لم تتوقف انتقادات
اتفاق الخرطوم الأخير بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لأسباب عدة أبرزها
أن القوى المفاوضة لا تمثل كل الثوار
السودانيين، وآخر هو تأجيل "المجلس
التشريعي" والاكتفاء بمجلس سيادي.
واتفق طرفا الحوار في
السودان على تشكيل حكومة كفاءات مدنية مستقلة برئاسة رئيس للوزراء، وإقامة تحقيق
في الأحداث الأخيرة العنيفة.
وتم الاتفاق على مجلس سيادي بالتناوب بين العسكر والمدنيين لثلاث سنوات ربما تزيد قليلا، بحسب ما قال الوسيط
الأفريقي، محمد حسن لبات.
والبارز في الاتفاق
أيضا هو تأجيل المجلس التشريعي، الذي كانت تصر
قوى الحرية والتغيير على شغل ثلثيه،
تكون مهمته التشريع في الفترة الانتقالية.
وكان من أوائل من رفض
الاتفاق حركتا التمرد البارزتان؛ حركة تحرير السودان، وحركة تحرير السودان جناح
عبد الواحد نور.
رئيس المكتب الإعلامي
لحزب المؤتمر الشعبي صديق محمد عثمان، قال لـ"
عربي21" إنه في التجارب
السابقة في السودان، لم يكن هنالك مجلس تشريعي في الفترة الانتقالية لكونها لا
تحتاج لمجلس كامل، وستكون مهمة الفترة الانتقالية هي التهيئة للانتخابات المقبلة.
ولفت إلى أن كل ما هو
مطلوب الآن هو قانون انتخاب، وتعديل بعض القوانين لتوافق الإجراءات الانتقالية.
وأضاف أنه في السابق
كان المجلس السيادي هو الذي يقوم بمهام التشريع إلى جانب مجلس الوزراء، مذكرا بتجربة
عام 1985 التي كان فيها مجلس وزراء من 15 وزيرا، ومجلس عسكري من 15 شخصا، كانوا
يقومون سويا بمهمة التشريع التي انحصرت بتشكيل الهيئة القومية للانتخابات، وإجازة
قانون انتخابات، وإصدار بعض المراسيم التي تنظم العملية الانتخابية.
ورغم أن عثمان رأي في
الاتفاق الحالي "أسوأ ما يمكن أن يحصل على الإطلاق" لكون الاتفاق ثنائيا بين أطراف غير منتخبة وأطراف تدعي أنها تمثل الثورة، إلا أنه رأى أن الحديث عن
مجلس تشريعي زائد عن الحاجة.
وأكد أن قوى الحرية
والتغيير كانت تريد من وراء المجلس التشريعي أن تشرع بعض التشريعات وتلغي أخرى دون
تفويض انتخابي وهو ما لا يمكن أن يكون.
وكشف أنها كانت تريد
تغيير عدد من القوانين المتعلقة بالحكم الاتحادي، والتشريعات الإسلامية، وتعديل
قانون القوات المسلحة، وكلها قوانين حساسة لا يمكن للفترة الانتقالية القيام بها.
وقال إن رفض الحركات
المسلحة للاتفاق يعني الدخول في دوامة قديمة، لأن قضيتهم مؤجلة رغم أنها أساسية.
وعن الاتفاق الأخير
والفترة الانتقالية، قال عثمان إن من وقع الاتفاق مع المجلس العسكري، لا يملك
تفويضا، ولا مرجعية شعبية، ولا مؤسسات مدنية، ولا أحزابا بالمعنى الحقيقي.
وتوقع أن لا تستمر
الفترة الانتقالية لأكثر من عام واحد، إذا لم يتدارك العقلاء في السودان الأمر،
على حد تعبيره.
ورحبت دول وأطراف عربية
ودولية باتفاق المجلس العسكري في السودان وقوى إعلان الحرية والتغيير، لتقاسم
السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
ورحبت كل من الأمم المتحدة،
والاتحاد الأوروبي وتركيا وبريطانيا وإثيوبيا وقطر ومصر والإمارات والاتحاد
الأفريقي والجامعة العربية، الجمعة، بـ"اتفاق الخرطوم".
رئيس قوى الكفاح
التراكمي في السودان، أبشر رفاي، قال لـ"
عربي21" إن المشكلة في الاتفاق
الأخير بين العسكري وقوى الحرية والتغيير أكبر من مجرد غياب المجلس التشريعي، بل
إنها "مشكلة بنيوية سياسية عميقة جدا وخطيرة جدا".
وتابع رفاي بأن غياب
المجلس التشريعي هو واحد من جملة إخفاقات كبيرة في الاتفاق على عدة مستويات،
أبرزها مستوى التفكير والتخطيط، مشددا على أن ما حصل هو "وضع يد" على
الثورة ومخرجاتها.
وأكد أن الثورة ليست
حكرا على المجلس التشريعي أو قوى الحرية والتغيير، وأنه لا مسوغ قانونيا ولا أخلاقيا ولا دستوريا لما حصل.
وأشار إلى أن المشكلة
الكبرى هي "الشمولية المدنية" التي ستكون أسوأ من شمولية النظام السابق،
لكنها هذه المرة ستكون باسم الثورة السودانية.
ورأى رفاي أن الأمور
تعود في السودان إلى عهد الدولة العميقة التاريخية التي سبقت نظام البشير، منذ
تسليم البريطانيين السلطة إلى طبقة مجتمعية معينة في السودان دون الآخرين.
ولفت إلى أن الفرصة لا
تزال موجودة لمعالجة ما حصل، وهي أن يعترف المتفقون بالمكونات الأخرى في الثورة
السودانية، وأن لا تحتكر قوى الحرية والتغيير الإرادة الشعبية.
من جهته، هنأ رئيس
مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي "بشدة" المجلس العسكري وقوى الحرية
والتغيير على الاتفاق.
ونقل بيان للاتحاد عبر
موقعه الإلكتروني، امتنان فكي للمجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي لدعمه لعملية
الوساطة الأفريقية.
وحثّ الأطراف
السودانية على الحفاظ على التسوية، مؤكدًا التزام الاتحاد بدعم السودان نحو
المسار الديمقراطي.