نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لكل من رئيس مؤسسة كارنيغي، ويليام بيرنز، وخبير العلاقات الخارجية والمستشار السابق لهيلاري كلينتون خلال حملتها للانتخابات الرئاسية، جيك سوليفان، وكلاهما تقلدا مناصب عالية في وزارة الخارجية، يقولان فيه إنه مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، ومعاناة إيران تحت الحصار، فإن هناك فرصة لا تفوت للعودة من شفير الهاوية.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في مثل هذا الشهر قبل ست سنوات، كنا وسط مفاوضات مع إيران قادت إلى اتفاقية نووية شاملة، لقد كانت لحظة حملت فيها الدبلوماسية مخاطرة كبيرة ووعودا كبيرة، واليوم، بهت الأمل وتسارعت المخاطر".
ويضيف الكاتبان: "كانت نتائج قرار إدارة ترامب الأحمق العام الماضي الانسحاب من الاتفاقية النووية العام الماضي دون أدلة على عدم التزام إيران، يمكن التنبؤ بها ومتوقعة، ونحن الآن نمر في نقطة خطيرة جدا، أما كيف وصلنا إلى هنا فإن السبب هو التوقعات الخاطئة من الطرفين".
ويشير الكاتبان إلى أن "إيران توقعت أن بإمكانها انتظار نهاية رئاسة ترامب، وأن أمريكا ستعود للاتفاقية تحت رئاسة رئيس جديد عام 2021، لكن الضغط الاقتصادي للعقوبات التي فرضتها أمريكا من طرف واحد كانت أشد مما توقعت إيران، ووصل التضخم إلى 50%، وتراجع تصدير النفط، الذي يشكل شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد الإيراني، من 2.5 مليون برميل في اليوم إلى أقل من 200 ألف برميل في اليوم الصيف الماضي، وأثبت الموقعون الأوروبيون على الاتفاقية النووية عجزهم عن تقديم الكثير من المساعدة".
ويلفت الكاتبان إلى أن "إدارة ترامب من جهتها، اعتقدت بشكل غير واقعي أن حملة (الضغط الأقصى) والتلويح بالحرب سيجعلان إيران تتراجع وتقبل شروط أمريكا، لكنها فشلت في رؤية أن لدى إيران أوراقا تلعبها، وبدلا من الإذعان قام الإيرانيون بمزيد من الأفعال الاستفزازية في الخليج، ومضوا قدما في برنامجهم النووي، وبدلا من أن ينضم حلفاء أمريكا إليها في جبهة واحدة لعزل إيران، أصبح هؤلاء الحلفاء يقومون بدور الوسيط بين من يرون أنهما لاعبان مارقان، هما واشنطن وطهران".
ويفيد الباحثان بأن "المتشددين في طهران باتوا في حالة صعود، حيث ثبتت صحة رأيهم المتشكك في التعامل مع الغرب، وتتزايد رغبتهم في السيطرة، ويغذي هذا نظرتهم للرئيس ترامب على أنه (فهلوي)، يتحدث بألفاظ كبيرة لكنه أكثر اهتماما للظهور بمظهر الكبير أكثر من اهتمامه بالقيام بعمليات عسكرية".
ويقول الكاتبان: "أما شركاؤنا في الخليج فأصبحوا ممزقين، فمن ناحية يعيشون في حالة قلق من وقوع الصدام العسكري، ويحاولون إبطاء الانجرار إلى صراع، فأصبح ولي العهد السعودي فجأة يؤمن بقيمة تحقيقات الأمم المتحدة الشاملة، ومن ناحية أخرى فهم خائفون من أن عدم قيام أمريكا بأي فعل تجاه الاستفزازات الإيرانية سيؤدي فقط إلى فتح شهية إيران على مزيد من المغامرة، والسعودية هي الهدف الأكثر مناسبة".
ويحذر الكاتبان قائلين: "إن بقينا على هذا الخط فإننا سنتهاوى قريبا من فوق الجرف، وعندما تتم مناقشة السياسة في واشنطن يتم الحوار حول سؤال هل نضع حزام الأمان أم لا نضعه، لكن يجب أن يدور الحوار عن كيفية إعادة أيدينا إلى مقود الدبلوماسية، والتحرك نحو طريق الأمان قبل أن يفوت الأوان".
ويقترح الباحثان طريقا للحل يبدأ من "إعادة الطرفين النظر في التوقعات، والبدء بعملية عودة تدريجية عن التصعيد الحاصل لخلق قاعدة يمكن الانطلاق منها لحل طويل الأمد، ولن تستطيع أمريكا أن تجلب إيران إلى الطاولة دون شيء من المساعدة الاقتصادية، إما مباشرة أو عن طريق الاتحاد الأوروبي، كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالإضافة إلى أن على أمريكا التخلي عن الاثني عشر مطلبا التي أعلن عنها وزير الخارجية، مايك بومبيو، العام الماضي، فهذا النظام الإيراني الصلب وواسع الحيلة لن يصدر بيان استسلام".
ويقول الكاتبان إن "على الإيرانيين أن يصبحوا أكثر واقعية أيضا، فليس عمليا بكل بساطة أن يفكروا بأن أمريكا ستوفر تخفيفا للعقوبات دون ضمانات بأن إيران ستبدأ حالا بالتفاوض على اتفاقية تطول على الأقل فترة الاتفاقية، وتعالج موضوعي التحقق والصواريخ البالستية العابرة للقارات".
وينوه الباحثان إلى أن "وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ألمح حديثا إلى انفتاح على التفاوض على شروط إضافية، وفي الوقت الذي يجب ألا يكون فيه لدينا أي شك حول مدى صعوبة ذلك، فإنه يجب علينا بالتأكيد أن نجرب هذا المقترح، وكان الإيرانيون يعلمون منذ أن بدأت المفاوضات السرية بأننا ننظر إلى العملية على أنها عملية تكرارية، مثل غيرها من عمليات ضبط الأسلحة الأخرى، التي تصبح فيها الاتفاقية الأولى حجر أساس للمزيد من المفاوضات، وكان يقصد من الاتفاقية النووية التي تم التوصل إليها عام 2015 أن تكون هي البداية وليست نهاية الدبلوماسية مع إيران".
ويقول الكاتبان إن "على الطرفين أن يسعيا لتخفيف التوتر على نطاق واسع، لقد مر وقت طويل على تأمين إطلاق سراح الأمريكيين المعتقلين ظلما في إيران، وحان الوقت لوقف التهديدات للسفن في الخليج، والتوقف عن استخدام العراق ساحة للمنافسة الأمريكية الإيرانية، ويجب أن تشكل أزمة الخليج فرصة لنا للدفع نحو نهاية لحرب اليمن، فتلك الحرب لا تشكل فقط مأساة إنسانية عظيمة بل إنها كارثة استراتيجية لشركائنا الخليجيين، ووصمة عار على جبين السياسة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى أن أفغانستان هي قضية أخرى يجب مناقشتها مباشرة مع إيران، حيث لإيران مصلحة في الاستقرار هناك، وبإمكانها زعزعة هذا الاستقرار".
ويضيف الكاتبان: "لو طلبتم منا اقتراح سبيل للدبلوماسية مع إيران، سنقترح بعدم البداية مما وصلنا إليه اليوم".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "لكننا وصلنا إلى ما وصلنا إليه ونعرف إلى أين نسير، خاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار وجود المزيد من المحرضين في كل من طهران وواشنطن، فإن لدينا آخر وأفضل فرصة للدبلوماسية، ويجب علينا انتهازها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FT: لهذا من الصعب على أمريكا الخروج من الشرق الأوسط
NYT: نحن لسنا كلاب حراسة للسعودية والمعركة تخصها
فايننشال تايمز: مخاطر من تحول النزاع اليمني لحرب إقليمية