نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للصحافية إميلي شولثيس في برلين، تقول فيه إن هيربيرت كيكل قد يكون أهم منظري اليمين المتطرف الذين لم تسمع بهم، مشيرة إلى أنه يغير شكل السياسات ونغمة الخطاب السياسي تجاه الهجرة في أوروبا.
وتشير شولثيس في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "كيكل انتقل من العمل خلف الكواليس لوقت طويل مخططا استراتيجيا لحزب الحرية القومي في النمسا (FP?)، ليصبح وزير الداخلية للبلد، وبالإضافة إلى سلسلة من التصريحات والمقترحات المثيرة للجدل -خاصة فيما يتعلق باللاجئين- ويستخدم شهرته الجديدة لضمان أن تبقى تلك القضايا جزءا من الحوار العام محليا".
وتقول الكاتبة: "في ذلك يعد كيكل مثالا لتوجه أوسع على مستوى أوروبا، حيث دخل حزبه (FP?) الحكومة في خريف عام 2017، حيث دخل في شراكة مع حزب المستشار سباستيان كورتس زعيم حزب الشعب، وفي الوقت الذي كان فيه الشركاء في الائتلافات الحكومية تقليديا يختلفون على وزارة الخارجية أو المالية، لم يعد هذا هو الحال بالضرورة، فالسياسيون الشعبويون مثل كيكل اليوم يطمعون في وزارة الداخلية".
وتجد شولثيس أنه "بسبب كون قضايا الهجرة لا تزال في أعلى الأجندة السياسية الأوروبية، حتى وإن تراجع وصول اللاجئين، فإن الوظيفة توفر للناس، مثل كيكل، حجة للحديث حول الموضوع المفضل لديهم، فكونه وزيرا للداخلية يتوفر لديه ليس فقط احتمال، بل واجب، معالجة مواضيع الهجرة والاستيعاب، ولا يحتاج الشخص إلا أن ينظر إلى كيكل وماتيو سالفيني، من اليمين المتطرف في إيطاليا، ليعرف مدى اهتمام هذه الأحزاب بالوصول إلى وزارة الداخلية، وفي الواقع فإن النمسا وكيكل قد يخدمان كونهما تجربة للمدى الذي يمكن لحكومة يمينية أن تذهب إليه في فرض سياسات هجرة متشددة، فحكومة فيينا اقترحت بعض أكثر القوانين صرامة في الاتحاد الأوروبي".
وتقول الكاتبة: "قال لي البروفيسور كاس مادي من جامعة جورجيا والمتخصص في اليمين المتطرف: (إن الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة وسياسييها يعدون أن كل شيء قضية قانون ونظام، من المخدرات إلى الهجرة.. ووزارة الداخلية.. هي الموقع الأساسي بالنسبة لهم)".
وتلفت شولثيس إلى أنه "في شهر شباط/ فبراير أعلن كورتس وكيكل عن خطة تقوم النمسا بموجببها باعتقال طالبي اللجوء الذين يعد بأنهم قد يشكلون خطرا، لكن لم يرتكبوا أي جريمة (الحبس الاحتياطي)، وقام كيكل بإعلان السياسة بأسلوب متبجح كالعادة، وقال إنه يهدف من الاعتقال (شخصا لبس حزاما ناسفا في عقله) ويحتاج تطبيق الخطة إلى تغيير في الدستور النمساوي، وقالت الأحزاب المعارضة بأن هذه السياسة تنتهك حقوق الإنسان الأساسية".
وتنوه الكاتبة إلى أن "فكرة الحبس الاحتياطي رافقها عدد من السياسات التي تهدف إلى إقناع طالبي اللجوء بعدم القدوم إلى النمسا، وابتداء من هذا الشهر مثلا ستتم إعادة تسمية مراكز معاملات اللاجئين إلى (مراكز المغادرة) لبعث رسالة بمدى عدم الترحيب باللاجئين والمهاجرين في النمسا، بالإضافة إلى أن الحكومة فرضت ما يفترض أنه منع تجول (طوعي) على طالبي اللجوء الذين ينتظرون قرارا، لإبقائهم في هذه المراكز من 10 مساء وحتى 6 صباحا، وتهديد اللاجئين بإخراجهم من مناطق المدن إن هم لم يلتزموا".
وترى شولثيس أن "تغطية هذه السياسات والحوار حولها أمر لا يمكن التهرب منه، فهي مواضيع رئيسية يتم سؤال السياسيين عنها على التلفزيون في وقت الذروة، وفي الصحف، وتحمل صحف التابلويد قصصا رئيسية حولها، وهذا جزء من الهدف أيضا".
وتنقل المجلة عن الباحث في التواصل السياسي في جامعة فيينا وعضو مركز دراسات الانتخابات الوطنية النمساوية جاكوب موريتز إبيرل، الذي يقوم بإجراء أبحاث في الانتخابات والناخبين، قوله: "ما يتقنه حزب (FP?) في الحقيقة هو وضع الأجندة.. (ومع كيكل بالذات) كأن هناك خطا أحمر وهو يحاول أن يدفعه ويدفعه ويدفعه.. وهو يحاول أن يرى إلى أي مدى يستطيع أن يذهب".
وأضاف إبيرل أن هذه الزوبعة الإعلامية هي واحدة من كثير من الجدليات التي أثارها كيكل وتثيرها وزارته، ابتداء من اقتراحه في أوائل 2018، بأنه يجب حجز طالبي اللجوء في أماكن محددة، وأصر بعد ذلك على أنه لم يهدف من ذلك الاستفزاز، فهو دائما كان يقول أشياء تثير الأسئلة حول التزام الحكومة بتطبيق القانون، التي تدخل النقاش السياسي في العملية.
وقال في كانون الثاني/ يناير إن أجزاء من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان "غريبة"، وأضاف أن القيود "التي عمرها سنوات تمنعنا من القيام بما هو ضروري".
وتفيد الكاتبة بأن كيكل هوجم في الخريف الماضي؛ بسبب مذكرة داخلية مسربة توجه الشرطة لحجب المعلومات كلها، ما عدا الأساسية المطلوبة، عن وسائل الإعلام غير الصديقة، بالإضافة إلى أن المذكرة اقترحت أيضا أن تقوم الوزارة بتضخيم أي جرائم جنسية يقوم بها طالبو لجوء أو مهاجرون، وأنه يجب أن تذكر بوضوح جنسية ونوع إقامة مرتكبي تلك الجرائم في البيانات الصحافية.
وتجد شولثيس أن "مقاربة كيكل في إدارته لوزارة الداخلية تعكس ما كان يمارسه بصفته استراتيجيا لحزب (FP?)، من كتابة خطابات لرئيس الحزب السابق جورغ هايدر، إلى صناعة الحملات المعادية للمسلمين، التي ساعدت أن على إحياء الحزب في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة".
وتقول الكاتبة: "قالت لي ميشيلا موسر، المشاركة في تنظيم المظاهرات الأسبوعية ضد الحكومة في فيينا، في إحدى المظاهرات في منطقة ميدلينغ العمالية: (إنها [حكومة] يمينية جدا واستبدادية)، مضيفة أن كيكل (متميز بشكل سلبي)".
وتبين شولثيس أن "الغضب في هذه المظاهرات، التي تعقد مساء الخميس في العادة، التي يحضرها عدة آلاف، يوجه ليس بالتحديد إلى كيكل، لكن إلى الحكومة بشكل عام وعادة إلى كورتس، المستشار، للسماح لليمين المتطرف بأن يتسلم مواقع حساسة من الأساس".
وقالت موسر: "يجب علينا أن نكون واعين بأن (كورتس وحزبه) سمح لكيكل بأن ينجو بهذا كله، وهذا يعني أنهم يؤيدونه".
وتقول الكاتبة: "كيكل ليس السياسي الشعبوي اليميني المتطرف الوحيد الذي يستخدم وزارة داخلية بلده لخدمة أهداف حزبه السياسية والخطابية، فسالفيني في إيطاليا يشغل ذلك المنصب، ومن خلال توظيف ذكي لاستراتيجية التواصل، ولغة شديدة تجاه الهجرة، استطاع أن يضاعف التأييد لحزبه منذ الانتخابات الإيطالية العام الماضي، فعندما يقطع قارب البحر المتوسط باتجاه إيطاليا فإن سالفيني هو الذي يستطيع أن يعد علنا بإرجاعه، ما يزيد من شعبيته لدى قاعدته".
وتشير شولثيس إلى أنه "في ألمانيا قد لا تكون وزارة الداخلية في يد حزب البديل لألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، لكن الرجل الذي يشغل المنصب، هورست سيهوفر، حاول أن يستخدمها الصيف الماضي لإبراز مؤهلاته المتشددة، فمع مواجهة حزبه (الاتحاد الاجتماعي المسيحي) تحديا من حزب (AfD) في الانتخابات، هدد سيهوفر بإسقاط الحكومة الألمانية إن لم توافق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على سياسات متشددة تجاه الهجرة".
وتستدرك الكاتبة بأن "تحرك سيهوفر كان له مفعول عكسي، ما أبرز الجانب السلبي الذي يواجهه اليمين المتطرف في ذلك الدور، فمع أن سيهوفر استطاع أن يحصل على تنازلات سياسية من ميركل، إلا أنه تراجع عن تهديده بإسقاط الحكومة، حيث تراجع حزبه في الانتخابات، فعندما يكون هناك وزير داخلية شعبوي يظهر أنه متساهل في مسأله الهجرة سيواجه رد فعل سلبيا أكبر بكثير منه لو أخطأ في مجال سياسي آخر".
وتختم شولثيس مقالها بالقول: "لكن باقتراح سياسات متطرفة، حتى لو لم يتم تطبيقها، فإن هؤلاء السياسيين يلقحون أنفسهم ضد الانتقاد، وسيقولون لو أن المعارضة استمعت إلى أفكارنا لكانت بلدنا آمنة، واستخدم كيكل تلك الفكرة عندما أعلن خطة (السجن الاحتياطي)، فقال: (من لا يؤيد هذا التغيير يظهر بوضوح أن حماية الشعب من طالبي اللجوء المجرمين لا يشكل قلقا حقيقيا لديه)".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
أوبزيرفر: مجزرة نيوزيلندا تستدعي عملا دوليا لمواجهة التطرف
أوبزيرفر: زيادة نشاط اليمين المتطرف ببريطانيا على الإنترنت
تعرف على دلالات رموز عنصرية استخدمها إرهابي نيوزيلندا