رصد خبراء وسياسيون، زيادة مطردة في الفتاوى الشرعية التي تطالب المصريين بالمشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، المقرر لها أيام 21/22/23 من نيسان/ أبريل الجاري، واعتبارها واجبا شرعيا، وتعبيرا عن المسؤولية الوطنية للمواطنين.
الفتاوى الدينية لم تقتصر على المؤسسات الإسلامية، التي كان بمقدمتها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، وإنما امتدت للمؤسسات المسيحية، حيث دعا البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط، عموم المصريين للتصويت لصالح التعديلات، مؤكدا أنها تمثل استفتاء على محبة رئيس نظام الإنقلاب عبد الفتاح السيسي.
من جانبه دعا الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الشيخ محيي الدين عفيفي، خلال الندوة الثقافية التي نظمها المجمع بمناسبة ليلة النصف من شعبان، الشباب المصري لضرورة المشاركة الفاعلة بالاستفتاء على التعديلات، والإدلاء بآرائهم بكل حرية انطلاقا من واجبهم نحو وطنهم.
بينما أفتى عضو المجمع ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق محمد أبو هاشم، بأن التعديلات الدستورية المطروحة تدخل ضمن باب السياسة الشرعية التي تمثل رعاية شؤون الأمة ومستجدات أمرها وفق الظروف والمتغيرات بما يسهم في تحقيق مصالح المجتمع.
اقرأ أيضا: أول دعوى قضائية لإلغاء الاستفتاء على تعديلات الدستور بمصر
وفي وزارة الأوقاف أكد رئيس القطاع الديني، والمتحدث الرسمي باسم الوزارة، الشيخ جابر طايع، أنه كلف المسئولين والدعاة بحث الجماهير على المشاركة في الاستفتاء، دون توجيه الرأي بتأييد الاستفتاء أو رفضها، موضحا أن هدف الوزارة هو حشد الجماهير للمشاركة بفاعلية ووعي.
وأضاف طايع في بيان رسمي، أن كافة الدعاة والواعظات يشاركون فى التوعية بحق الوطن والمواطن فى القضايا العامة ومنها المشاركة في الاستحقاقات الوطنية دون ذكر أشخاص، أو جهات تنافسية كأحزاب، أو نوع التصويت حتى لا يصب ذلك في اتجاه معين.
وعلمت "عربي21" أن الوزارة خصصت خطبة الجمعة 20 نيسان/ أبريل، والتي تسبق عملية الاستفتاء بيوم واحد، للحديث عن أهمية المشاركة في الاستفتاء باعتباره واجبا شرعيا لا يجوز التخلف عنه.
شرعنة نعم
من جانبه يؤكد الباحث في علم الاجتماع السياسي أشرف الحديدي لـ "عربي21" أن عملية الحشد الديني التي يقوم بها نظام السيسي، أخذت أشكالا متعددة من أجل تحفيز الجماهير للمشاركة في عملية الاستفتاء المرتقب.
وأضاف، أن الملاحظ في مواقف المؤسسات الدينية، أن الكنيسة كانت الوحيدة التي أعلنت صراحة بضرورة التصويت لصالح التعديلات، سواء على لسان البابا تواضروس، أو في التصريحات التي صدرت عن عدد من قيادات الكنيسة خلال الأيام الماضية، واعتبار التصويت لصالح التعديلات هو بمثابة رد الجميل للسيسي نفسه.
اقرأ أيضا: حركات مصرية معارضة تدعو للتصويت بـ"لا" على تعديل الدستور
ويضيف الحديدي قائلا: "رغم أن المؤسسات الإسلامية الرسمية لم توجه الجماهير بشكل مباشر وصريح للتصويت لصالح التعديلات، إلا أن الحملات التي تشنها هذه المؤسسات من أجل ضمان المشاركة القوية لدعم التعديلات، تشير كلها إلى أنها تدعو للتصويت لصالح التعديلات بشكل لا يحتاج مجهودا كبيرا لاكتشافه".
ويبرر الباحث السياسي هذا الأسلوب للمؤسسات الرسمية، بأنه يترجم توجه النظام، أن تكون الدعوة لصالح المشاركة، وعدم شرعنة التصويت بنعم أو لا، حتى لا يتكرر سيناريو أول استفتاء عرفته مصر بعد ثورة 25 يناير، والذي عرف وقتها باستفتاء غزوة الصناديق، نتيجة الفتاوى التي أطلقها دعاة التيار السلفي وقتها، بأن التصويت بنعم هو واجب شرعي وطريق المواطنين للجنة.
مأزق السلفيين
من جانبه لا يرى الباحث في الشؤون الإسلامية عبد الله حماد، وجود فارق بين استغلال المؤسسات الدينية، خلال الاستفتاء على تعديلات 19 آذار/ مارس 2011، والتعديلات الحالية، باستثناء غياب السلفيين عن الساحة هذه المرة، رغم أنهم أيدوا بشكل كبير دستور 2014 الذي تم إقراره بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، كما أيدوا السيسي في ولايتيه الرئاسيتين.
ويؤكد حماد لـ "عربي21" أن حزب النور الذي يعد الواجهة الأبرز للتيار السلفي خلال السنوات الماضية، لم يعد بنفس قوة التأثير التي كان عليها قبل فرض السيسي لسطوته السياسية بالشكل الحالي، كما أن الحزب لا يستطيع أن يوجه أنصاره بالتصويت بنعم، لأن التعديلات تدعو صراحة لعلمنة الدولة، وهو ما يخالف توجهات الحزب، بصرف النظر عن تقييم أدائه السياسي لخدمة المشروع الإسلامي.
اقرأ أيضا: مطالب للمجتمع الدولي برصد الاستفتاء على تعديل الدستور بمصر
ويضيف الباحث بالشؤون الإسلامية قائلا: "نظام السيسي يستخدم كل المؤسسات الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، كوسيلة لحشد الجماهير، كما كان يفعل نظام مبارك قبل ذلك، وهو أسلوب متعارف عليه في الأنظمة الشمولية، ولكن المختلف هذه المرة، أن تأثير هذه المؤسسات في توجيه الرأي العام لم يكن كما كان قبل ذلك بمن فيهم الكنيسة نفسها".
ويوضح حماد رأيه السابق بأن، الدساتير بشكل عام لا تدخل ضمن اهتمامات عموم المصريين، لقناعتهم بأن النظام الحاكم يقوم بتفصيل الدستور على مقاسه ووفقا لاحتياجاته، وليس من أجل الشعب ورفاهيته السياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن النظام الذي يأتي بعد هذا النظام سيقوم بتغيير الدستور، كما جري خلال السنوات الماضية.
مؤشرات قد تقلب موازين النظام حول التعديلات الدستورية
لماذا تغيرت مدد حكم السيسي بتعديلات الدستور بعد لقاء ترامب؟
زيارة "حفتر" للسيسي.. هدفها الدعم أم البحث عن مخرج؟