانقطاع
التيار الكهربائي بشكل متكرر السكان على استعمال الغاز للطبخ. وقد أدت هذه الوضعية
إلى نقص حاد في المواد الأساسية في حلب ودمشق وظهور طوابير يومية أمام شاحنات
محملة بقوارير الغاز.
وأكدت الصحيفة أن البنية التحتية الصحية تتطور
ببطء أيضا. وأورد طبيب أطفال يعمل على بعد 25 كيلومترا من حلب، في رسالة مكتوبة،
أن "مستشفانا، على غرار بقية المستشفيات الأخرى، يعاني من نقص الأدوية الجيدة
والأطباء". وقد دعمت أرقام منظمة "أطباء العالم" غير الحكومية،
التي تعتبر أن "ثلثي المختصين في الصحة قد غادروا البلاد"، تصريحه.
أما أولئك الذين مازالوا في البلاد فيواجهون تحديا
كبيرا. ففي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، افتتحت هذه المنظمة مركزًا صحيًا
مجانيًا في جنديرس، شمال حلب. وفي هذا السياق، يقول رئيس مكتب المنظمة غير
الحكومية في إسطنبول هاكان بيلجين: "كنا نتوقع قدوم 100 أو 150 استشارة في
اليوم، لكننا نتلقى ما معدله 300 استشارة
يوميًا".
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن الحياة اليومية
في مختلف المدن السورية تبدو كما لو أنها احتلال. وفي اتصال هاتفي، حذر أستاذ أصبح
مترجما لصالح شرطة إدلب الحرة، وهي منظمة مدنية وفرت الأمن قبل تعليق دورياتها، من
أن "رجال هيئة تحرير الشام الذين لديهم نفس عقلية تنظيم الدولة، سيطلبون مني
المال، وأنا أنتظرهم. الناس يكرهونهم وأنا أيضا". وقد ألقي القبض على أحد
معارفه بسبب انتقاده لهيئة تحرير الشام على فيسبوك. ألا يخاطر باستعمال الهاتف؟
"أنا أتحدث باللغة الإنجليزية، وهم لا يفهمونها".