تفرض نتائج الانتخابات
الإسرائيلية نفسها على المشهد
الفلسطيني، في ظل حالة الانسداد في الحلبة السياسية الإسرائيلية، نتيجة عدم مقدرة الكتلتين الأكبر في الكيان بقيادة
نتنياهو وغانتس تشكيل حكومة بعد جولتين من الانتخابات، وتوقع الذهاب الى الثالثة خلال عام.
الفلسطينيون عموما، وفي قطاع
غزة على وجه التحديد، في حالة ترقب لمآلات المشهد الإسرائيلي، سواء خلال الفترة الانتقالية الحالية التي تجري فيها محاولات يائسة لتشكيل حكومة ائتلافية، أو في انتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات بعد الجولة الثالثة.
فلسطينيا لدينا برنامجين متناقضين، أحدهما يتبنى مشروع التسوية السياسية عبر مفاوضات متواصلة مع إسقاط خيار المواجهة، رغم فشل التجربة، مقابل البرنامج الآخر الذي يعتمد المقاومة كنهج أساسي في التعاطي مع الكيان الصهيوني بكل مكوناته.
في
الضفة الغربية، حيث تسيطر السلطة بقيادة حركة فتح، يراقبون بقلق بالغ كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وسبب القلق استهداف الضفة وفق الخطط والوعود الانتخابية لمعظم الأحزاب الإسرائيلية، وأقصى ما تأمله السلطة المحافظة على الوضع الراهن بحده الأدنى.. بتعبير آخر، مقايضة التنسيق الأمني ببقاء السلطة، أو كما يشرحها العميد عيران نيف الذي أنهى مهام منصبه كقائد فرقة الضفة الغربية في مقابلة مع هآرتس: الهدوء النسبي في الضفة يعتمد على ثلاثة أمور: استقرار وثبات السلطة الفلسطينية، والشعور النسبي بالأمن لدى سكان الضفة من الفوضى والعمليات الإسرائيلية، وثالثا وضع اقتصادي معقول. ويضيف نيف: "أبو مازن يعمل على قمع كل من يهدد حكمه وسلطته، ومن المهم في إسرائيل الحفاظ على التنسيق الأمني".
في غزة، حيث تتولى حماس الإدارة وتقود المقاومة، يرصدون أيضا كل تحرك وموقف في الساحة الإسرائيلية، ويبدو أن مستقبل التهدئة الأكثر إلحاحا للطرفين (في غزة وتل أبيب). وعلى الرغم من أن الاحتلال يسعى للهدوء مع غزة ويقدم مقابل ذلك بعض مطالب الفصائل ويماطل ببعضها، إلا أنّ تحذيرات داخل الكيان تشير إلى أن هناك أكثر من مليوني نسمة تحت ضغط البطالة والمعاناة الاقتصادية والمشاكل في الماء والكهرباء، لذلك تبقى غزة هي البرميل الذي سينفجر إذا استمر تجاهل تسوية سياسية طويلة الأجل، أو حل جذري لأزمة الحصار.
في المقابل، ومع تفاقم الإحباط لدى القيادة السياسية والعسكرية في الكيان، في ظل استمرار حالة المشاغلة والاستنزاف التي تعتمدها المقاومة في غزة، أصبحت فكرة المواجهة الواسعة تطفو على السطح أكثر من أي وقت مضى، وترددت على ألسن معظم قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين.
لكن خشية الاحتلال من التكاليف الباهظة للمواجهة العسكرية مع غزة هو الذي يحول دون وقوعها، وهو ما يطرح سيناريوهات حول مستوى المواجهة القادمة، حيث يفضل الغالبية في المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي "اجتياح بري محدود"، أو عملية برية قصيرة تحقق نتائج أفضل من الخيار الآخر القائم (أي استراتيجية جز العشب)، بمعنى القضاء على حماس.
خلال الفترة السابقة اعتمد الاحتلال سياسة العمليات العسكرية الموضعية والقصف المتكرر لأهداف محددة في القطاع، لكنها فيما يبدو سياسة انتهت صلاحياتها، وقوضت قدرة الردع، كما أن استعراض القوة ضد حماس فشلت في العديد من المحطات، وأخفقت في تدمير البنية التحتية للمقاومة، بينما حصل الاحتلال على هدوء متقطع وهش، مقابل تهدئة مؤقتة تتآكل مع مرور الوقت، دون استثمارها في خلق واقع جديد يغير الوضع الراهن، وهو التحدي الأبرز أمام الحكومة الإسرائيلية القادمة.
مخاطر المرحلة الانتقالية الحالية الناجمة عن الفراغ في الكيان الذي سببته جولتين من الانتخابات، تفرض على الطرفين (الاحتلال والمقاومة) شراء الوقت، وعدم الانزلاق إلى مواجهة دون أهداف محددة، الأمر الذي يدفع حماس والفصائل اللعب على عامل الوقت، دون أن تدفع ثمن الفراغ واستنزاف طاقتها الجماهيرية في مسيرات العودة، أو السماح بالمماطلة في تنفيذ استحقاقات التهدئة، وبالتالي التورط في مواجهة موجات الضغط الداخلي الناجمة عن الحصار ومحاولات أطراف خارجية بث الفوضى في القطاع.
إذا، خيار المواجهة العسكرية خلال الفترة الحالية قبل تشكيل الحكومة يبدو مستبعدا، وتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية تميل إلى أن احتمالات الحرب تراجعت، كما أن نتنياهو يرغب في التوجه لانتخابات ثالثة في أقرب وقت ممكن، وقبل استكمال المستشار القضائي عملية تقديم لوائح الاتهام ضده. وعليه، فإن المواجهة العسكرية لا تساعد نتنياهو على تحقيق هذا الهدف.
النتيجة تعتمد أيضا على طرف المعادلة الآخر، أي سلوك المقاومة ومقدرتها على ضبط الميدان، لما لذلك من تأثير كبير في القرار الإسرائيلي.
في حال نجاح قادة الاحتلال في تشكيل حكومتهم، بناء على نتائج الجولة الحالية من الانتخابات أو بعد التوجه إجباريا لجولة ثالثة، فإن معطيات المشهد الفلسطيني والإسرائيلي ستفرض ملفات طارئة على أجندة الطرفين، أبرزها: مسار التهدئة ونتائج مسيرات العودة، والمصالحة الفلسطينية ومصير العلاقة بين غزة والضفة، والملف الأخير الذي سيغير كثيرا من معطيات المشهد؛ مسألة الجنود الأسرى المحتجزين لدى حماس، ونضوج فرص إبرام صفقة تبادل ستؤثر في مسار الملفات السابقة كافة.