أظهرت الاحتجاجات الشعبية بالعراق، التي دخلت أسبوعها الثاني، رفضا غير مسبوق لإيران والقوى والمليشيات الموالية لها، عبّرت عنها ساحات المظاهرات، ولا سيما ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد.
وخلال جولة ميدانية أجراها مراسل "عربي21" في ساحة التحرير مكان الاعتصامات والمظاهرات الشعبية اليومية للعراقيين، أكد عدد من المتظاهرين "أن الجميع مرحب به بيننا، ما عدا أي شيء له صلة بإيران".
وقال أحد المتظاهرين، اسمه علي ويرتاد ساحة التحرير منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بشكل شبه يومي، إن أكثر شيء يمقته المتظاهرون هنا هو الأحزاب والمليشيات التابعة لإيران، ومن يصرح بأنه ينتمي للحشد الشعبي يتعرض للضرب العنيف والطرد من مكان المظاهرات.
ووثق مقطع فيديو لحظة تعرض "أبي عزرائيل" القيادي في مليشيات "كتائب الإمام علي" التابعة للحشد الشعبي للضرب والطرد من جانب المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد.
وأضاف علي، أن "المظاهرات خليط من جميع المكونات والمناطق في بغداد ففيهم من الأعظمية ومدينة الصدر والكاظمية واليرموك.. وغيرها من المناطق، ومن مختلف التوجهات، والكل يهتف للوطن ويبغض الأحزاب الموالية لإيران".
واللافت في ساحة التحرير، أنها تخلو من أي صور أو شعارات تشير إلى رجال دين شيعة، أو التمجيد بالحشد الشعبي الذي يعتبر قبل نحو عام من أقدس المقدسات لدى الشيعة العراقيين.
على العكس من ذلك، فإن الكثير من اللافتات التي يرفعها المحتجون في ساحة التحرير تحمل عبارات رافضة لتدخل إيران في الشأن العراقي، وتدعو إلى مقاطعة البضائع الإيرانية، والسخرية من المسؤولين العراقيين المقربين من طهران.
اقرأ أيضا: مظاهرات العراق.. إغلاق شوارع حيوية ودعوات للإضراب
وبخصوص أسباب انتقاد المتظاهرين لإيران والمليشيات والأحزاب العراقية المقربة منها، قال علي إن "الجميع في ساحة التحرير، بل العراقيين كافة يعلمون أن إيران والمليشيات العراقية هي التي قنصت المتظاهرين، وقتلت الكثير منهم".
وتابع: "نحن أيضا منذ البداية عندما خرجنا باحتجاجات، كنا نطالب بإنهاء سلطة المليشيات والأحزاب التي تديرها إيران في العراق، فهم ولاؤهم للخارج، ولم يصلحوا شبرا واحدا في هذا البلد".
لكنّ المتظاهرين على ما يبدو استثنوا التيار الصدري من الأحزاب الشيعية، فساحة التحرير لا تخلو من أهازيج وأغاني تمجد -على نحو محدود- زعيم التيار مقتدى الصدر، وذلك ربما يعود إلى موقفه من الاحتجاجات، إضافة إلى أن الكثير من المتظاهرين هم من مناطق تعتبر معاقل التيار الصدري ببغداد، وتحديدا مدينة الصدر والحبيبية والطالبية والشعلة.
وتعبيرا عن حالة الرفض الكبيرة من المتظاهرين العراقيين لإيران، ردّ المحتجون في ساحة التحرير على المرشد الإيراني علي خامنئي الذي وصف المظاهرات بأنها أعمال شغب تديرها الولايات المتحدة.
ورفع المتظاهرون لافتة عليها صورتا خامنئي وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وكتب عليها إيران برا برا، وانهالوا عليها بالضرب بالأحذية مع ترديد شعارات تنال من طهران، تعبيرا عن غضبهم من وصفهم بـ"المشاغبين".
وفي حديث لمراسل "عربي21" مع متظاهر آخر يدعى عبد الله، قال إن "حالة التآلف بين العراقيين في ساحة التحرير وبغضهم للطائفية التي جلبتها الأحزاب الموالية لإيران، لم نعهدها منذ احتلال العراق قبل 16 عاما".
ولفت عبد الله إلى أن "الأحزاب التي حكمتنا طيلة هذه الفترة اغتنت على حساب الشعب، وكانت تتيح لإيران العبث بأمن العراق، وسلمت البلد كله بيد طهران، وحطمت الاقتصاد العراقي حتى إنها تأتي ببضائع إيران، ولذلك فالكل هنا مقتنع بضرورة مقاطعة بضائعهم".
وأكد المتظاهر العراقي، أن "إيران تحاول إنهاء المظاهرات بأي شكل من الأشكال، فهي التي أرسلت قوة خاصة لقمع المتظاهرين العراقيين مع مليشيات عراقية أخرى، لأن هذه احتجاجات هزت سلطة الأحزاب الموالية لها بالعراق".
وحول تحول توجه الشارع الشيعي العراقي تجاه إيران، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي نجم المشهداني، إن "العراقيين سئموا الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة، التي تغتني على حساب إفقار الشعب، وتنهب خيرات البلد".
اقرأ أيضا: "حقوق الإنسان" العراقية: لا جدية لوقف العنف ضد المتظاهرين
وأضاف، أن "تحول المزاج العام تجاه إيران لم يكن وليد اللحظة وإنما بدأت الحقائق تتكشف عندهم قبل دخول تنظيم الدولة إلى العراق، منذ حكومة نوري المالكي، المقرب من إيران، وكانت تخرج مظاهرات ليست بالحجم الحالي لكنها كانت تعبر عن حالة الرفض لهذه الأحزاب".
ونوه المشهداني إلى أن "خروج العراقيين بهذه الأعداد الكبيرة والتنديد بإيران والأحزاب الموالية لها، يعبر عن حالة وعي متزايد لدى الشعب العراقي، الذي استطاع تشخيص المتسبب الأول بكل ما يعانونه من فقر وانعدام الخدمات وانتشار السلاح، وغياب الدولة، وترد في التعليم والصحة".
وأردف: "وهنا أخص بالذكر المحافظات ذات الغالبية الشيعية التي لم تشهد فوضى وحروبا ضد تنظيم الدولة، وقبلها مقاومة الاحتلال الأمريكي، لكن لو تنظر إليها فإنها بتراجع دائم من بنى تحتية ولا يوجد إعمار أو انشاء وحدات سكنية، بل على العكس فإن السلطات هدمت منازل البسطاء التي تعتبر تجاوزا دون إيجاد حل لهم".
وخرج العراقيون بمظاهرات عارمة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، تطالب بإنهاء الفساد وتوفير الخدمات وفرص العمل، وبعد توقف لمدة أسبوع بمناسبة "أربعينية الحسين" استؤنفت الاحتجاجات في 25 من الشهر ذاته، مخلفة أكثر من مئتي قتيل وقرابةالـ10 آلاف جريح، كحصيلة للشهر الماضي.
الاحتجاجات تعصف ببغداد وبيروت.. وأقدام إيران تترسخ
"عربي21" ترصد الأوضاع في العراق قبيل مظاهرات الجمعة
هل تؤثر أحداث لبنان والعراق على نفوذ إيران؟ مراقبون يجيبون