نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للباحث المتخصص في سياسة الصين تجاه الأقليات، أدريان زينز، يقول فيه إن حملة معسكرات الاعتقال، التي تقوم بها الحكومة الصينية في إقليم تشنجيانغ في شمال غرب الصين، خارجة عن العادة ليس فقط بسبب حجمها، لكن أيضا لتناقضاتها.
ويشير زينز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هناك حوالي 1.5 مليون شخص، معظمهم مسلمون من العرق التركي -الأويغور والكازاخستانيون والقرغيز- يعتقلون تعسفيا لإعادة تعليمهم السياسي في المعسكرات المصممة، لتكون جزءا من جعلهم يتخلون عن معتقداتهم الدينية.
ويلفت الكاتب إلى أن السلطات الصينية صورت، أحيانا، حملة الاعتقال الجماعي هذه على أنها "تدبير وقائي صارم" ضد العقائد المتطرفة العنيفة، وأحيانا أخرى أطلقت عليها مبادرة "تدريب مهني"ـ مشبهة المعتقلين "بطلاب المدارس الداخلية".
ويستدرك زينز بأن "شهود العيان -بالإضافة إلى وثائق الحكومة- يكشفون عن أن تلك المرافق هي معسكرات اعتقال شبيهة بالسجون، وتعتمد على غسيل الدماغ المكثف، وأشكال من التعذيب النفسي، (كما كانت هناك بعض التقارير حول التعذيب الجسدي والاغتصاب)، وعدا عن المعسكرات، فإن جهود الدولة في إعادة الهندسة الاجتماعية، تتضمن الفصل الممنهج للأطفال عن والديهم، وتجنيد المزيد من البالغين في عمل السخرة".
ويجد الباحث أنه "مع أن الصين واجهت أحيانا مقاومة عنيفة من بعض المجموعات الأويغورية، بالذات بعض الهجمات الإرهابية في بكين عام 2013 وفي كانمينغ في 2014، إلا أن الحملة التعليمية في تشنجيانغ لا علاقة لها بمكافحة التطرف، (وقال ذلك الخبير الأمريكي في مكافحة الإرهاب، ناثان سيلز، في وقت سابق من هذا الشهر)، والمعتقلون ليسوا شبابا فقط -وهم الفئة الأكثر عرضة للوقوع في براثن التطرف كما يعتقد– لكن أيضا كبار السن والنساء الحوامل، بالإضافة إلى الملحدين والمتحولين إلى المسيحية، ويمكن أن يعتقل الشخص لملء سيارته بكمية كبيرة من الوقود، أو رفضه التدخين في مكان عام، (حيث يعد هذا مؤشرا على التدين) أو لاستقبال مكالمات هاتفية من أقارب في الخارج، وقال أعضاء من الأقليات الإثنية إنهم حاولوا جهدهم ليكونوا (مواطنين صينيين مثاليين)، لكن ذلك لم ينقذهم من الاعتقال".
ويتساءل زينز قائلا: "لماذا؟ ولماذا تقوم الحكومة الصينية بقمع مجموعة عرقية كاملة عندما تكون مثل هذه التكتيكات القاسية يتوقع أن تولد مقاومة وتطرفا؟ ولماذا هي مستعدة لتغامر في تنفير الحكومات المسلمة في وسط آسيا، وأبعد من ذلك، حتى عندما جعل الرئيس شي جين بينغ مبادرة مشروع الحزام والطريق أهم مشروع دولي لبلاده؟".
ويقول الكاتب: "لأن الحزب الشيوعي الصيني لا يستطيع أن يحاول إجبار الناس على الاندماج، وهدفه الأساسي في إقليم تشنجيانغ -كما هو في أنحاء الصين كلها- هو فرض استعلاء أيديولوجي، ويتضمن ذلك أيضا محاولة تحويل هوية الأقليات في البلد، ويعيش الحزب الشيوعي الصيني في حالة خوف دائم، بأنه ما لم يعزز قبضته الكاملة على المجتمع الصيني، فإن بقاءه على المدى البعيد يواجه الخطر".
ويجد زينز أنه "لذلك، فإن الحزب الشيوعي الصيني يزيد من جهده في الحاضر لإكراه الناس على الاندماج في إقليم تشنجيانغ، وهو ما كان قد فشل في أماكن أخرى في الماضي".
ويرى الباحث أن "حملة إعادة التعليم التي يقوم بها الحزب الآن هي نسخة معدلة من الثورة الثقافية، وهذه الحملة أيضا تسعى لتحقيق سيطرة أيديولوجية باقتلاع أنظمة الاعتقاد والأيديولوجيات البديلة، لكنها تفعل ذلك بطرق أكثر تقدما تقنيا، ففي إقليم تشنجيانغ تدخل كميات كبيرة من المعلومات عن كل شخص في قواعد المعلومات التابعة للشرطة، إما من المعلومات التي تجمع من الكاميرات المنتشرة في أنحاء الإقليم كلها، أو المعلومات التي تجمع من الحواجز، وتلك التي تجمع من زيارات الشرطة للمنازل".
ويستدرك الباحث بأن "هذا الجهد يبدو أنه يهمل أن أحد آثار الثورة الثقافية كان خلق فراغ روحي، وأنه في العقود التي اتبعت تلك الثورة، مرت الصين بعدة تجارب إحياء روحي، فالعديد من الأويغور والتبتيين والهان، الذين يشكلون الأكثرية، تبنوا معتقدات تقليدية وجديدة".
ويفيد زينز بأنه "يعتقد أن عدد المسيحيين في الصين زاد من 3.4 مليون عام 1950 إلى حوالي 100 مليون اليوم، أو أكثر من عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني كله، وحتى أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، إما أن يكونوا اعتنقوا دينا رئيسيا، أو اعترفوا سرا بأنهم يشاركون في شعائر دينية، أو ذهبوا للعرافين، أو حرقوا البخور، أو أنهم يحتفظون بأصنام في بيوتهم، وكثير من المتدينين لا يرون تناقضا بين دينهم ووطنيتهم أو احترامهم للحزب".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك، فإن حملة الحزب الشيوعي الصيني للدمج اليوم تستمر في استهداف الدين، لأنه في نظر الحزب، فإن الدين الذي يعبر عن ولاءات الشخص العميقة ويتنافس مع الولاء للدولة يقلل من شأن الأساس الأيديولوجي للحزب: المادة".
ويبين زينز أن "الإحياء الروحي الذي تعرضت له الصين أربك بشكل تام الفرضية الماركسية الرئيسية، بأن التطور الاقتصادي يطفئ طبيعيا المعتقدات الدينية، وفي الواقع، فإن الإحياء تزامن مع إخراج البلد من الفقر، كما يبدو أن الثراء المتزايد شجع على الفساد، بما في ذلك داخل الحزب الشيوعي الصيني، مقوضا شرعية الحزب ومكانته الأخلاقية، ما يضطر الحزب لأن يكون في موقف المدافع أيديولوجيا عن نفسه بشكل أكبر".
وينوه الباحث إلى أن "الحكومة تحاول تشجيع الاندماج اللغوي الإثني، من خلال تشجيع مادي، وقام البعض من الأقليات بالسعي لتعلم اللغة الصينية من أجل تحقيق انتقال اجتماعي للطبقات الأعلى، لكن العدد الأكبر هو من زاد تمسكا بهويته الإثنية والدينية المتميزة".
ويقول زينز إنه "في وقت سابق من هذا العام، تم إخبار التبتيين الرحل بأنه يمكنهم الحصول على مساعدات حكومية إن قاموا باستبدال المذابح المخصصة للآلهة البوذية بصور الزعماء السياسيين الصينيين، وكذلك كان قد قيل سابقا للقرويين المسيحيين في جنوب شرق الصين، بأن عليهم استبدال الرسوم التي تمثل المسيح بصور للرئيس شي، إن كانوا يريدون أن تستمر المساعدات الحكومية لتخفيف الفقر، وادعى المسؤولون المحليون، بحسب مواقع التواصل الاجتماعي، بأن المبادرة نجحت في (إذابة الجليد في قلوب المسيحيين، وحولتهم من مؤمنين بالدين إلى مؤمنين بالحزب)".
ويتساءل الكاتب قائلا: "فهل فعلت ذلك حقا؟ إن أبحاثي بين التبتيين الذين يعيشون تحت حكم الصين في إقليم غوانزو بين عامي 2006 و2008 أظهرت بأنه حتى أعضاء المجموعة الأكثر اندماجا، قد يكونون أكثر دعما للهوية الإثنية التي من المفترض أنهم تخلوا عنها، وتسود ظاهرة كهذه بين الأويغور الآن".
ويقول زينز: "خذ مثلا مهريغول تورسون، من إثنية الأويغور، قالت للكونغرس الأمريكي العام الماضي حول الوقت الذي قضته في الاعتقال لتعلم اللغة الصينية بشكل إلزامي: (تجربتي في ذلك البرنامج الحكومي، جعلتني أكثر وعيا بهويتي الإثنية)، وأصبحت منذ ذلك الحين ناشطة تتحدث بصوت عال".
ويضيف الباحث: "قال لي صديق بأن بعض الصينيين من إثنية الهان يعيشون في تشنجيانغ، قالوا له بأنه يعتقد بأن الحكومة تقوم بتحويل أقلية غير ضارة من المواطنين إلى معارضين مبغضين، سينتقمون إن تم إطلاق سراحهم".
ويذهب زينز إلى أنه "مع ذلك، فإن الحزب الشيوعي اليوم لا خيار له إلا أن يعتقد بأن برنامج إعادة التعليم الذي يطبقه سيؤدي إلى تحويل الناس إلى مواطنين ملتزمين أيديولوجيا، وفي مواجهة فشل الأساليب الأكثر ليونة، مثل تحسين الأوضاع المعيشية والتقدم التكنولوجي والدعاية الحكومية، فإنه لا يمكنه إلا اللجوء إلى القمع".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "كان كارل ماركس قد توقع أن نظام الرأسمالية سينهار تحت وطأة التناقضات التي يقوم عليها، لكن الحزب الشيوعي الصيني لا يبدو أقل عرضة لتناقضاته".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
أكسيوس: الصين جندت الدكتاتوريين لدعمها ضد الأويغور
الغارديان: بوريس جونسون يتهم الإسلام بالرجعية والتخلف
WP: الصين تغسل عقول أطفال المسلمين والعالم لا يتحرك