هل هي بداية النهاية للاستثمار الإماراتي بالنظام المصري؟

على نهج الشيطان عندما قضي الأمر، قال للإنسان: "ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي"، هكذا بدت سياسة الإمارات الخارجية مع حلفائها في الفترة الأخيرة.. فمع السعودية بدأت الإمارات سحب قواتها من اليمن بعد أن ورطت الأمير الصغير في حرب أنفق فيها مليارات الدولارات، واشترى بأضعاف ذلك المبلغ أسلحة من الولايات المتحدة ليجد لنفسه غطاء للمجازر التي يرتكبها ضد المدنيين هناك، وبمجرد ما بدأت الحرب تهدد مدن الإمارات انسحبت من اليمن كاشفة ظهر السعودية، بعد أن تركت مليشيات موالية لها تحافظ على مصالحها.

ويبدو أن الأمر يتكرر الآن في مصر مع نظام السيسي الذي حلبت منه الإمارات ما قدر لها وسيطرت على السلع الاستراتيجية في البلاد، والآن وبعد أن تركت وكلاء موالين لها يحافظون على مصالحها في مصر بدأت بالانسحاب، وهو ما يعني أن جدوى بقائها في مصر أصبح كجدواه في اليمن، فقد أخذت ما تريد، وهو ما يعني أيضا أن النظام قد فشل حتى مع حليفه الذي أغدق عليه بالرز حتى يستل اللحم.

في الخبر، عينت شركة دانة غاز الإماراتية بنك الاستثمار تودورهولت لتقديم المشورة لها بشأن بيع أصولها في مصر، التي تزيد قيمتها على 500 مليون دولار، حيث تحول الشركة تركيزها إلى الاستثمار في إقليم كردستان.

يذكر أن أصول التنقيب والإنتاج في شركة دانة في مصر تتركز في دلتا النيل وشرق البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن دانة قد بدأت في حفر في بئر ميراك البحري شرق البحر المتوسط، التي قالت وقتها إنه يمكن أن يحتوي على ما يصل إلى أربعة تريليونات قدم مكعب من الغاز، يأتي القرار المفاجئ.

لكن المتخصصين فسروا القرار بأن الشركة تأكدت من أن البئر لا يحتوي على هيدروكربونات تجارية، لذا تخلت عنه، لكن القرار كان من ورائه سبب تجاري أكثر خطورة، وهو أن الشركة الإماراتية لا تجد مشترين لمستخرجاتها من مصر.

في أيار/ مايو الماضي، قال الرئيس التنفيذي لشركة دانة، إن شركته تعتزم زيادة إنتاج الغاز من حقل خورمور في كردستان إلى 650 مليون قدم مكعب يوميا بحلول عام 2022، و900 مليون قدم مكعب يوميا بحلول عام 2023، مما يستوجب سحب الاستثمارات غير المجدية من مصر، لتلبية احتياجات التوسع المستهدف في كردستان.

قرار دانة كاشف بكل المعاني، فلا الآبار النفطية وحلم امتلاك أكبر مخزون غاز في العالم كما صدر النظام حقيقة، ولا العلاقات الإماراتية مع النظام راسخة كما كان يصدر في الإعلام، وهو ما يؤكد حالة الكذب المستمر الذي يروجه النظام المصري من اليوم الأول، من خلال أخباره أو حتى أغانيه التي لم ترسخ العلاقات بين النظامين، بل أهانت الشعب المصري صاحب التاريخ والحضارة، وأهانت معه دولة كبيرة بحجم مصر.

هذه صورة لشكل منظومة العلاقات التي تربط دول وظيفية بأنظمة انقلابية، فالأول دوره تخريب قواعد العلاقات بين الدول، وإرساء منظومة جديدة مبنية على الاستغلال والاستفادة اللحظية، دون النظر إلى المصالح المشتركة والعلاقات الاستراتيجية، ومصالح الأمن القومي المشترك. أما الثاني فهدفه كسب شرعية مزيفة من أنظمة خربة للتغطية على جريمته باغتصاب الحكم، وفي الوقت نفسه اغتراف ما يظن أنه سيجر له النفع حتى لو كلف ذلك أصول الدولة وثرواتها الاستراتيجية وعوامل قوتها.

العلاقات بين الدول تترسخ بالتجارة والعلاقات الاقتصادية، وإيجاد قواسم مشتركة تدر عوائد تأتي بالنفع بين البلدين على قاعدة "اربح ودعني أربح"، ثم تأتي المواقف السياسية لتدعم تلك العلاقات، لاسيما أن المواقف السياسية متغيرة، فما يردها عن الانحراف؟ ومن ثم تأكيد العلاقة بين البلدين، هي تلك العلاقات التجارية القوية المبنية على أسس من التعاون المشترك، لذا فإنه من الواضح أن الإمارات ستبدأ في تغيير وجهتها، وهو ما يعني مزيدا من فقدان النظام في مصر لأوراقه الداعمة.