لم يتمالك نفسه فهرع إلى منزله وملأ كل شيء وجده أمامه من أوعية بالمياه وسارع إلى أرضه الزراعية، يحاول أن يطفئ نيرانا نهشتها، لحق به أفراد أسرته وبدأوا بمساعدته غير آبهين بحرارة النار التي أتت على كل شجرة هناك.
ورغم كبر سنه إلا أن الحاج وليد عيد
ابن قرية بورين جنوب مدينة نابلس بالضفة المحتلة؛ حاول بكل ما أوتي من قوة أن يخمد
الحرائق وهو يرى تعب وشقاء عمره في الزراعة يضيع خلال لحظات، بينما لاحت أطياف
المستوطنين على أطراف الجبل البعيد وهم يهربون باتجاه مستوطنة "براخا"
المقامة على أراضي القرية بعد أن فعلوا فعلتهم.
الحرائق باتت سلاحا آخر بيد
المستوطنين لمهاجمة الأراضي الزراعية بالضفة، حيث تقدر الخسائر الزراعية سنويا بما
لا يقل عن مليون شيكل (285 ألف دولار) نتيجة إشعال النار في المحاصيل المختلفة.
ويوضح الحاج عيد لـ"عربي21"
أن المستوطنين ينتظرون عادة حتى تصبح الأعشاب صفراء جافة، ويبدؤون بإشعال النيران
فيها فتنتشر بشكل سريع ملتهمة كل شيء أمامها، حيث خلال الأسبوع الماضي أحرقوا أكثر
من 200 دونم مزروعة بالزيتون في القرية.
اقرأ أيضا: الاحتلال يقر إقامة "تلفريك" يصل "البراق" بالقدس المحتلة
ويضيف: "في كل عام نخسر مئات
أشجار الزيتون ولا نستفيد من زراعتها بسبب إحراقها في فصل الصيف؛ والأنكى من ذلك
أن الجنود يقفون لحماية المستوطنين خوفا عليهم من ردة فعل المزارعين الغاضبين حتى
إذا اشتكينا لهم قيّدوا الحرائق ضد مجهول رغم أن الدلائل كلها تشير إلى
المستوطنين، ولكننا إذا حاولنا التصدي لهم حتى ولو بالصراخ فقط يتم إطلاق النار
علينا من قبل الجنود فوراً، ولا يتوقف الأمر على أشجار الزيتون بل يتعداه إلى
محاصيل أخرى نتعب في زراعتها".
وحين تندلع النيران لا يتمكن
المواطنون من إيقافها؛ فتلتهم كل شيء وهم يحاولون بأبسط الوسائل إخمادها غير
مصدقين أن شقاء أعوام طويلة يندثر أمام أعينهم، بينما لا تتمكن طواقم الإطفاء في
كثير من الأحيان الوصول إلى قلب الأراضي الزراعية بسبب الطرق الوعرة التي لا يسمح
الاحتلال بتعبيدها.
خسائر بلا تعويض
قرية جالود القريبة كانت هي الأخرى
على موعد مع الحرائق المفتعلة من قبل المستوطنين، ففي صباح يوم العيد وأثناء
انشغال الأهالي بزيارة أقربائهم تفاجأوا بوجود حريق ضخم يلتهم مساحات واسعة من
الأراضي في المنطقة الجنوبية.
ويقول رئيس المجلس القروي فيها عبد
الله الحج محمد لـ"عربي21" إن مجموعات المستوطنين أشعلت النيران في
أراضي المواطنين على مساحة أكثر من 300 دونم، ما أدى إلى احتراق أكثر من 900 شجرة
زيتون ومئة شجرة صنوبر وتين، مبينا بأن الحريق الأول في هذه المنطقة طال كذلك مئات
الدونمات عام 2013.
ورغم الخسائر الفادحة التي يتكبدها
المزارعون نتيجة الحرائق إلا أن التعويضات تكاد تكون معدومة، حيث بدأت وزارة الزراعة
الفلسطينية ومن هلال مشروع أوروبي مؤخرا بتعويض بعض المزارعين الذين تضرروا من
الحريق رغم مرور ثمانية أعوام، كما لا توجد استراتيجية منظمة للتعويضات تطال كافة
المتضررين.
اقرأ أيضا: الاحتلال يقرر توسيع الاستيطان بالضفة والاتحاد الأوروبي يعلق
ويضيف الحج محمد: "في الساعة
العاشرة من صباح يوم العيد هاجم المستوطنون مدرسة القرية وألقوا حجارة صوبها
فحطموا نوافذها ومن ثم بدأوا بإحراق الأراضي الزراعية وانسحبوا صوب البؤرة
الاستيطانية المقامة على أراضي جالود، وهذه ليست المرة الأولى حيث في كل عام تقدر
الخسائر نتيجة الحرائق أو تخريب المحاصيل على يد المستوطنين بأكثر من 300 ألف
شيكل".
ويهاجم المستوطنون أراضي قرية جالود
بشكل مستمر طمعا في ضمها للمستوطنات، حيث يقومون بإحراق أكثر من 250 دونم في
المنطقة الشرقية بشكل متكرر منذ ثلاث سنوات والمزروعة بأشجار الزيتون المعمرة التي
يزيد عمرها على 65 عاما.
وتقام على أراضي جالود عدة مستوطنات
أبرزها "شافوت راحيل" و"شيلو" وتلتهم 16 ألف دونم من أراضيها
البالغة مساحتها 20 ألف دونم، أي أن أربعة آلاف دونم فقط تبقت للفلسطينيين والتي
لا تسلم من هجمات المستوطنين المتكررة بحماية قوات الاحتلال، كما أن من بينها 500
دونم لا يستطيع أصحابها دخولها إلا أربعة أيام في العام الواحد بالتنسيق مع قوات
الاحتلال.
ويعتمد أهالي القرية بشكل رئيسي على
الزراعة لما تملكه من سهول خصبة؛ بينما تقام المستوطنات على قمم الجبال العالية
ويطمع المستوطنون للسيطرة على بقية أراضيها بطرق عدة أبرزها افتعال الحرائق.
ما رسائل الاحتلال من تصعيد انتهاكاته بالأقصى في رمضان؟
الاعتكاف بالأقصى.. عبادة رمضانية يسعى الاحتلال لإنهائها
أبرز محطات تطبيع البحرين مع الاحتلال الإسرائيلي (إنفوغراف)