نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأكاديميين كولين كلارك وأمارناث أماراسينغام، يقولان فيه إن وفاة زعيم تنظيم الدولة الذي كان قد نصب نفسه "خليفة"، أبي بكر البغدادي، يعد ضربة قاسية لتنظيم الدولة.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "مع أن كثيرا من مقاتلي التنظيم قالوا في مقابلات على مدى السنوات إنهم لا يقاتلون لأجل شخص معين، ولكن لقضية أكبر -لبناء دولة إسلامية- إلا أن البغدادي كان له كاريزما خاصة للتنظيم، وسيتم استبداله، لكن هذا لا يعني أن تنظيم الدولة سيعود لوضعه الطبيعي".
ويرى الكاتبان أن "سبب تطرف البغدادي هو الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ودراسته الشرعية ميزته بصفته شخصا سيحظى بمستقبل مهم في الحركة الجهادية، واعتقل البغدادي من القوات الأمريكية وتم تحويله إلى معسكر بوكا، أو ما عرف بـ(الجامعة الجهادية)، حيث سجنت أمريكا بعض أكثر السجناء تطرفا في شباط/ فبراير 2004".
ويفيد الكاتبان بأنه "في المعسكر، كما لاحظ الصحافي جوبي واريك، اكتشف البغدادي الشاب بسرعة أن علمه الشرعي ودراسته الأكاديمية منحاه درجة من المصداقية، وكان قادرا على تفسير الشريعة بطريقة سهلة للجهاديين المتطلعين للجهاد، وفي الواقع اعتبر كثير الالتصاق بالكتب لدرجة أن الأمريكيين أطلقوا سراحه من السجن في كانون الأول/ ديسمبر 2004، لكن عندما كان في السجن في معسكر بوكا قام الفريق الطبي بأخذ عينات من داخل الفم لتحديد حمضه النووي، وهو ما كان مفيدا خلال نهاية الأسبوع بعد الهجوم على مقره للتحقق من شخصيته".
ويشير الكاتبان إلى أنه "مع أنه ستكون هناك تداعيات كثيرة لتنظيم الدولة، بصفته منظمة على مدى الأشهر القليلة القادمة، إلا أن هناك واحدا من التداعيات على المستوى الدولي يستحق الدراسة: وهو أن موت البغدادي غالبا ما سيضعف شبكة القيادة والسيطرة، وسيتسبب بأن تستقل أو تبتعد التنظيمات المحلية المرتبطة بتنظيم الدولة لتنشغل بالصراعات المحلية التي كانت منشغلة بها أصلا".
ويلفت الكاتبان إلى أن "البغدادي كان محاطا بالمريدين، وكان ماهرا في تجنيد الأجانب للانضمام لنموذج الدولة في بلاد الشام، وكان إصراره على البقاء بعيدا عن الأنظار -فلم يعط سوى عدد محدود من الخطب العامة خلال خمس سنوات من فترة حكمه بصفته (خليفة)- أضاف إلى غموضه والهالة التي أضفاها على نفسه".
ويقول الكاتبان: "الآن فإن اختيار خليفة للبغدادي يمكنه أن يفعل الشيء ذاته ستكون مهمة صعبة جدا، فلا يمكن للتنظيم أن يختار أحد يتمتع بالاحترام ذاته، وهو ما سيقلل من قدرته على التجنيد، وإبقاء تنظيم الدولة متماسكا، خاصة على المستوى العالمي".
ويرى الكاتبان أن "ما يمكن أن يحصل لاحقا لتنظيم الدولة قد يشبه كثيرا ما حصل لتنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن في آيار/ مايو 2011، فبعد مقتل ابن لادن تم تعيين نائبه، أيمن الظواهري، لقيادة تنظيم القاعدة خلال مرحلته التالية، وافتقر الظواهري إلى الكاريزما والمقدرة لتوفير الوجود الموحد والإبقاء على شبكة واحدة عابرة للبلدان".
وينوه الكاتبان إلى أنه "كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة، فإن هذه الانقسامات يمكن أن تقود إلى قيام الفروع في الأماكن البعيدة بالسعي لتحقيق أهداف ضيقة وعدم قبول النصائح من القيادة المركزية التي تبعد آلاف الأميال، فخلال ذروة الحرب في العراق مثلا، لم يأبه زعيم تنظيم القاعدة هناك، أبو مصعب الزرقاوي، بتحذيرات الظواهري بأن عليه أن يخفف من حدة النبرة الطائفية في خطابه، وهكذا ولد تنظيم الدولة نتيجة انشقاق بين تنظيم القاعدة في العراق والتنظيم الأم".
ويشير الكاتبان إلى أن "إحدى القضايا الأساسية ستكون الوضع المالي للتنظيمات المنتسبة، فإن بدأ التنظيم المركزي بطلب التمويل من التنظيمات المنتسبة للتمكن من البقاء، فإن حماسة التنظيمات المنتسبة لاتباع تعليمات القيادة المركزية ستكون أقل، فالمجموعات التي تناصر تنظيم الدولة في الفلبين تهتم أكثر بالقضايا المحلية من الاهتمام بسردية التنظيم العالمية، وإن كانت هناك رغبة في إقامة خلافة، ستكون هذه الرغبة لإقامتها في منطقة مناسبة للمجموعات المحلية، وليس في بلاد الشام التي لم تعد توفر ملاذا آمنا للمتشددين".
ويجد الكاتبان أن "التحدي يتضاعف بتمدد التنظيم مؤخرا في أفريقيا وجنوب آسيا، الذي كان يتسارع منذ انهيار (الخلافة) التي أقامها التنظيم في سوريا والعراق، وعلى مدى العام الماضي قام التنظيم بالتمدد في مناطق مثل الكونغو وكشمير، وحتى أن تنظيما مثل تنظيم الدولة، يستخدم التكنولوجيا الحديثة على الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي، قد يجد من الصعب إبقاء كيانات مختلفة كهذه تعمل لهدف مشترك".
ويلفت الكاتبان إلى أن "البغدادي أشرف على تمدد التنظيم، وأدى دورا مهما في تمكن التنظيم من تحصيل مئات ملايين الدولارات وإنشاء شبكة دعائية عالمية، وفي الوقت الذي أثبت فيه التنظيم مرونة كبيرة، إلا أن وفاة قائده قد تتسبب بمعاناة كبيرة للتنظيم، خاصة على المدى القصير، وفي أسوأ الأحوال فإن التنظيم قد يفقد بعض أعضائه الحاليين لصالح المنظمات المنتسبة لتنظيم لقاعدة وغيرها من المجموعات المتطرفة في أنحاء العالم".
ويقول الكاتبان إن "موت البغدادي قد يؤدي إلى مزيد من الهجمات التي يلهمها تنظيم الدولة على المدى القصير؛ وذلك مبدئيا كرد فعل على الأخبار بأنه قتل على يد القوات الخاصة الأمريكية، لكن على المدى البعيد قد يكون لموت البغدادي أثر تخفيفي على جاذبية التنظيم الإلهامية إذا ما أخذنا في عين الاعتبار كيف وجد البغدادي تناغما مع أعداد كبيرة من المؤيدين في الغرب وفي العالم الإسلامي، ولم تتسبب إعلانات سابقة عن وفاته بالأثر ذاته، لكن ذلك كان لأنه تم إبطال تلك الشائعات بسرعة نسبيا".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "ليس من الواضح مدى الحيز الذي منحه تنظيم الدولة لموضوع خلافة البغدادي، لكن عندما يتعلق الأمر ببقاء التنظيم وتمكنه من الحفاظ على ولاء ولاياته في الخارج وللاستمرار في إلهام المؤيدين في أنحاء العالم، فقد يكون اختيار الشخص المناسب -شخص يمتلك كاريزما لها جاذبية- هو أهم خطوة قادمة يقوم بها التنظيم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
نيويوركر: البغدادي المطلوب رقم (1) بالعالم ميت.. ماذا بعد؟
نيوزويك: مسؤول سابق ينتقد ترامب لمقارنته بين البغدادي وابن لادن
التايمز: كيف يقدم مقتل البغدادي فرصة لعودة قوية للتنظيم؟