في حالة سياسية نادرة، يجلس الشيوعيون والإسلاميون السودانيون في خانة المعارضة، للاتفاق المبرم بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري؛ ما يهدد الحكومة الانتقالية المرتقبة، وينظر الطرفان للاتفاق كل من عقيدته السياسية الخاصة.
ورفض الغريمان التقليديان، ما تمخض
من محادثات بين القوى السياسية الممثلة للثورة السودانية والمجلس العسكري، واعتبر
الإسلاميون الاتفاق "ثنائيا" و"إقصائيا"، ويرسم ملامح دولة
"علمانية" في بلد غالبيته من الإسلاميين.
بينما يراه الشيوعيون "اتفاقا
ناقصا ولا يحقق شروط الثورة، بإسقاط شامل لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وفقا
للتحليل الماركسي لمفهوم الثورة لدى بعض القادة الأيدولوجيين".
وهي ليست المرة الأولى التي يقف
"اليمين واليسار" على ضفة سياسية واحدة، فقد تحالف الطرفان في المعارضة
قبل نيل السودان استقلاله عام 1965، وذلك عندما سيطر الضبّاط الأحرار بقيادة جمال
عبد الناصر في مصر على السلطة في يوليو (تموز) 1952م، وعاد الطرفان للاتفاق على الإطاحة
بأول تدخل للجيش في السياسة بقيادة الجنرال إبراهيم عبود في سنة 1958.
كما عارضا في فترات مختلفة نظام
المشير جعفر النميري 1969- 1985م، بيد أن أعلى مستويات العداوة بين الشيوعيين والإسلاميين
بدأت بعدما سيطر الإسلاميون بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير على السلطة بانقلاب
عسكري عام 1989م.
اقرأ أيضا: ترحيب عربي وإفريقي بتوقيع الإعلان الدستوري في السودان
وعندما وقعت المفاصلة بين زعيم الإسلاميين
الدكتور حسن الترابي والرئيس عمر البشير عام 1999م، تحالف حزب الترابي (المؤتمر
الشعبي) مع الحزب الشيوعي ضمن تجمع معارض لإسقاط حكومة البشير، قبل أن ينخرط
الشعبي مع أحزاب أخرى في حوار مع نظام البشير، أفضى للمشاركة في الحكومة حتى سقوط
النظام في الحادي عشر من نيسان/ أبريل 2019م.
حاليا، يتفق الشيوعيون وغالبية التيارات
الإسلامية بالسودان على مناهضة الاتفاق الذي وقع بالأحرف الأولى بين قوى الحرية
والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي الأحد الماضي.
لكن عضو اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي القيادي البارز كمال كرار يرفض وضع حزبه في موقف واحد مع الإسلاميين في
التطورات الماثلة الآن، ويقول لـ"عربي21" إن "حزبه عارض وشارك
بقوة لإسقاط حكم الإسلام السياسي، ولن يعمل من أجل إعادة إنتاج النظام القديم".
وأوضح أن "موقف حزبه من الاتفاق
الدستوري الأخير، مرتبط بتطلعات الجماهير في تحقيق كافة مطالب الثورة، وإسقاط
امتدادات نظام البشير"، مضيفا أن "حزبه يتمسك بموقفه الرافض للاتفاق،
حتى تنقل السلطة بالكامل لحكومة مدنية انتقالية تبعر عن الثورة السودانية".
وجاء في بيان للحزب الشيوعي أن "الاتفاق
منقوص ومعيب، ويعيد إنتاج الأزمة بالاستمرار في سياسات النظام السابق القمعية
والاقتصادية، والتفريط في السيادة الوطنية"، معتقدا أن "الاتفاق التف
على مطلب لجنة التحقيق المستقلة الدولية، ما ينسف تحقيق العدالة للشهداء الذين
سقطوا خلال الاحتجاجات".
اقرأ أيضا: قتيل سوداني بعد أقل من يوم على توقيع الإعلان الدستوري
من جهته، يقول رئيس تحرير صحيفة
الوفاق رحاب طه وهو أحد الإسلاميين الذين أيدوا نظام البشير حتى سقوطه، إن "وجود
الإسلاميين والشيوعيين في معارضة نظام سياسي حالة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة".
ويرجح طه في حديث لـ"عربي21" أن الطرفين سيشكلان معارضة مختلفة للحكومة
الانتقالية المرتقبة، لكنه شدد على اختلاف كل طرف عن الآخر بأساليبه السياسية في
المعارضة.
ويرى أن "الحزب الشيوعي يلجأ
عادة إلى معارضة مرتبطة بالإضرابات والعصيان، ووضع المتاريس في الطرقات، بينما الإسلاميون
ليس أمامهم إلا انتهاج معارضة وطنية ترجح مصلحة البلاد وتلتزم بالأخلاق".
وتوقع أن يبتعد الإسلاميون عن أي نهج
مرتبط بالإضرابات وتعطيل مصالح المواطنين، مرجئا ذلك إلى أنهم "انتقدوا هذا
النهج، وسوف يلجؤون إلى الخطاب الإعلامي الناقد لأي أخطاء في الأداء التنفيذي
ويفرقون بين معارضة الدولة ومعارضة الحكومة"، على حد قول طه.
وفي بيان معارض للاتفاق أصدره حزب
المؤتمر الوطني الذي تُعد الحركة الإسلامية رافدا رئيسيا فيه بقيادة الرئيس
المعزول البشير، رأى الحزب أن الاتفاق "أغفل مرجعية الشريعة الإسلامية"،
وسكت عن ذلك، مفسحا المجال واسعا أمام توجهات علمانية مطروحة في الساحة هي الأبعد
عن روح الشعب وأخلاقه.
بيد أن تيارا من الإخوان المسلمين
الذي يمهدون لتأسيس حزب باسم "الأصالة والتنمية" برئاسة الدكتور عوض
الله حسن سيدا أحمد، يعتبر الاتفاق مخرجا آمنا في حده الأدنى، ويجنب البلاد مآلات
النزاع الدموي.
اقرأ أيضا: واشنطن ترحب بتوقيع الإعلان الدستوري في السودان
وقال سيد أحمد لـ"عربي21"
إن "حزبه لديه ملاحظات عديدة حول الاتفاق ولكن لا يرفضه"، مشيرا إلى ضرورة
عدم اقصاء أي طرف خلال الفترة الانتقالية للاتفاق، والبعد عن تصفية الحسابات،
وإنهاء "تورط القوات السودانية في نزاعات اليمن وليبيا".
في المقابل، هناك أحزاب يسارية مثل
مكونات حزب البعث تساند الاتفاق، وتعتبر مواقف الشيوعيين غير متسقة مع مشاركة
ممثليهم في المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي، حسب محمد وداعة المتحدث باسم
حزب البعث السوداني والقيادي البارز في قوى الحرية والتغيير في حديثه لـ"عربي21".
ويستبعد المحلل السياسي الدكتور محمد
خليفة الصديق في حديث لـ"عربي21"، أن تفلح أي حكومة قادمة في حل مشاكل
السودان الشائكة، وربما تنهار الحكومة في أشهر قليلة، خصوصا في ظل وجود معارضة
شيوعية وإسلامية للاتفاق.
ما الذي يبحث عنه حميدتي لدى السيسي في القاهرة؟
ما فرص الاتفاق الشامل بالسودان بعد مباحثات جوبا وأديس أبابا؟
من يستهدف "العسكري" بالسودان بإعلانه عن "محاولة انقلابية"؟