زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى عمّان الثلاثاء (23 تموز/ يوليو) أثارت العديد من الأسئلة حول دوافع الزيارة وتوقيتها وآفاقها المستقبلية، وأعادت في نفس الوقت إلى الأذهان العقبات التي واجهتها عملية تطوير
العلاقات الأردنية التركية، وعلى رأسها التطورات التي شهدها الإقليم عشية اندلاع الربيع العربي والثورات المضادة المرافقة لها، والتي وقفت عائقا أمام تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين أكثر من مرة؛ ليطرح السؤال الكبير: ما الجديد في العلاقات الأردنية التركية لنشهد هذه النقلات الكبيرة؟
الأسئلة المرتبطة
بزيارة وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو مبررة هذه المرة، خصوصا بعد الكشف عن طبيعة الوفد المرافق لوزير الخارجية التركي والقضايا المطروحة. إذ تواترت الأنباء عن مرافقة كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات التركية لوزير الخارجية. والتقى المسؤولون الأتراك نظراءهم الأردنيين، وهو تمثيل يفوق القضايا السياسية والدبلوماسية الكبرى التي تناولتها العلاقات الأردنية التركية خلال العام الأخير، وعلى رأسها القدس والملف الفلسطيني الذي شهد تقاربا في المواقف مع
تركيا، فما الجديد والملحّ مرة أخرى؟
رغم ربط بعض المصادر بين زيارة وزير الخارجية التركي إلى عمان بالانفراجة الكبيرة في العلاقة القطرية الأردنية، بعيد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتعيين سفراء في كل من عمان والدوحة، إلا أن التوقيت ارتبط بنشاط مفرط دبلوماسي وأمني على طول الشريط الحدودي العراقي السوري، وبتحركات دبلوماسية أمريكية نشطة قادها ممثل الولايات المتحدة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب المبعوث الأمريكي لسوريا، جيمس جيفري.
نشاط وتحركات مفرطة هددت بانفجار الأوضاع الأمنية على طول الحدود العراقية السورية، وانتقال تداعياته إلى كل من الأردن وتركيا. فدخول لاعبين جدد مأزومين سياسيا وعسكريا واقتصاديا سيقود إلى تقويض الاستقرار في منطقة تعاني من السيولة والهشاشة الامنية.
فبعد زيارة استعراضية تخدم حملته الانتخابية قام بها نتنياهو إلى قاعدة "نيفاتيم" الجوية في النقب، لمتابعة التدريبات على طائرات "F 35" الأمريكية، ألمح خلالها نتنياهو لإمكانية شن هجمات على المصالح الإيرانية في العراق؛ تعرضت قوات الحشد الشعبي العراقي في معسكر الشهداء، بالقرب من "امرلي" في محافظة صلاح الدين، لغارة جوية غامضة استهدفت عراقيين ومستشارين إيرانيين؛ رافعة من مستوى التوتر الذي سرعان ما انتقل إلى مدينة الرطبة العراقية، الواقعة على مفترق الطرق بين الحدود الأردنية طريبيل ومدينة القائم السورية وقاعدة التنف الأمريكية في سوريا؛ التي شهدت بدورها مناورات أمريكية وإعادة تشكيل قوات مغاوير الثورة السورية المدعومة أمريكا في الجنوب السوري.
الغارات الجوية المجهولة في "إمرلي" أطلقت تفاعلات خطرة؛ فالقوات الأمريكية سارعت للانسحاب من مدينة الرطبة العراقية بعد الهجوم وصدور الأمر باعتقال قائد منطقة الأنبار العسكرية اللواء محمود الفلاحي، بحجة التخابر مع القوات الأمريكية وتقديم معلومات عن إحداثيات قوات الحشد الشعبي؛ تبتعها تهديدات للقوات الأمريكية لتنسحب مخلّفة فراغا سارعت قوات الطوارئ في الجيش العراقي لملئه، قبل أن يتمكن تنظيم الدولة (داعش) من الاستفادة من الفوضى الناجمة عن التحركات الأمريكية والإسرائيلية على الأرجح.
التأزم والمغامرات المتهورة لأطراف الصراع في الإقليم رفع سخونة المناطق الحدودية بالقرب من المثلث الحدودي الأردني السوري العراقي، كما رفعت السياسية الأمريكية من سخونة الجبهة الشمالية شرق الفرات؛ مهددة المصالح الأردنية المباشرة بتطوير العلاقات الاقتصادية مع دولة العراق. والأخطر من ذلك، تحول المنطقة الحدودية إلى ساحة مواجهة تستخدم فيها تقنية الطائرات المسيّرة، مكررة ما حدث في الخليج العربي واليمن، وهو أمر لا يرغب الأردن التورط فيه.
المصالح الأردنية المهددة في الجنوب السوري والعراقي لا تختلف عن المصالح التركية في الشمال؛ فالاعتماد على المليشيا الكردية في سوريا لا يقل خطورة عن الاعتماد على الطيران الإسرائيلي لتوجيه ضربات في شمال العرق وجنوب سوريا.
الأخطر من ذلك أن نشاطات المسؤولين الأمريكان (جويل رابيون نائب وزير الخارجية الأمريكي، والسفير وليام روبياك) في مدينة الرقة ومن ثم دير الزور، بمرافقة مسؤولين سعوديين على رأسهم وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان؛ رفع مستوى التوتر وخلط الأوراق في سوريا والعراق.
خلط الأوراق على الحدود السورية العراقية يهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، إذ لن يقتصر تأثيره على إيران والمليشيات في سوريا والعراق، بل سيمتد تأثيرها إلى تركيا والأردن؛ إذ سيهدد المشاريع الاقتصادية الطموحة للأردن بالانفتاح على العراق وسوريا، فآخر ما يريده الأردن أن تنتقل المواجهة الجوية وحروب طائرات الدرون (الطائرات المسيرة) من الخليج العربي واليمن إلى الحدود الأردنية السورية العراقية.
الملفات الساخنة والحدود المشتعلة تدفع الأردن إلى تنويع خياراته وتوسيع دائرة شراكاته الاستراتيجية؛ فنشر الفوضى والاعتماد على المليشيات المسلحة لخوض حروب الوكالة لن يعالج الإشكالات السياسية مع طهران بل سيفاقمها، ولن يحقق الأمن والازدهار في المنطقة، كما أنه يتناقض مع المصالح الأمريكية المباشرة في شمال سوريا؛ الأمر الذي تحاول تركيا أن تقنع الولايات المتحدة بالتوقف عن فعله في دير الزور، إلى جانب حلفائها العرب. فالتحركات الدبلوماسية التركية تتوافق مع توجهات الأردن لنزع فتيل
الأزمات وصواعق التفجير في سوريا والعراق.
الأردن وتركيا من أكثر الدول تضررا من التطورات السلبية الناجمة عن التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والذي ترتبت عليه تحركات سعودية واضحة في المنطقة؛ مترافقة مع تحركات لسلاح الجو الإسرائيلي كان آخرها غارات أعلن عنها يوم الأربعاء (24 تموز/ يوليو) في ريف درعا والتل الأحمر بالقرب من القنيطرة.
التنسيق الأردني التركي بات ضرورة ملحة في ضوء تهور الأطراف المنخرطة في الصراع، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية التي تحركها هواجس الانتخابات الرئاسية المقبلة، والعجز والفشل عن محاصرة إيران، وضغوط حلفائها العرب في الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية؛ وتفاقمها دوافع نتنياهو الانتخابية وهواجس الكيان الإسرائيلي الأمنية، منذرة باتساع دائرة المواجهة بشكل يقوض الأمن والاستقرار في المنطقة كلها.
ختاما: التقارب الأردني التركي بات ضرورة من وجهة نظر أردنية لتنويع الخيارات على الأرجح، والتحرر من الضغوط المتصاعدة؛ التي من الممكن أن تقوض الأمن وتُدخل الأردن في دائرة الاستهداف؛ التي أثبتت هجمات "الدرون" الطائرات المسيرة في الخليج العربي واليمن خطورتها على الأمن والاستقرار في المنطقة. فالأردن معني بالتنسيق مع تركيا بما يحفظ أمنه واستقراره ويعزز اقتصاده، ويفتح الآفاق لمزيد من التعاون والتفاهم مع دول الجوار والقوى الإقليمية، بما فيها طهران مستقبلا.