"لم يكن يوما عاديا، وإنما أتذكر أحداثه بكل التفاصيل رغم مرور كل هذه السنوات"، بهذه الكلمات تحدثت زوجة المهندس أيمن الزهيري، الذي استشهد بميدان رابعة العدوية أثناء مجزرة فض اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في آب/ أغسطس 2013.
وتؤكد "أم معاذ" أن زوجها كان يدافع عن حقه وحق أولاده وحق وطنه، في العيش بحرية وعدم العودة للظلم والقهر مرة أخرى، ولذلك فهي ليست حزينة على فراقه لأنها واثقة أنه مع الشهداء، ولكنها ليست سعيدة لأن الشعب المصري ضيع حقه كشهيد، بالسكوت على هذا الظلم الذي يتعرضون له.
وعن التعامل معها كزوجة أحد شهداء رابعة، تقول لـ "عربي21"، إنها شعرت بتضامن واسع من كل المحيطين بها، وبدلا من أنه كان لابنها أب واحد، أصبح له أكثر من أب، يقدمون له الرعاية والاهتمام، وحتى الذين كانوا يشمتون بها، بدأوا مع مرور الوقت ومع ظهور الحقائق في تغيير مواقفهم.
وتضيف أم معاذ، أنها تفرغت لتربية نجلها معاذ الذي فارقه والده وهو في سن الخامسة، وهي تعتبر يوم الفض مناسبة جيدة ليعرف ابنها شجاعة والده وكيف أنه ضحى بروحه في سبيل الدفاع عن دينه وعرضه ووطنه ورئيسه المنتخب، أما الذين قتلوه فإن حسابهم جميعا عند الله.
وتعد أم معاذ واحدة من بين أكثر من 860 أسرة، فقدوا ذويهم في أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية بمدينة نصر، وميدان النهضة بالجيزة، وفقا للتقرير الرسمي الصادر عن لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس المؤقت للانقلاب عدلي منصور، بينما تشير إحصائيات أخرى لتحالف دعم الشرعية المناصر للرئيس الراحل محمد مرسي أن العدد يزيد على ثلاثة آلاف شهيد، بخلاف المصابين.
شهادة حية
وفي شهادته لـ "عربي21"، يقول المصور الصحفي علاء عادل، أنه شاهد أحداث هذا اليوم منذ إطلاق الرصاصة الأولي لفض الاعتصام في حدود الساعة السادسة إلا ربعا صباح يوم الأربعاء 14 آب/ أغسطس 2013، ورغم بحور الدم التي غطت أقدامه وهو يسير بين خيم المعتصمين، لكن يظل مشهد المستشفى الميداني واستشهاد زميله مصعب الشامي هو الأكثر ألما بالنسبة له.
ويضيف عادل: "مصعب كان يمكن إنقاذه ولكن عدم توافر أي مستلزمات طبية بالمستشفى، وإصرار قوات الفض على إخلاء المستشفى الميداني من المصابين والشهداء والأطباء، كان كفيلا بأن يفارق الشامي الحياة، كباقي المصابين الآخرين، ولكنه كان أفضل حالا حيث لم يتم حرق جثمانه، كما حدث مع الآخرين الذين لم تكن هناك فرصة لإخراجهم من المستشفى قبل حرقها".
ويتحدث عادل عن زميل آخر له يعمل مهندس صوت، كان يقوم بمساعدته في تصوير بعض المشاهد الحية للشهداء في المستشفى الميداني، وفجأة وجده ينهار ويسقط على الأرض ليحضن أحد الشهداء الذي دخل جثمانه في هذه اللحظة للمستشفى، ليكتشفوا بعدها أن هذا الجثمان هو لشقيق هذا المهندس، الذي ودع شقيقه واستكمل عمله لينقل للعالم أحداث المجزرة.
وحسب عادل فإنه يحاول إحياء ذكري الشهداء بالنشر عنهم، وإبراز قصص جديدة عن شخصيات لم يتناولها الإعلام، ولا يعرفها الناس، حتى لا تتحول المجزرة لمجرد يوم يبكي فيه البعض، ويهرب منه الآخرين، لكي لا يتذكروا ما جرى فيه من جرائم لا تتحملها طاقة البشر.
الحنين لرابعة
ويحافظ المهندس حسين فؤاد الذي أصيب بعدة طلقات نارية في القدم أثناء عملية الفض، على زيارة الميدان يوم 14 آب/ أغسطس من كل عام، بصحبة أبنائه وزوجته، ويحكي لهم تفاصيل ما جري معه في هذا اليوم، ويرسم لهم صورة المنصة والاعتصام وكيف حدث الاقتحام، وأين أصيب بطلقات قوات الفض.
ويقول فؤاد لـ "عربي21"، أنه يريد من ذلك أن تظل القضية حية ويقظة في نفوس أبنائه لينقلوها لمن حولهم ولمن يأتي بعدهم، في ظل التعميم الإعلامي الذي حدث لهذه المجزرة، والتي تحول فيها المجني عليهم لجناة، وتحول القاتل لبطل وشهيد، معتبرا أن زيارته السنوية للميدان واجب وفرض عليه، طالما ظل على قيد الحياة، وكانت ظروفه تسمح بذلك.
ولا ينفي فؤاد أنه كان يشعر في البداية بحسرة وخيبة أمل، من تعامل قطاع كبير من المصريين مع ما جرى في رابعة والنهضة، باعتباره أمرا عاديا، وليس جريمة بشعة ولكن ما يعانيه هذا القطاع الآن مثل باقي الشعب المصري، جعل كثير منهم يقدمون له الاعتذار على الشماتة وسوء الظن، وبعضهم مازال يشعر أنه أحد المسئولين عما جرى عندما فوض السيسي وأيده في انقلابه الدموي.
لعنة مستمرة
من جانبه يؤكد الباحث بعلم الاجتماع السياسي سيف المرصفاوي لـ "عربي21"، أن ذكري فض اعتصامي رابعة والنهضة، لم تعد قاصرة على يوم 14 آب/ أغسطس من كل عام، حيث كانت هذه المجازر، مقدمة لمجازر أخرى ارتكبها نظام الانقلاب العسكري في حق الشعب المصري طوال 6 سنوات من حكم العسكر.
ويضيف المرصفاوي" من يرى أن المصريين لم يستوعبوا ما جرى، فعليه مراجعة تفكيره، لأن هذه المجازر زلزلت كيان الشعب بمختلف فئاته، بدليل أن كثير من معارضي الإخوان لم ينكروا بشاعة المجزرة و تهربوا من تحمل المسئولية عنها مثل محمد البرادعي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وكذلك العديد من وزراء حكومة حازم الببلاوي التي اتخذت قرار الفض".
ووفق المرصفاوي فإن نظام السيسي مازال يعيش في لعنة رابعة، التي تلاحق القيادات المؤسسة لهذا النظام، وهو ما يبرر لجوء السيسي لمحاولة خلق أحداث أخري لا تقل في بشاعتها عن مجزرة رابعة، ليعادل بها الأمور، مثل حادثة معهد الأورام التي جرت منذ أيام، وقبلها مسجد الروضة في شمال سيناء، وهي أحداث ليس الهدف منها إلا تشويه أبناء مجزرة رابعة.
لماذا يستخدم السيسي الأمن القومي للتجسس على المصريين؟
هكذا تضامن مصريون مع عصام سلطان بعد 6 سنوات على اعتقاله
هكذا أحكم السيسي قبضته على مصر بعد الانقلاب