تموضعات حزب الله في سوريا

لم يكن مفاجئا أن يُقدم حزب الله على إعادة ترتيب وجوده العسكري في سوريا، خصوصا في ريف دمشق. ليست إعادة التموضع هذه، ناجمة كما تروج أوساط الحزب عن التغيرات الكبيرة التي حدثت في المشهد العسكري السوري منذ عام 2014. بعبارة أخرى، ليست إعادة التموضع هذه ناجمة عن حالة قوة يشهدها النظام السوري وحزب الله تخولها إعادة ترتيب أوراقهما الداخلية.

إن عملية التموضع ناجمة عن ضغوط روسية ـ إسرائيلية، فُرضت على النظام والحزب، فمنطقة ريف دمشق الغربي وريف دمشق الشمالي الغربي (القلمون الغربي) ذات أهمية كبيرة للحزب بسبب ملاصقتها الجغرافية للبنان، ما يسمح له بالسيطرة الكاملة على الحدود وتأمين عمليات التهريب وبيع المخدرات، فضلا عن الترتيبات العسكرية التي قد يحتاجها الحزب إن وقعت معركة مع إسرائيل.

القلمون الغربي

تنبع أهمية القلمون الغربي من أنه القاعدة الخلفية وخزان الإمداد الرئيسي من السلع لدمشق وريفها وللمنطقة الوسطى في سوريا (حمص وريفها) ولمناطق في البادية شرقا، كما أنها تشكل العمق الجغرافي لمناطق الحزب في لبنان.

إنها منطقة تمتد من الدريج جنوبا على بعد بضعة كيلومترات من دمشق وحتى البريج شمالا قبيل القصير بكيلومترات، وهي عبارة عن شريط استراتيجي بطول نحو 120 كلم وعرض 10 إلى 20 كلم تحده من الغرب سلسلة جبال لبنان ومن الشرق الطرق المؤدية إلى بادية الشام، مع مجموعة كبيرة من القرى والمدن الصغيرة أهمها رنكوس وتلفيتا وحوش عرب وعسال الورد والمعرة والنبك ويبرود.

 

منذ منتصف كانون ثاني (يناير) 2019 أخطر حزب الله في مدينة يبرود أصحاب المساكن التي يسيطر عليها بالاستعداد لاستلامها خلال أسبوعين،

ولذلك، وضع "حزب الله" كامل ثقله في معارك القلمون الكبرى (الزبداني، بلودان، مضايا، سرغايا، رنكوس، يبرود، فليطا، النبك، جرجير، القصير) منذ منتصف عام 2013 وحتى عام 2016.

ومنذ عام 2014 يسيطر الحزب على منطقة "ثكفتا" في مدينة يبرود، ويسيطر على بلدة السحل المجاورة باتجاه الشمال الغربي، وعلى بلدة فليطا بالكامل، وقارة، والزبداني وبلودان وسرغايا ومضايا، فضلا عن القصير التي تعتبر الثقل الرئيسي للحزب، ففيها مركز نقل الأسلحة من وإلى لبنان، وفيها مركز تجارة المخدرات، ومنها يستطيع الحزب التحرك في عموم سوريا بحكم موقعها الجغرافي المتوسط بين الشمال والجنوب.

لكن منذ منتصف كانون ثاني (يناير) 2019 أخطر حزب الله في مدينة يبرود أصحاب المساكن التي يسيطر عليها بالاستعداد لاستلامها خلال أسبوعين، وفعلا في 31 كانون ثاني (يناير) 2019 انسحب الحزب من كامل حي القاعة/ ثكفتا داخل مدينة يبرود، لكنه أبقى على نقطة عسكرية في جبل مار مارون، وهو أهم وأعلى جبل في المدينة، المطل على أوتوستراد دمشق ـ حلب من ناحية الشرق، ويكشف كل منطقة يبرود والمناطق المحيطة بها من ناحية الجنوب والغرب والشمال الغربي.

والملفت للانتباه، أن أصحاب البيوت التي كان عناصر الحزب يسكنوها، تفاجأوا بعد استلام منازلهم، أن الجدران الداخلية للمنازل مليئة بعبارات طائفية ضد السنة.

 

ترك الحزب عبارات طائفية على جدران المنازل الداخلية، وقام بتكسير المنازل الفخمة وتدمير أثاثها،

وفي 23 نيسان (إبريل) 2019 بدأ الحزب أيضا إخلاء بعض المواقع داخل مدينة قارة، دافعا بعناصر إلى حمص والقصير. وانسحب مع عناصر الحزب، مجموعات مقاتلة من السوريين ضمن ميليشيا سمير الرحال التي تتبع للحزب بشكل مباشر.

وكما فعل في يبرود، ترك الحزب عبارات طائفية على جدران المنازل الداخلية، وقام بتكسير المنازل الفخمة وتدمير أثاثها، كما فعل تحديدا مع قصور آل القاضي، رجل الأعمال الكبير عبد المجيد القاضي وأخوته.

ومع ذلك، فإن الحزب لم يغادر المدينة كما روج إلى ذلك، فقد أبقى على تواجد له داخل مبنى مستشفى قارة، وداخل المدينة الرياضية، وهذه المدينة استعملها الحزب خلال السنوات الماضية لتصنيع البراميل المتفجرة لقوات النظام، وكانت المدينة الرياضية تستقبل حوامات النظام لأخذ البراميل المتفجرة.

ويرتبط الانسحاب من يبرود وقارة، ضمن الترتيبات الجديدة التي تقوم بها روسيا في هذه المنطقة، لسببين رئيسيين، الأول مرتبط بعمليات تهريب السلاح والبشر والمخدرات من لبنان إلى هاتين المدينتين الحدوديتين، وتحاول روسيا في هذا الصدد نتيجة تفاهماتها مع إسرائيل إلى ضبط الحدود السورية ـ اللبنانية.

والسبب الثاني، اقتصادي، حيث بدأت تظهر المطامع الاقتصادية الروسية في هذه المنطقة منذ نحو عامين، عندما بدأوا التركيز على آبار الغاز في المنطقة، إذ تم الإعلان عن أربعة مشاريع للتنقيب عن الغاز دفعة واحدة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2017، وتوزعت الآبار على بئرين في قارة، وبئرين آخرين في كل من بلدتي البريج ودير عطية. 

كما تم إنشاء محطتين للتجميع والمعالجة والتخزين في كل من قارة والبريج خلال مدة قياسية، وافتتح هذا المشروع في شهر أيار (مايو) عام 2018، بقيمة تصل إلى أربع مليارات ليرة سورية، وبقدرة إنتاجية تجاوزت المليون متر مكعب يوميا.

محيط دمشق

ويتواجد الحزب أيضا في محيط مطار دمشق الدولي، وله مواقع خدمية مثل محطات للبنزين والديزل خاصة به، ويتواجد أيضا في السيدة زينب وداخل دمشق، خصوصا في البلدة القديمة (سوق الحميدية، سوق مدحت باشا)، ويتواجد الحزب أيضا في محافظة درعا (مدينة درعا، الشيخ مسكين والكرك الشرقي، المسيفرة، صيدا، كحيل بريف درعا الشرقي، وطفس ونوى والحارة بريف درعا الغربي).

ونتيجة للغارات الإسرائيلية المتكررة على حرم المطار ـ أخطرها في منتصف أيلول (سبتمبر) 2018 ومنتصف كانون ثاني (يناير) 2019 وأدت إلى تحطم جزء من مبنى المطار ـ جرى إبعاد عناصر الحزب وعناصر إيرانيين من كامل مطار دمشق الدولي.
 
وفي العام الماضي قلل الحزب من نقاط تمركزه في غوطة دمشق الغربية عقب الغارات الإسرائيلية، فقد أخلى مدرسة المخابرات واللواء 94 دفاع جوي في مدينة الديماس، على طريق دمشق ـ بيروت الدولي، وأخلى أيضا نقاط حدودية في مزرعة دير العشاير التي تعرضت للاستهداف الإسرائيلي. 

 

بسبب الضغوط الروسية بدأ الحزب كما كثير من الميليشيات التابعة لإيران، بتغيير تشكيلاته

ونقل الحزب المعدات الثقيلة الموجودة في المواقع التي أخلوها إلى موقع ضهر القضيب غربي مدينة الزبداني، في حين اتجه عناصر الحزب إلى استراحة الرئيس في بلودان وقمة النبي هابيل بالقرب من وادي بردى غربي دمشق. 

وبسبب الضغوط الروسية بدأ الحزب كما كثير من الميليشيات التابعة لإيران، بتغيير تشكيلاته، فبعضها انخرط في قوات النظام كما هو الحال مع اللواء 105 التابع  لـ "الحرس الجمهوري" والفرقة الرابعة، وبعضها الآخر حافظ على نقاط ثابتة له مع رفع العلم السوري وتغيير الباس كما هو الحال مع "اللواء 313" المشكل من أبناء درعا والذي غيرت إيران اسمه مؤخرا إلى "درع الوطن" بقيادة وسيم مسالمة.

من الواضح أن القمة الثلاثية التي جمعت مستشار الأمن القومي لإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة سيكون لها تأثير في مقبل الأيام على وضع إيران، وستكون القوى التابعة لإيران أول المتأثرين من هذه القمة، فالمطلوب أمريكيا وإسرائيليا تحقيق أربعة أهداف:

1 ـ إبعاد إيران والقوى التابعة لها من كامل منطقة الجنوب، باستثناء تلك التي تتواجد في ثكنات النظام مباشرة، وبالتالي هو من يتحمل أمام إسرائيل تبعات هذا الوجود.

2 ـ إضعاف سيطرة الحزب على الحدود السورية ـ اللبنانية، وهذا هدف يلتقي مع مطالب الروس الذين يعملون على التحكم في الحدود السورية.

3 ـ منع إيران من تشكيل قواعد عسكرية كبيرة تهدد إسرائيل، وتشكل عامل ضغط على دمشق.

4 ـ تخفيف القبضة الإيرانية في سوريا دون إلغائها، وإنما إضعافها بحيث تصبح غير معطلة لأية تفاهمات استراتيجية في المستقبل حيال السلام السوري.

*كاتب وإعلامي سوري