حذر سياسيون ومختصون في ملف التعليم بمصر، من الخطوات التي يقوم بها نظام الإنقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي لعسكرة التعليم بمصر، مؤكدين أن هناك العديد من الإجراءات التي يقوم بها السيسي في هذا الاتجاه، منها المقترح البرلماني الأخير بتغيير الزي المدرسي لآخر، مموه يشبه الزي العسكري، لـ"زرع الانتماء في نفوس الأجيال القادمة".
وأكد المختصون الذين تحدثوا لـ "عربي21"، أن الفكرة ليست في تطبيق المقترح البرلماني بتغيير الزي من عدمه، وإنما في سعي المؤسسات التابعة للسيسي لفرض المنظومة العسكرية في الأجيال القادمة، لمنع أية مقاومة مستقبلية لسيطرة الجيش على كل المؤسسات والمجالات بمصر.
وكانت النائبة فايقة فهيم، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، تقدمت باقتراح، لوزير التربية والتعليم، لاستبدال الزيّ المدرسي لطلاب المرحلة الإبتدائية، بالزي المموّه الشبيه بالزي العسكري لأفراد القوات المسلحة،
وأكدت فهيم أن هدفها من الاقتراح هو تربية النشء والشباب على القيم والمفاهيم الوطنية، وغرس حب الوطن والانتماء في نفوسهم وتهيئتهم حتى يكونوا في المستقبل، نواة لقيادة بلادهم والانطلاق بها، مشيرة إلى أن المدرسة هي اللبنة الأولى في تأصيل الهوية والحس الوطني وغرس القيم في نفوس الأطفال من الصغر.
ورغم تقديم النائبة لاقتراحها منذ عدة أيام، إلا أن رئاسة البرلمان ووزارة التربية والتعليم، لم يعلقا على المقترح ومدى إمكانية تنفيذه، وحسب تصريحات لأحد مسؤولي التربية والتعليم لـ "عربي21" فإن المقترح غير مُلزِم للوزارة، ولكن في الوقت نفسه سيكون محل دراسة، للرد عليه من خلال الطرق الرسمية التي حددتها الآليات البرلمانية.
اقرأ أيضا: تحويل المدارس الصناعية إلى عسكرية يثير علامات استفهام بمصر
يأتي هذا في وقت بدأت فيه أكاديمية ناصر العسكرية العليا تنفيذ برنامج تدريبي يقوم به قيادات عسكرية سابقة وحالية، ومختصون في علوم الإدارة، لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية، ومسؤولون بوزارة التربية والتعليم، حول مفاهيم الأمن القومي، والتدريب على مهارات القيادة، وتعد هذه الدورات إلزامية لكل المرشحين لتولي مناصب قيادية في قطاعات التعليم المختلفة.
انتماء وهمي
من جانبه يؤكد عضو لجنة التعليم السابق بالبرلمان المصري محمد جمال حشمت، لـ "عربي21" أن المقترح رغم غرابته لكنه يكشف عن أزمة ثقة يعاني منها الإنقلاب العسكري، رغم كل حملات التشويه الإعلامي والسياسي، التي قام بها ضد معارضيه، ما يعكس فشل حملات الترويج لأفكاره ومشروعاته الوهمية، في ترسيخ مفهوم أساسي وهو أن الجيش يعمل لخدمة الشعب وليس ضده.
ويوضح حشمت أن مقترح تغيير الزي المدرسي، لا يختلف عن المقترح الغريب لوزيرة الصحة الحالية بإذاعة النشيد الوطني، وإلزام الأطباء والمرضى بتحية العلم في المستشفيات الحكومية، لتنمية الإنتماء الوطني، وهو ما يشير إلى أن الانتماء بالنسبة لداعمي الانقلاب العسكري، هو انتماء شكلي وليس حقيقيا نابعا من قناعات المصريين.
ويضيف حشمت: "السيسي لا يريد أن تتحول مصر لمؤسسة عسكرية، ولكنه يريد أن يكون المصريون تابعين لهذه المؤسسة العسكرية، كما أنه يريد خلق جيل جديد لا يعرف إلا الجيش، في محاولة لمحو آثار الانقلاب العسكري الذي جرى ضد الرئيس المدني محمد مرسي، في عقول الأجيال القادمة التي لم تشهد الانقلاب، ولكنها تعيش في آثاره السلبية".
العسكرة نوعان
ويقسم الخبير بشؤون التعليم معوض صالحي لـ"عربي21"، خطوات السيسي لعسكرة التعليم إلى نوعين، الأول عسكرة اقتصادية، والثاني عسكرة فكرية، موضحا أن النوع الأول تمثل في تكليف هيئة التسليح بالقوات المسلحة بإدارة ملف التابليت الذي قام عليه نظام الثانوية العامة الجديد، وشهد تطبيقه العديد من الفضائح والكوارث التكنولوجية والتنفيذية.
وحسب صالحي، فإنه يدخل ضمن هذا القسم مشروع الفصول المتحركة التي تقوم بتنفيذها وزارة الإنتاج الحربي مع وزارة التعليم، بهدف تجهيز 100 فصل متحرك، يتم توجيهها بالتناوب بين المدارس ذات الكثافة الطلابية العالية، وهو المشروع الذي يأتي بديلا عن بناء فصول أو مدارس جديدة توفيرا للنفقات، في حين أن الفصول المجهزة ذات كلفة عالية وفائدة ضعيفة وغير مستدامة.
اقرأ أيضا: هل تحولت مدارس مصر إلى مراكز للتدخين والإدمان؟
وعن العسكرة الفكرية، يوضح الخبير التعليمي، أنها بدأت بالاستيلاء على المدارس التي كان يملكها شخصيات من الإخوان، ثم إنشاء الجيش لسلسلة مدارس بدر الدولية للغات، وكذلك البروتوكول الذي تم توقيعه بين قطاع التعليم الفني بوزارة التربية والتعليم، وقيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري بوزارة الدفاع، لاستغلال السنة الأولى بمدارس التعليم الفني كفترة تأسيس عسكري للطلاب لتحسين حالة الانضباط وانتمائهم للوطن، وهي الخطة التي سيتم تنفيذها في 27 مدرسة بدءا من العام الدراسي 2019/2020.
ويشير صالحي إلى أن مقترح تغيير الزي المدرسي يندرج تحت القسم الثاني، الذي يدخل فيه أيضا الدورات الإلزامية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا للمرشحين لمناصب قيادية بالوزارة، ويدخل فيها أيضا تغيير المناهج الدراسة، التي شوهت ثورة 25 يناير 2011، وجعلت من مظاهرات 30 يونيو 2013، ثورة لإنقاذ الشعب المصري، وليست غطاء للإنقلاب العسكري.
ويضيف صالحي أن الرهان الحالي للعسكر هو إتمام مخطط تجفيف المنابع لمنع أي ثورة شعبية قادمة، سواء بالاستيلاء على المدارس أو تغيير المناهج أو عسكرة المناخ العام للتعليم، وربط الأجيال القادمة بالجيش باعتباره المالك الحقيقي للدولة والشعب.
تحويل المدارس الصناعية إلى عسكرية يثير علامات استفهام بمصر
كيف تحيي أسر ضحايا رابعة ذكرى المجزرة.. شهادات جديدة
قرار بمنع دخول قطارات الصعيد للقاهرة وخبراء يصفونه بالعنصري