"رجل مليشيا، قليل التعليم، لا يمتلك أيا من المؤهلات ليكون زعيما قوميا، لكنه أكثر رجل في السودان نفوذا اليوم، وربما أكثر من قائد المجلس العسكر نفسه"، بحسب مجلة "فورين بوليسي".
رفض بداية المشاركة في المجلس العسكري الذي أقال واعتقل الرئيس عمر البشير، لكن هذا الرفض المبطن لم يستمر سوى يومين، بعدها وافق على أن يكون الرجل الثاني في المجلس في التراتبية العسكرية كنائب لرئيس المجلس، لكنه في الممارسة الفعلية كان الرجل الأول بلا منازع أو منافس.
لمع اسمه على نحو غير متوقع بعد أن كان يد البشير الحديدية التي يضرب بها خصومه وقتما شاء، كان أشبه بقائد حرس ملكي للبشير، لكنه في لحظة مغلفة بورق "الخيانة" انقلب على معلمه ومرشده الذي منحه اللقب العسكري دون أن يمر بأي مرحلة من مراحل العسكرية الكلاسيكية، فهو لم يتلق تعليما أكاديميا، ولم ينخرط يوما في الجيش.
عرف عنه قربه من جنوده، وبساطته في التحدث والتعامل مع الناس، مع إكرامه للضيوف ومشاركته لجميع القبائل في أنشطتها.
الفريق محمد حمدان دقلو الذي لقبه البشير تحببا بـ"حميدتي" المولود عام 1975 في قرية الرزيقات، لم يكمل تعليمه الثانوي واتجه لممارسة تجارة الإبل والقماش وحماية القوافل.
عرف عنه في طفولته قيادته لمجموعة صغيرة من الشباب التي كانت تعمل على تأمين القوافل وردع قطاع الطرق واللصوص. وواصل التجارة المنقولة بين مدينتي "مليط" و"نيالا" حتى حققت تجارته وأعماله نجاحا بين السودان وتشاد ودارفور وجنوب ليبيا.
نجاحه الأكبر في التجارة تزامن مع الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير عام 1989.
وبعد انقلاب الأوضاع في دارفور أكبر إقليم بالسودان، ووقوع "تمرد" من قبل حركات مسلحة، حمل "حميدتي" ورفاقه من قبيلة الرزيقات السلاح ضد حركات "التمرد" لحماية قطعان الإبل التي يملكها.
وبعد فترة قصيرة سعى "حميدتي" إلى "شرعنة" وضع مقاتليه والحصول على وضع قانوني خاص، ونجح في ذلك بعد زيارة إلى الخرطوم، حيث تلقف الجيش السوداني باستحسان فكرة وجود قوات مساندة له لمحاربة حركات دارفور التي تمكنت عام 2003 من الهجوم على مدينتي "الفاشر" و"الجنينة".
ومن الخرطوم عاد "حميدتي" في عام 2010 بمنصب قائد قوات "الدعم السريع" وبرتبة فريق أول، وهي قوات خاصة يغلب عليها أبناء قبيلة الرزيقات، وشكلت على مبدأ نسق حركات دارفور المسلحة.
وفي البدء أسندت لقوات "الدعم السريع" مصاحبة وحماية "الأطواف" التجارية، وهي القوافل التي تنقل المؤن والوقود إلى ولايات دارفور ثم توسع دورها لاحقا.
لقيت هذه القوات دعما مباشرا من عمر البشير، وانخرطت مباشرة في حرب دارفور وسط أنباء تحدثت عن ارتكابها "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". ورغم الانتقادات فإن الثقة التي تحظى بها القوات من البشير منحتها المزيد من القوة والنفوذ والدعم، لتكون إحدى أذرع النظام القوية.
ولم يدرج اسم "حميدتي" ضمن أي قوائم دولية بسبب حرب دارفور، ولم توجه المحكمة الجنائية الدولية له أية اتهامات، رغم أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" ذكرت في أحد تقاريرها "أن قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي" متهمة بارتكاب عدد من الانتهاكات فضلا عن سمعتها السيئة في دارفور وفي مناطق أخرى" فيما وجهت "المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين" طلبا للمحكمة الجنائية الدولية بإدراج "حميدتي" ضمن قائمة المطلوبين لدى المحكمة وتقديمه للعدالة.
ومع دخول المصالح للملف فقد تحولت قوات "حميدتي" التي ولدت من مليشيات "الجنجويد" التي تعني "الجن" أو "الشياطين على الخيول"، إلى حليف للاتحاد الأوروبي في محاربة الهجرة غير الشرعية من أريتريا وإثيوبيا، الأمر الذي نفاه الاتحاد الأوربي، لكن "حميدتي" هدد الاتحاد في خطاب بوقف التعاون إذا لم يعترف علنا بتعاونه مع قواته، وهو ما اعتبره مراقبون اعترافا بشرعية قوات سيئة السمعة.
وفي وقت لاحق من عام 2013 اتهم نشطاء سودانيون قوات "الدعم السريع" بقتل ما يزيد على 250 سودانيا خلال التظاهرات بالخرطوم، لكن "حميدتي" نفى علاقة قواته بفض هذه التظاهرات ملقيا باللائمة على جهاز الأمن.
وحتى عام 2017 كانت قوات "الدعم السريع" تابعة لجهاز الأمن والمخابرات ثم أصبحت تابعة لمؤسسة الجيش، بالرغم من أن معظم منتسبيها ليسوا عسكريين.
ومع بداية الحراك في بعض المحافظات الجنوبية في السودان استدعى البشير بعض قوات "حميدتي" لتأمين العاصمة الخرطوم من أي اضطرابات، فيما حاول "حميدتي" كسب ود البشير أكثر عندما ألقى القبض على عدد من المتظاهرين فيما حدثت صدامات معهم بعد ذلك، لكنه في كل الأحوال نشر قواته في العاصمة والتي استغلها فيما بعد في إطاحة معلمه البشير.
وكان "حميدتي" أحد القادة الذين طالبوا البشير بالرحيل بحديث مباشر معه، وظهر في مقطع فيديو قال فيه إن البشير أمره بالتعامل الخشن مع المتظاهرين وقتل الآلاف منهم حتى تستتب الأمور، لكن "حميدتي" يقول إنه رفض هذا الأمر من البشير وطالبه بالرحيل.
ولم يظهر التآلف والتجانس بين أعضاء المجلس العسكري، فخلال الأسابيع الثمانية الأولى من تشكيل مجلسهم، انقلبوا على ستة من زملائهم وأبعدوهم من عضوية المجلس.
بعدما برز اسم "حميدتي" في السودان سعت دول خليجية إلى ضم "حميدتي" إلى صفها، حيث يتمركز 20 ألفا من قواته في الحرب اليمنية ضمن قوات "التحالف العربي" كما أن هذه القوات تقوم بعمليات متقدمة في الجبهات، أهمها حماية الحدود الجنوبية السعودية ومناطق وعرة داخل اليمن.
وعقب مشاركته القوية في اليمن دعمته السعودية بـ 12 دبابة لأن جنوده لا يعتمدون إلا على عربات الدفع الرباعي التي تصنعها "تويوتا"، حتى بات يطلق عليها السودانيون اسم تاتشر، نسبة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.
ويبحث "حميدتي" عن طيارين متقاعدين للعمل معه في قوات "الدعم السريع" والتي ربما قد تمدها دول الخليج فيما بعد بطائرات حتى تؤسس قوة عسكرية موازية للجيش السوداني الذي نجح البشير في جعل أغلب قياداته من الحركة الإسلامية أو المتعاطفين معها، لكن إذا نجح "حميدتي" في هذا الأمر فإنه سيقدم فرصة ذهبية للدول الخليجية ومصر التي تعادي الحركات الإسلامية بشكل علني، لصنع نسخة سودانية من الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
وفيما تقول مصادر محلية سودانية إن قوات "حميدتي"، ساهمت في الإطاحة بالبشير، وهو موقف يراه بعض السودانيين إيجابيا، يصف آخرون موقفه بـ"المحاولة الذكية" لتلميع صورته وصرف انتباه العالم عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواته في دارفور.
وتتحدث بعض التقارير عن إحكام "حميدتي" قبضته على مناطق واسعة في العاصمة الخرطوم، وأنه "يملي شروطه على قادة القوات العسكرية".
وينظر كثيرون إليه على أنه يقف موقف الضد من الحركة الإسلامية التي نظمت انقلاب البشير ويمكنه الاعتماد على دعم السعودية والإمارات ومصر، وهي دول تأمل أيضا في تهميش الإسلاميين.
ويتعرض الإسلاميون السودانيون لضغوط متزايدة من المجلس العسكري الانتقالي الذي قام بحملة اعتقالات واسعة ضدهم بعد الإعلان عن إحباط محاولة انقلابية ثانية.
المجلس الانتقالي العسكري قال إن "حزب المؤتمر" و"الحركة الإسلامية" هما اللذان يقفان خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة، وهو ما تنفيه الحركة الإسلامية جملة وتفصيلا.
وتنقل مجلة "فورين بوليسي" عن المسؤول السابق في وزارة الخارجية كاميرون هدسون، قوله إن هناك "عدة إشارات مقلقة عن عنف قادم"، وتلفت وسائل الإعلام عن بعض المعارضين بأنهم يرفضون وجود حكومة فيها "حميدتي"، ويطالبون بالتحقيق في دوره في دارفور، وقتل المعتصمين في حزيران/يونيو الماضي، ما أدى إلى قتل أكثر من 100 شخص، لكن ثمة تيار بينهم أعضاء "تجمع المهنيين" السودانيين، يدعون لأن تكون الأمور عملية، وتشكيل حكومة تضم "حميدتي".
ويرى هدسون أن استمرار تدخل العسكر في مستقبل السودان هو وصفة للكارثة، وقال: "فكرة جلب المجلس العسكري الانتقالي أو قوات الردع السريع، الاستقرار للسودان، هي فكرة مجنونة".
ويقول مدير مؤسسة السلام العالمي أليكس دي وال إن: "حميدتي بدأ يبدو بشكل متزايد ديكتاتورا جديدا للسودان، بعد أن تجاوز الموعد النهائي لتسليم السلطة للمدنيين، لكن حتى لو تمت إزالته من السلطة فإنه لا يمكن اقتلاع نمطه السياسي بسهولة".
وتشهد البلاد عدم استقرار في ظل عدم التوصل لاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات بالبلاد.
عنف قوات "حميدتي" ضد المتظاهرين مؤشر كارثي على أن العنف قضى على آمال نقل سلمي للسلطة إلى حكومة بقيادة مدنية بعد رحيل البشير، وزاد من حدة التدخل الخارجي من قبل أطراف عربية ودولية.
ويبدو وجود "حميداتي" في السلطة كجزء من السلطة في السودان أمرا مفروضا لا يمكن تجاوزه على الأقل حاليا نظرا لسيطرته على المجلس العسكري وقواته التي تمارس صلاحيات خارج إطار المؤسسة العسكرية وتمارس عنفا منفلتا ضد المظاهرات السلمية، رغم نفي قائد المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان وجود تنافس بين الطرفين.