بعيداً عن الكلمات المتكرّرة والمتحجّرة التي تُقال عند الحديث عن حرّيّة الصحافة في بعض الدول الشموليّة، فإنّنا نلحظ اليوم أنّ مفهوم الصحافة قد تغيّر، وربّما يمكن القول إنّ الصحافة أصبحت في متناول الجميع دون أن تختصّ بها فئة معيّنة من الناس، وهم الصحفيّون، أو الإعلاميّون.
بالأمس كانت الصحافة مهنة ورسالة فئة محدّدة، أو نخبة من المثقّفين، أو العاملين في قطاع الصحافة والإعلام، وهذه النخبة تحمّلت (وما تزال) الكثير من المصاعب في سبيل أداء مهمّتها الإنسانيّة المتعلّقة بالإنسان، والنبات، والحيوان، والحياة والموت، والأمل والضياع، والسلام والحرب، والفضاء والبحار والصحراء والغابات والأنفاق، ودهاليز الحياة المضيئة والمظلمة.
الصحفيّون يسهرون الليالي، وينحتون أعمارهم لتقديم الأجمل والأروع من الكلام والصور والتحقيقات، وكأنّهم نذروا أرواحهم كشموع تحترق لنقل الحقيقة، ولو على حساب حياتهم وراحتهم وسلامتهم!
بالأمس كان الناس يترقّبون الصحف الورقيّة ومحطّات الراديو ليطّلعوا على آخر أخبار الكون، وربّما كان لتلك الساعات أو اللحظات لذّة مميّزة، لكنّها ضاعت في معترك تطوّر وسائل الاتصال التي مزجت حياة الناس وجعلتها بلا مسافات، وصارت حوادث الدنيا تنقل لحظة بلحظة!
التطوّر العلميّ يمكن أن يكون هبة، أو منحة للشعوب المضطهدة، ووسيلة لتوثيق بعض الجرائم العلنيّة التي ترتكبها قوى الشرّ والإرهاب.
اليوم يمكن لجهاز الهاتف النقّال أن يكون دليلاً قاطعاً على أيّ جريمة، ويمكن لكلّ مواطن (أينما كان) أن يكون صحفيّاً من موقعه، ويوثق اللحظة الحاسمة خدمة لوطنه، وللخلاص من قوى الظلام الكراهية.
يواجه العالم اليوم نوعاً جديداً من الصحافة يمكن أن نطلق عليه "الصحافة الشعبيّة" التي توثق الحوادث لنشرها مباشرة، أو تقديمها للنّخب الصحفيّة لإعلانها، وكشف القوى التخريبيّة، ومحاولة الحدّ من إرهابها الذي تنوّعت سبله وأشكاله.
الصحافة الشعبيّة يمكن أن تكون على يد الكبير والصغير، والطالب، والمعلم، والعامل، والفلاح، والسائق، وغيرهم، وجميعهم يمكن أن يوثقوا الحوادث التي تقع هنا وهناك، وبعدها يأتي دور الصحفيّ المتمرس الخبير ليغربلها ويختار ما يخدم قضايا البلد وأهلها؛ لأنّ الصورة لها عظيم الأثر في نصرة المظلومين، وتأجيج النصرة العالميّة والقانونيّة لدعم المضطهدين وتحجيم المجرمين.
بعد 16 عاماً من الديمقراطيّة، يسعى البرلمان العراقيّ منذ عدّة أسابيع لإقرار "قانون الجرائم المعلوماتيّة" الصارم!
عشرات الحالات المتكررة والمتشابهة المؤكّدة لغياب الرعاية الإنسانيّة، فضلاً عن المهنيّة لقطاع الصحافة والإعلام
اتفاقيات ابن سلمان وعبدالمهدي لن تمر وإيران موجودة!