أثار رد فعل الجامعة العربية السريع إزاء العملية العسكرية التركية
"نبع السلام"، بشمال سوريا، بعقد اجتماع عاجل لوزراء الخارجية رفضا للموقف التركي؛
انتقادات واتهامات بالتناقض بمواقف الجامعة إزاء الملف السوري.
وتحدث سياسيون لـ"عربي21" عن صمت الجامعة العربية إزاء وجود
قوات روسية وأمريكية وإيرانية في سوريا منذ سنوات، وأيضا إزاء الضربات العسكرية الإسرائيلية
لها، في الوقت الذي أبدت تحركا سريعا مع بدء العملية التركية.
وبعد انسحاب قوات أمريكية من شمال شرق سوريا قبل أيام، أعلن الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، بدء عملية "نبع السلام" العسكرية ضد
مقاتلين أكراد على الحدود الجنوبية لتركيا.
وأدانت مصر العملية، واعتبرتها اعتداء صارخا على سيادة دولة عربية، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن ولبنان.
"خرابة"
وفي رؤيته لمدى سقوط الجامعة العربية بفخ التناقض بالمواقف بالملف السوري،
أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، أن التناقض واضح بمواقف
الجامعة بالملف السوري، وهذا "ينبع من حرصها على إرضاء بعض الدول العربية".
الأشعل، قال لـ"عربي21" إن تحرك الجامعة الآن يأتي "لإرضاء
السعودية والإمارات"، مشيرا إلى وجود "ضغينة مصرية سعودية إماراتية نحو تركيا،
وكل منها لها أسبابها".
وأضاف السياسي المصري أن "كلا من الرياض وأبوظبي أنابتا القاهرة
عنها، حيث وجهتا عبدالفتاح السيسي لتصدر المشهد؛ لكي لا يظهروا بصورة العداء لتركيا".
وجزم أستاذ العلوم السياسية بأنه "لا توجد جامعة عربية الآن؛ فهي
خرابة يصنعون فيها ما يشاءون، وخاصة إذا كان الطرف المقابل تركيا التي تثير غيظ العواصم
الثلاث، خاصة القاهرة صاحبة العداء الأكبر، والرياض وأبوظبي؛ بسبب القاعدة التركية
في قطر".
وأشار الأشعل إلى ما أسماه "دورها المهين (الجامعة العربية) بالقضية
الفلسطينية، وليس الملف السوري فقط، بوصفها لحركة (حماس) بالمنظمة الإرهابية، وتأييدها
بذلك لادعاءات إسرائيل"، مضيفا أنها "طردت سوريا من الجامعة، ولم تعد حتى
اليوم".
"منظمة وهمية"
وفي تعليقه على تحرك الجامعة العربية بالملف السوري بعد صمت طويل، قال
السياسي المصري عز النجار: "ثورات الربيع العربي أتت كاشفة وهادمة لتابوهات وكيانات
ورموز ومنظمات كنا نعتقد أنها وطنية وتعمل لصالح الأمة، وانكشفت تباعا، ومجموعات وأحزاب
كشفتهم المواقف".
رئيس حزب غد الثورة أوضح لـ"عربي21" أنه على المستوى الداخلي
"لا توجد برلمانات تنوب عن الأمة، ولا مجالس وزراء تراعي شأنها، ولا حاكم وطني
وشريف وحريص على مصالحها".
وأكد النجار أنه "ليس هناك جامعة عربية تتابع مصالح الأمة وشؤونها،
وتعمل على رفعتها، وكل ما كنا عشناه ما هو إلا زيف وادعاءات باطلة، مع وجود منظمة كرتونيية
وهمية وشعارات جوفاء لتضليل الأمة وشعوبنا العربية".
وقال السياسي المصري: "بديهي أن تخدم المنظمة الوهمية الكرتونية
أجندات الحكم العميلة"، مشيرا إلى وجود "تناقض بدور الجامعة العربية من حرب
اليمن، وحتى من التدخلات الدولية لإيران وروسيا وأمريكا في سوريا".
وتعجب النجار من سماع صوت الجامعة العربية الآن.
"إنعاش
ميت"
وفي تعليقه، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية ببرلمان 2012، محمد عماد
صابر، إن تحرك جامعة الدول العربية إثر عملية (نبع السلام) التركية "لم تأت إلا
بمزيد من التناقضات حول رؤيتها لحل أزمات دول المنطقة، وانعكاسا للموقف السعودي والمصري
والإماراتي والبحريني، محور الثورة المضادة".
السياسي المصري أشار لـ"عربي21" إلى أن "تناقض الجامعة
العربية بعدم اتخاذها الموقف ذاته تجاه التدخل الإيراني الفج في العراق، والعسكري المباشر
في سوريا واليمن والبحرين ولبنان"، مؤكدا أن "تحرك الجامعة لا يمكن فهمه
إلا في إطار المكايدة، والتأثر بالسياسات الخارجية المصرية والسعودية".
وأضاف صابر أن "سياسة أمين الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، تعتمد
على الانحياز لأطراف بعينها، وتتماهى مع سياسات النظام الانقلابي بمصر، لأنه يدين بالولاء
له لاختياره أمينا عاما للجامعة"، معتقدا أنها "سياسة ستقوض الجامعة".
وقال إن "فكرة الجامعة العربية، التي تعكس النظام الإقليمي العربي،
نبعت من ضرورة التعاون بين الدول والتنظيم لتخطي العقبات المستقبلية، وتنظيم الصفوف، وتنسيق الخطط، لكنها منذ أعوام لم تحقق أهدافها، لتحيد عن طريقها بتوثيق العُرى، وسط
الأزمات المتوالية، والحروب والثورات".
وأوضح البرلماني السابق أن "الجامعة منذ تأسيسها عام 1945 عقدت
نحو 38 اجتماع قمة، بينها 25عادية و9 طارئة، وبعض القمم الاقتصادية، اتخذت قرارات سياسية
واقتصادية لم ينفذ منها شيء، ما أفقد الشارع العربي الثقة بها".
وأشار إلى أن دور الجامعة العربية الآن هو "توفير غطاء سياسي للتدخلات
الخارجية ببلدان المنطقة، وهي مشلولة عن اتخاذ قرار بالقضايا العربية بفلسطين وسوريا
وليبيا والعراق واليمن".
وأكد السياسي المصري أن "ضعف النظام السياسي العربي انعكس على
أداء الجامعة، وأفقدها دورها، لدرجة أن النظام العربي الرسمي متفرق بقضاياه الخاصة، ويتوحد
لتحقيق مصالح القوى الخارجية".
وختم بالقول إن تحرك الجامعة الآن يأتي في "سياق محاولة يراد للجامعة
فيها من قبل قوى كبرى أن تقوم بدور وظيفي بأزمات بعينها، ومحاولة يائسة لإنعاش ميت".
"كوميديا وفضيحة"
وأثار تباين مواقف الجامعة العربية في الملف السوري انتقادات بعض المتابعين
المصريين والعرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي تدوينة للكاتب الصحفي المصري جمال سلطان عبر "فيسبوك"، قال إن "حديث الجامعة العربية أو بعض الأصوات
الصاخبة عن السيادة السورية في تلك اللحظة أشبه بالكوميديا السوداء، كما أن الصمت المطبق
على كل تلك الاحتلالات، وادعاء الوطنية والعروبة عندما يتحرك الجيش التركي لتأمين حدوده، يقترب من فضيحة".
اقرأ أيضا: اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب لبحث عملية "نبع السلام"
خبير عسكري: هكذا ستنفذ تركيا عمليتها شرق الفرات
تصعيد سياسي وإعلامي مصري غير مسبوق ضد تركيا
تسريب جديد يكشف تفاصيل "الخطة الأصلية" لتصفية خاشقجي