بإمكانك أن تصل ما بين النقاط لترسم خطا مستقيما بين كل هذه الأمور:
* القرار المزعوم من قبل المستشارين المقربين لدى رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو بالتضييق على شلومو فليبر، أحد مساعديه السابقين والذي تحول إلى شاهد دولة في إحدى قضايا الفساد
* سعي وزير العدل أمير أوهانا إلى تخويف مساعد سابق آخر تحول أيضاً إلى شاهد، هو نير حيفتز، وحمله على التزام الصمت
* تصعيد العنف ضد المحتجين في بيتاح تيكفا والذين خرجوا ينددون بالفساد الحكومي
* جهود نتنياهو المتواصلة لنزع الشرعية عن أي محاولة من قبل الحكومة للاعتماد على دعم القائمة المشتركة التي يهيمن عليها العرب
* وأخيرا، الأمر الذي أصدره فجر الثلاثاء لقصف مساكن زعماء حركة الجهاد الإسلامي في غزة ودمشق والتي أسفرت عن قتل بهاء أبو العطا وزوجته في غزة وفي دمشق نجل (وفي بعض التقارير كذلك حفيدة) الناشط في الجهاد الإسلامي أكرم العجوري.
سلوك أفراد حاشيته الذي يشبه سلوك أفراد عصابات المافيا، والتحريض ضد العرب، وقصف غزة هذا الأسبوع، وكل ما في استطاعة رئيس الوزراء أن يفعله حتى يبقى في السلطة
فوالده ودولة إسرائيل والشعب اليهودي باتوا جميعاً شيئاً واحداً.
بالنسبة له إذا لم يعد رئيسا للوزراء فلن يبقى بنجامين نتنياهو. حتى لو عرضت عليه المحكمة صفقة ما، لا يتصور نتنياهو نفسه متقاعداً يتفرغ لكتابة مذكراته ويجني مئات الآلاف من الدولارات كرسوم للمحاضرات، إذ يعتبر ذلك خيانة للمهمة التي نذر نفسه لها، ألا وهي مهمة المنقذ.
من وجهة نظر نتنياهو، ألا يكون رئيساً للوزراء ليس خياراً مقبولاً. ليس فقط لأنه يعلم أنه في اللحظة التي يغادر فيها شارع بلفور فسوف يذهب إلى المحكمة وعلى الأغلب إلى السجن أيضاً. ما من شك في أن هذا الخوف يجمد العظام، ولكن هناك خوف أكبر منه.
جميع الهدايا التي تلقاها وكل الضغوط التي بذلها – بشكل غير مشروع، حسبما ورد في لوائح الاتهام – مع وسائل الإعلام حتى توفر له تغطية مواتية، كل ذلك يصبح مبرراً في ضوء هذا الإحساس بأنه صاحب رسالة، فهل يجوز وضع مبتعث التاريخ في قفص الاتهام لمجرد حصوله على بضعة أصابع من السيجار؟
عدم تصديق حكاية نتنياهو
إلا أن الانتخابات السابقة، تلك التي جرت في شهر إبريل / نيسان وأكثر منها تلك التي جرت في شهر سبتمبر / أيلول، اثبتت أن الناخبين في إسرائيل لا تقنعهم تلك الحكاية من نتنياهو. فهم لا يرونه مبتعثاً للتاريخ، بل معظمهم، والذين يمثلهم خمسة وستون نائباً في الكنيست، لا يريدونه رئيساً للوزراء.
والأسوأ من ذلك أن خصمه الرئيس، بيني غانتس، لم يسقط من خياراته "التوجه نحو العرب" ليشكل حكومة أغلبية تدعمها القائمة المشتركة.
من شأن ذلك أن يؤدي ليس فحسب إلى خروج نتنياهو من شارع بلفور ولكن أيضاً إلى طمس إرثه كله بالكامل، وهو الإرث الذي تأسس على إنكار حق الشعب الفلسطيني في أي مكان ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة أو داخل الحدود السيادية لإسرائيل.
ومن أركان ذلك الإرث تمرير قانون الدولة القومية وتوهين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته الفلسطينية، وهنا تكمن جذور كل التصعيدات الأخيرة التي مارسها نتنياهو ومن معه.
إلا أن ذلك لم يحرك الجمهور اليهودي بما فيه الكفاية. صحيح أن المحتجين المؤيدين لنتنياهو في بيتاح تيكفا تزايدوا خلال الأسابيع الماضية وازدادوا عدوانية، إلا أنهم مازالوا لا تتجاوز أعدادهم بضعة آلاف من المتظاهرين.
في الوقت الحاضر على الأقل، مازالت معظم الشوارع الإسرائيلية لا تبالي بجهود نتنياهو من أجل البقاء، والوحيدون الذين نهضوا لنصرة قضيته، حسبما يقول نفتالي بينيت، هم الناخبون مما يعرف بالمعسكر القومي الديني، وهي كتلة صغيرة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدعم مشروع إسرائيل الاستيطاني.
ولذلك ليس من باب المصادفة أن تخصص حكومة نتنياهو ثلاثة حقائب لأعضاء من "يمينا"، وهو تحالف الأحزاب اليمينية الذي فاز فقط بسبعة مقاعد في الانتخابات الأخيرة وأخفق اثنان من زعمائه وهما بينيت وآيليت شاكيد في تخطي العتبة الانتخابية في إبريل / نيسان.
"ضربة قاتلة"
وهذا يفسر قرار فريق الدفاع في حكومة نتنياهو ضم آميت سيغال، كبير المعلقين السياسيين في القناة 12 والشخصية البارزة في المعسكر القومي الديني، والذي ولد داخل مستوطنة وكان والده قد شارك في أعمال إرهابية ضد الفلسطينيين، مهددين بذلك منزلته كمعلق سياسي يميني، والتي ربما تكون قد دمرت تماماً.
كما يفسر ذلك البوست الذي كتبه بينيت الشهر الماضي في حسابه على الفيسبوك وقال فيه: "فيما لو نجح النظام القضائي في الإطاحة بنتنياهو، فستكون تلك ضربة قاضية لكل المعسكر القومي."
مثله في ذلك مثل سيغال وبيزاليل سموتريتش وكثيرين غيرهم، لا يعبأ بينيت بأي حكومة لا يترأسها نتنياهو بشكل كامل.
فهم يعلمون أن غيابه سيفقدهم لا محالة الوضع الخاص الذي تمتعوا به طوال عقد من الزمن تحت حكم نتنياهو، وخاصة في الحكومة الأخيرة، وهو وضع لا يتناسب بتاتاً مع وزنهم السياسي الحقيقي.
ومن هنا فهم يضعون جانباً كل اعتبار آخر. والأولوية التي تقدم على كل ما سواها هي الحفاظ على إرث نتنياهو، وعلى رأس ذلك يأتي تخليد فكرة تفوق العنصر اليهودي.
يعي كل مثقف سياسي تقريباً، وربما يعي ذلك معظم المواطنين الإسرائيليين أيضاً، حتى في أوساط المؤيدين للأحزاب اليمينية، أن قرار قتل أبو العطا – والذي لم يكن رداً على هجوم حديث – وكذلك قرار استئناف سياسة تنفيذ عمليات الاغتيال بعد فترة انقطاع دامت خمسة أعوام، إنما هو في المرتبة الأولى قرار سياسي يهدف إلى خلق حالة يتعذر معها على بيني غانتس مجرد التفكير في تشكيل حكومة أقلية مدعومة من قبل القائمة المشتركة.
وأن يكون ثمن ذلك هو إزهاق أرواح زوجة أبو العطا ونجل العجوري، فهذا أمر لا يدخل في المعادلة على الإطلاق، لا من قبل نتنياهو ولا من قبل الغالبية العظمى من اليهود في إسرائيل.
ولكنه أيضاً لا يحسب عدد الإسرائيليين والفلسطينيين الذين سيدفعون أرواحهم ثمناً لجولة أخرى من هذا العنف، وهي جولة أطلقت بمبادرة إسرائيلية فقط لا غير.
ولا يحسب حتى الدمار الذي يلحقه بحياة الناس العاديين سواء في غزة أو في إسرائيل. للمرة الأولى منذ حرب الخليج في عام 1991، تم إغلاق المدارس في تل أبيب الكبرى، ولم يكن ذلك بسبب الإجازة.
لعل هذا الاستفزاز الأخير أمكن احتواؤه خلال أيام قليلة، ولكن ما الذي سيحدث لو لم يكن ذلك كاف، ولو أن حملة العنف التي أطلقها نتنياهو أخفقت في إعاقة مسار خصمه الذي يسعى لإخراجه من المدينة؟
واضح أن نتنياهو لا ينوي الاستسلام، ولكن نجاحه غير مضمون، والطريق نحو الأمام محفوف بالمخاطر.
ميرون رابوبورت في تل أبيب
(عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ترجمة خاصة لـ"عربي21")