هذه واحدة من أعقد الأمور في الفكر والتطبيق لدى الإخوان..
الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس
يقول:
"قد يكون
مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل
التنفيذ إصغاء لأوامر الله وتنفيذا لأحكامه وإيصالا لآياته ولأحاديث نبيه، وأما
الحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر، فإن قعود
المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض
واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف.. هذا كلام
واضح لم نأت به من عند أنفسنا، ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف. وعلى هذا
فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل
العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه،
وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ
أوامر الله".
إذا، عين الإخوان على الحكم أصيلة فكرا ومؤصلة شرعا طبقا
لفهم المؤسس. وكالعادة، الإشكاليات تأتي في التفاصيل.. كيف تصل إلى الحكم؟ في نظر
البنا أن الأحزاب السياسية دعوة للفرقة، وأن الإخوان لن يكونوا يوما حزبا سياسيا.
يقول البنا: "ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد
أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم،
وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر. ويعتقدون كذلك أن النظام النيابي،
بل حتى البرلماني، في غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة في مصر، وإلا لما قامت
الحكومات الائتلافية في البلاد الديمقراطية. فالحجة القائلة بأن النظام البرلماني
لا يتصور إلا بوجود الأحزاب حجة واهية، وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير
على نظام الحزب الواحد وذلك في الإمكان".
والذين حاولوا تبرير رؤية البنا في هذا المجال بأنه كان
يتحدث عن الأحزاب في عصره والتي كانت تحكمها المصالح، أرى للأسف أن هذا التبرير من
باب التنطع الفكري، مع احترامي الشديد لمن قال هذا.
الأحزاب كانت وما زالت على نفس النهج؛ بعضها لها رؤى
سياسية أو فكرية أو دينية أو مجتمعية أو مصالح شخصية. لا حرج إطلاقا أن نقول إن
الجماعة رأت أن ما قاله الإمام البنا جانبه الصواب في هذه المسألة، ومن ثم تبنت
الجماعة مسألة العمل الحزبي (أنا شخصيا أرى أنه كان على صواب في جزء منه وسيأتي
بيان هذا في المقال القادم!!).
يرى البنا أن الانتخابات النزيهة هي الطريق للحكم دون
الحاجة إلى وجود أحزاب!!! وفي حالة عدم وجود هكذا انتخابات نزيهة سيضطر الإخوان
لاستخدام القوة لانتزاع السلطة (موضوع القوة في فكر الإخوان نناقشه لاحقا).
تفسير كلام البنا "فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل
العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه"؛
غاية في الصعوبة ومحل اختلاف. ليس العيب في الكلام في حد ذاته، ولكن في تطبيقه
العملي. فالحكم بمنهاج إسلامي عبارة مطاطة، فهناك الحكم الإسلامي بمفهوم الإخوان،
وآخر بالفكر السلفي، وثالث بالفكر الصوفي، ورابع بالفكر العلماني، وخامس بالفكر
التكفيري. ولقد رأينا في أفغانستان سابقا وسوريا حاليا؛ كيف تذبح طوائف إسلامية
بعضها البعض لتحقيق ما تراه حكما إسلاميا.
وضعا للنقاط على الحروف وانطلاقا مما سبق أن ذكرته، فإن
الدول تقوم على تفاهمات مجتمعية، كما قامت دولة رسول الله في المدينة وتقوم كل دول
العالم المتحضر اليوم.
الواقع يقول إنه لو قامت الدول الإسلامية على مجموعة من
القيم (تمثل لب الإسلام في وجهة نظري) لكانت تقدمت منذ عقود. فلن يختلف أحد على
هذه القيم، مثل الحرية، والعدل، والتكافل الاجتماعي، والديمقراطية، والمساواة، والصدق
والأمانة، الاستيعاب.
أرجو مراجعة سلسلة مقالاتي السابقة في هذا الصدد.
بالله عليكم تخيل أنك تعيش في مجتمع تحكمه هذه القيم،
وتراقب تنفيد هذه القيم نخب وشعوب لا تتخلى عنها.. هل يمكن ساعتها أن نسأل هل
الحاكم إخواني أم سلفي أم؟..
بالطبع لدينا محددات إسلامية واضحة في هذه القيم.
تجديد فكر الإخوان المسلمين: الأسس الفكرية (1)
الإسلام والرجم (7): وقفات مع نصوص الرجم في السُّنة