تشهد الضفة الغربية مؤخرا، وتحديدا في مدينة الخليل، نشاطا تجاريا مشبوها يقوده رجال أعمال فلسطينيون وإسرائيليون تحت إشراف ما يعرف زعيم حزب الإصلاح والتنمية، أشرف الجعبري.
أشكال التعاون
آخر أشكال هذا التعاون ما كشفت عنه صحيفة مكور ريشون العبرية، في تحقيق مطول، أشارت فيه إلى أن من أشكال هذا التعاون تأسيس غرفة تجارية مشتركة في مدينة الخليل لتطوير المشاريع الاقتصادية والتجارية، بين آفي تسيمرمان من مستوطنة أريئيل ونظيره الجعبري، برعاية وإشراف من الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يقتصر التعاون عند هذا الحد، بل وصل الأمر لتوجيه الجعبري دعوة، في 14 من أيار/ مايو الماضي، لقادة المستوطنين في الضفة الغربية ودبلوماسيين من السفارة الأمريكية لحضور إفطار جماعي في بداية شهر رمضان المبارك، وهو ما أثار غضب الشارع والأوساط السياسية على حد سواء.
أشرف الجعبري (54 عاما) رجل أعمال من مدينة الخليل، أسس حزب الإصلاح والتنمية في بداية أيار/ مايو الماضي، وصل عدد أعضاء حزبه خلال وقت قصير إلى 5 آلاف منتسب، وفقا للكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحيم، ويتبنى الجعبري خطا سياسيا يتعارض مع الموقف الرسمي والفصائلي، حيث يدعم وبقوة ضم إسرائيل للضفة الغربية.
وكان الجعبري أول سياسي فلسطيني يعلن موافقته على المشاركة في ورشة المنامة أواخر الشهر الجاري، كما يحظى بعلاقات دبلوماسية مع المسؤولين الأمريكيين، حتى وصفته الصحافة الإسرائيلية بالصديق الحميم للسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان.
السلام الاقتصادي
ويشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، إلى أن "مشاريع السلام الاقتصادي التي يتبناها الجعبري أمر ليس بالجديد على الحالة الفلسطينية"، ويعلل ذلك بأن "اتفاق أوسلو الذي أبرمته منظمة التحرير في العام 1993 كان مضمونه بناء دولة مؤقتة بموارد مالية تتيح للفلسطينيين الاعتماد على أنفسهم بمساعدة الجانب الإسرائيلي، وهي مشابهة بشكل أو بآخر للسياسة التي يتبناها الجعبري".
ونوه الشوبكي إلى أن "معارضة السلطة لسياسة الجعبري تأتي من منطلق رفضها أن يقوم أحد السياسيين بالحديث باسم الشعب الفلسطيني سواها، وهي حالة مشابهة لما يجري في قطاع غزة برفضها إبرام أي اتفاق للتهدئة بين حماس وإسرائيل".
وأضاف الشوبكي لـ"عربي21": "استثمرت إسرائيل الفراغ السياسي في الضفة الغربية بتصدير شخصيات مثل الجعبري للضغط على السلطة، ووفرت له غطاء سياسيا وأمنيا، ولكن مدى نجاحه وفشله يعتمد على قدرة السلطة الفلسطينية على الصمود أمام الحصار والضغوط الاقتصادية التي تعاني منها".
رغم دخول العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حالة من القطيعة السياسية، في ضوء اقتطاع إسرائيل لأموال المقاصة منذ شباط/ فبراير الماضي، إلا أن السلطة لم تمنع نشاطات مشابهة كالتي يجريها الجعبري في الخليل، حيث شهدت مدينة رام الله مطلع العام الجاري افتتاح نشاط تجاري مشترك بين رجال أعمال فلسطينيين ورجل الأعمال الإسرائيلي رامي ليفي.
سياسة الأمر الواقع
ويشير عضو المجلس الثوري لحركة فتح، عبد الله عبد الله، إلى أن "الجعبري لا يمتلك أي غطاء سياسي أو تنظيمي يخوله بإبرام أو عقد أي اتفاق اقتصادي أو تجاري مع الجانب الإسرائيلي، لذلك لا يمكن القبول بسياسة فرض الأمر الواقع والالتفاف على الموقف الرسمي التي أقرت بفرض المقاطعة السياسية والاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي".
وأقر عبد الله في حديثه لـ"عربي21" بالمعيقات والتحديات التي تواجه السلطة في ملاحقة الجعبري، فهو "يخضع لحماية أمنية إسرائيلية، إضافة إلى تجنيده عشرات من أبناء حمولته لتوفير الحماية له، ولكن مع ذلك لن تسمح السلطة بانتشار أفكار التطرف التي يتبناها الجعبري إلى مناطق أخرى من الضفة الغربية".
في حين يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، رائد نعيرات، أنه "لا يمكن لأي شخصية سياسية تتبنى أفكار اليمين الإسرائيلي أن تفرض رؤيتها على الشارع للقبول بأي حل سياسي ينتقص من حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، لكن ذلك لا يمنع الشارع من القبول بأي حل اقتصادي كالتي يتبناها الجعبري في الخليل، خصوصا إذا لم تستطع السلطة إيجاد حلول خلّاقة لتجاوز الأزمة المالية التي تعاني منها".
وأضاف نعيرات لـ"عربي21": "إذا ما نجح الجعبري في تعميم نموذج التعايش المشترك في الخليل، قد يدفع بعض رجال الأعمال إلى الانخراط بهذه التجربة، حتى لو أبدى الموقف الرسمي والفصائلي معارضة؛ لأن الجميع يعلم أن السلطة لم يعد بها موارد مالية يمكن أن تحقق نهضة على الصعيد الاقتصادي والتجاري".
"يديعوت" ترسم صورة كئيبة للواقع الاقتصادي بالضفة الغربية
التداعيات الأمنية المحتملة بحال قررت إسرائيل ضم الضفة الغربية