لاقى تنصيب "السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات" اليوم في الجزائر، ردود فعل سلبية على الرغم من أنها كانت مطلبا للمعارضة منذ عام 2012.
وكانت المفاجأة حاضرة اليوم في عملية التنصيب التي تمت على عجالة، باختيار وزير العدل السابق محمد شرفي رئيسا للسلطة المستقلة، وهو أحد رجالات نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وبدا أن اختيار شرفي لهذه المهمة، ينطلق من خلفيته القانونية ومن بعض المحطات الشهيرة في مساره، فقد كان الوزير الذي تم في عهده إصدار المتابعة الشهيرة في حق شكيب خليل وزير الطاقة النافذ زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وصديق طفولته.
وقال شرفي في أول تصريح له عقب تنصيبه، إن "هذه السلطة التي أنشئت لأول مرة ببلادنا قلما يوجد نظيرتها بالعالم نظرا للمضمون والأبعاد الواردة في القانون المؤسس لها ".
وتعهد رئيس السلطة بإنهاء "كل الممارسات غير المطابقة للانتخابات النزيهة "، مؤكدا أن القانون "سيعاقب كل من يتدخل في صلاحيات " السلطة التي ورثت "صلاحيات المجلس الدستوري ووزارات الداخلية والخارجية والعدل" فيما يخص الانتخابات.
اقرأ أيضا: هكذا علقت "حمس" على تشكيل لجنة عليا للانتخابات بالجزائر
التركيبة
وتضم السلطة المعلنة في مجلسها 50 عضوا، منهم قضاة ومحامون وأساتذة جامعات وإعلاميون ونشطاء في المجتمع المدني، إلا أن أغلب الأسماء غير معروفة وبعضهم عُرف عنهم دورانهم المستمر في كل الهيئات التي تكون وراءها السلطة.
وبحسب نوري دريس الباحث في علم الاجتماع السياسي، فإن تركيبة هذه السلطة ليست مفاجأة بالنظر إلى جملة من المقدمات مهدّت لها، مثل طريقة تعيين لجنة الحوار ثم عمل هذه اللجنة و مخرجاتها الخجولة مرورا إلى المصادقة على قانوني الانتخابات وسلطة تنظيم الانتخابات.
وذكر دريس في حديث لـ"عربي 21"، أن "تركيبة السلطة تعكس غياب الشخصيات الوطنية الثقيلة ورفض انخراطها فيها، وتعكس أيضا خوف السلطة من الانفتاح على شخصيات جديدة لا تعرفها و لا يثق فيها".
وتوقع نوري بأن الانتخابات في ظل هذه "السلطة" ستكون موجهة ولو بشكل جزئي، بالإضافة إلى العوامل الأخرى التي تبعث على هذا الاعتقاد مثل غلق وسائل الإعلام و فضاءات التعبير.
الرافضون
ومن جانب الأحزاب والسياسيين، توالت ردود الأفعال حول هذه "السلطة" التي تم تعيين أعضائها بسرعة فائقة حتى تكون جاهزة للانتخابات الرئاسية التي يُدعى إليها رسميا اليوم من قبل رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح.
وقال سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، إن هذه السلطة المستقلة ليست هي التي طالبت بها المعارضة، كون عملية إنشائها كانت بطريقة غير ديمقراطية اعتُمد فيها منطق التعيين وليس الانتخاب.
اقرأ أيضا: تعيين وزير عدل أسبق رئيسا للجنة العليا للانتخابات بالجزائر
ولا يرى جيلالي في حديثه لـ"عربي 21"، وجود أي اختلاف بين هذه "السلطة المستقلة" وبين "هيئة مراقبة الانتخابات" التي كان يرأسها عبد الوهاب دربال والتي اتهمت في السابق بأنها مجرد غطاء فقط لتزوير الانتخابات كونها معدومة الصلاحيات.
ويوحي إنشاء السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات بالنسبة لحزب جبهة القوى الاشتراكية، بأن ثمة إرادة لتنظيم الانتخابات الرئاسية بأي ثمن.
وما يؤكد على ذلك وفق أقدم حزب معارض في الجزائر، هو "التبني القياسي وبسرعة فائقة لمشروعي قانونيين يتعلقان بالنظام الانتخابي وهيئة تنظيم الانتخابات من قبل برلمان غير شرعي وغير شعبي".
ووصفت جبهة القوى الاشتراكية، تنصيب هذه "السلطة المستقلة" بـ"العمل سياسي انتحاري الذي لا يكترِث للرفض الذي عبّر عنه حراك المواطنين كل يوم جمعة منذ 22 شباط/ فبراير".
وفي تعقيبه على إنشاء السلطة المستقلة والتأهب لتنظيم الانتخابات، ذكر تنظيم ائتلاف المجتمع المدني من أجل الانتقال الديموقراطي، أن "مجرد الحديث عن الرئاسيات في هذا المناخ من القمع ضد الممارسة السياسية، هو إهانة جديدة لملايين الجزائريين الذين عبروا بسلمية عن رغبتهم في العيش بحرية وكرامة" .
المؤيدون بتحفظ
غير أن النبرة الحادة اتجاه هذه السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، تختفي عند أحزاب أخرى يبدو أنها انخرطت من الآن في الأجندة الانتخابية للسلطة.
وذكر حزب طلائع الحريات الذي يقوده علي بن فليس، أحد أبرز المرشحين المحتملين، أن "الشروط المؤسساتية والقانونية لإجراء اقتراع رئاسي شفاف وصحيح وغير مطعون فيه، قد تحققت عموما ولكن يبقى السعي لتوفير الشروط السياسية الملائمة وخلق المناخ الهادئ".
وقدّم هذا الحزب الذي سيحسم قراره بالمشاركة في 23 أيلول/ سبتمبر، ثلاث ملاحظات عامة على السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، لا يبدو أنها ستشكل حاجزا أمامه للمضي في الانتخابات.
وأعاب حزب علي بن فليس، على هذه السلطة تمتعها بالطابع الدائم بينما كان هو يريد "هيئة مؤقتة وخاصة فقط بالاستحقاق الرئاسي المقبل، كما انتقد عدد أعضائها الخمسين الذي اعتبره غير كاف، وقال إنه غير راض عن بمنح المجلس الدستوري صلاحية البت في الطعون المتعلقة بالترشيحات والإبقاء له على صلاحية الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية ، حيث كان من المنتظر إعفاء هذا المجلس من كل مهامه الانتخابية.
اقرأ أيضا: لأول مرة بالجزائر.. البرلمان يقر إنشاء لجنة عليا للانتخابات
الإرادة السياسية
من زاوية أخرى، يرى ناصر حمدادوش، عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، أن العبرة ليست في تشكيل سلطة تنظيم الانتخابات، ولكن فيما إذا كانت ثمة إرادة سياسية عليا لعدم التزوير.
وأوضح حمدادوش، في حديثه لـ"عربي 21"، أن السلطة المستقلة كان يُفترض أن تكون نتاج توافق حقيقي وحوار جاد بين السلطة والمعارضة، كما هي نجاحات تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم، لكن هذا لم يتم.
غير أن القيادي في حركة مجتمع السلم، لا يصدر حكما على هذه السلطة، ويقول "العبرة في الأفعال وصدقية نجاحها سيكون في الاستقلالية الحقيقية والسيادة الكاملة لعملها، لذلك لا يمكن استباق الأحكام على هذه السلطة وعلى الأشخاص المشكّلين لها".
خطوات متسارعة نحو الانتخابات الرئاسية تثير حفيظة الجزائريين
هل يستغل نظام الأسد الهدنة الحالية لفتح جبهة جديدة.. وأين؟
"الخوجا" خارج "العدالة والتنمية".. كيف سيتأثر الحزب الحاكم؟