ناقشت ندوة في لندن واقع الثورة السورية ومآلاتها، بمشاركة اثنين من المفكرين والأكاديميين.
وفي الندوة الشهرية لـ"منتدى التفكير العربي" حول "مآلات الثورة السورية"، انطلق الأكاديمي والمفكر السوري، برهان غليون، من تفسير الحالة الثورية في العالم العربي.
وأشار إلى ثلاثة أسباب: فشل الأنظمة والنخب في استيعاب الثورة الصناعية، من حيث التنمية الاقتصادية في ظل ارتفاع حالة البطالة، وفشل في الثورة السياسية، حيث في العالم العربي "دولة الحاكم، وباتت الدولة بأجهزتها وجيشها أداة للاستبداد والاستعباد". وثالث الأسباب هو فشل الثورة الإنسانية، بمعنى أنه من المفترض أن الإنسان هو مركز الاهتمام للسلطة والنخب.
وقال: "كل ذلك جعل المجتمعات العربية مجتمعات انحطاط، ماديا ونفسيا". وفي ظل هذه الظروف شهدنا "ولادة الشعب"، فقد تولدت قناعة لدى الناس بأنه يمكن إحداث تغيير بشكل سلمي. وأشار إلى أن التغيير في المغرب العربي كان أسهل وأقل دموية من المشرق (سوريا مثلا).
وحول سؤال: لماذا تحولت الثورة السورية السلمية إلى كارثة إنسانية؟ تحدث غليون عن أربعة أسباب؛ قال إنها اجتمعت معا، ولو أن واحدا منها لم يتحقق، فربما لم نصل إلى الوضع الحالي:
فالسبب الأول؛ وجود نظام حكم هو بمثابة "العصابة". فهو "ليس نظاما سياسيا، بل يعتبر الدولة ملكه". وقد كان "يُعد نفسه وينظم أدوات القتل ضد الشعب (المعتقلات، نشر وحدات الجيش حول المدن.. الخ). فهذا النظام يعتبر المجتمع عدوا، وبالتالي يجب شلّه بكل الوسائل.
والثاني، أن النظام السوري "وجد نظاما لا يقل استهتارا بشعبه عنه"، متحدثا عن "إيران وطموح الإمبراطورية"، وما أطلق عليه "الهلال الشيعي".
والثالث، استعادة أجواء الحرب الباردة، حيث بدأت روسيا بالتعبير عن انزعاجها تجاه الولايات المتحدة، بعد خساراتها السياسية في الساحة الدولة.
ويضاف إلى كل ذلك هشاشة المجتمع المدني السوري (جمعيات، نقابات، أحزاب، رجال دين.. الخ). وقال: "دخلنا مجتمعا واحدا، ولكن مع اشتداد الصراع صارت هناك ثورات متعددة" (الأكراد، الإخوان، العلمانيون)، ومن هنا دخلت الدول الإقليمية (الصديقة) بحجة مساعدة الثورة، "لكن لتحقيق مصالحها الخاصة".
وكل هذا "شجع النظام على استخدام العنف دون حدود"، رغم تأكيد غليون على أنه "لم يكن أحد ليتوقع كل هذا العنف".
ورأى غليون أنه لا توجد مؤسسة سورية لديها القدرة على قيادة المشهد، موضحا أن هناك أفرادا من مثقفين ومن ذوي الكفاءات، ولكن ليست لديهم القدرة للعمل الجماعي.
لكنه عبّر عن تفاؤله بإمكانية ظهور قيادات؛ لأن النخب تنشأ من خلال الصراع المستمر، غير أن هذه النخب لا تستطيع الاستمرار دون النظر لمطالب الناس.
ويشار إلى أن غليون كان أول رئيس للمجلس الوطني السوري عام 2012، وهو أول تجمع للمعارضة السورية قبل أن يتشكل الائتلاف الوطني لاحقا.
وروى غليون قصة طريفة حدثت بعد ترؤسه المجلس الوطني. فقد ذكر أنه تقدم بإجازة مفتوحة من الجامعة في فرنسا؛ بسبب صعوبة استمراره في مهامه الأكاديمية إلى جانب رئاسته المجلس. وقد وافقت رئيسة الجامعة على الإجازة، كما وافقت على استمرار راتبه، واعتبرت ذلك بمثابة تبرع للثورة السورية. كما اعتبرت رئيسة الجامعة عمله السياسي في المجلس الوطني بمثابة تطبيق عملي للمسار النظري.
أورد غليون هذه القصة ردا على التساؤلات عن مدى ملائمة أن يمارس أكاديمي العمل السياسي.
من جهته، تحدث جلبير أشقر، الباحث والأكاديمي في جامعة سواس في لندن، عن السبب العميق للانفجار، وهو "اقتصادي اجتماعي"، مشيرا إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. ودلل على ذلك بأن مصر في عهد حسني مبارك، التي كانت تمثل "جنة الحرية" مقارنة بسوريا؛ شهدت الثورة قبل دول مثل سوريا وليبيا.
وقال: "دخلت بعض الدول، ومنها سوريا، في سياسات نيوليبرالية، تضمنت الخصخصة وتخفيض الإنفاق العام، مع فتح المجال أمام القطاع الخاص". لكن رأسمال المال يسعى للربح السريع، ويرتبط بالعائلات الحاكمة.
لكن لاحقا تحولت "الانفجارات الاقتصادية والاجتماعية" إلى "انفجارات سياسية"؛ لأن الناس ترى أن النظام هو السبب.
وأشار إلى أن هناك دولا عربية هي دول تملكها عائلات (سوريا، العراق، ليبيا)، فالقوات العسكرية "تتحول لحرس للعائلة الحاكمة".
وقال إن تعبير الربيع العربي كان مبنيا على وهم التغيير السريع. لكن هذا التغيير لا يحصل بسهولة في ظل غياب قيادات سياسية تمثل الحامل لهذا التغيير.
وأوضح أنه منذ عام 2013 دخلنا في مرحلة الثورة المضادة، وتحول الناس من النشوة بالتغيير إلى أن ما نشهده هو "سيرورة ثورية قد تدوم عقودا"، بانتظار البديل المطلوب الذي يحمل هذا التغيير.
واعتبر أنه كان من الخطأ قياس سوريا على حالات أخرى، مثل مصر. ففي مصر الجيش كان يرفض توريث السلطة لمدني، وقام بالتضحية برأس النظام لحماية النظام. لكن "في الأنظمة الوراثية أو الجملكية هذا لا يحدث، لأنها تمسك بالجهاز العسكري وتمزج بين نواة هذا الجهاز والعائلة الحاكمة".
وتساءل: "كيف يمكن التوهم بأن النظام الخليجي، وعلى رأسه السعودية، يمكن أن يدعم تحولا ديمقراطيا في سوريا؟".
وقال إن الرهان في سيرورة الثورات العربية هو في فرز القيادات الجماعية التي تلبي البرنامج والمطالب. وشدد أشقر على أهمية التنظيم وبناء شبكات تنظيمية بناء على التجربة المستمرة.
ورغم أن السؤال الرئيس للندوة هو عن "مآلات الثورة السورية"، فيبدو أن الإجابة عنه تُركت لندوات لاحقة، وهو ما لاحظته مداخلات بعض الحضور خلال الندوة.
ماذا يعني نقل أحد أكثر جنرالات الأسد دموية إلى درعا؟
المعلم: لقائي مع أبو الغيط في الأمم المتحدة "صدفة"
5 آلاف مقاتل لتنظيم الدولة بسجن سري شمال سوريا (شاهد)