هل تراجع الدور الإيراني في سوريا؟..مراقبون يجيبون

أمام تفاقم الاحتجاجات الداخلية، والحراك الشعبي العراقي، والمشهد العسكري السوري المعقد في شرق نهر الفرات، ووجود كل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة، يبدو أن الدور الإيراني العسكري في سوريا قد دخل في حالة انكفاء.

وباستثناء الأنباء عن إنشاء الحرس الثوري الإيراني، قاعدة عسكرية في بادية الميادين بريف دير الزور الشرقي، فقد لوحظ مؤخرا أن الصوت الإيراني يكاد يغيب تماما عن المشهد السوري، بشقيه العسكري والسياسي المتعلق بالحراك حول "اللجنة الدستورية" السورية.

غير أن هناك من المراقبين من ذهب إلى القول بأن ما سبق لا يعني غيابا للدور الإيراني عن المشهد السوري، وإنما تغيرا في وظيفته، بعد أن هدأت المعارك في الخارطة السورية.

وظائف شبه عسكرية

واعتبر الباحث والمحلل السياسي محمد سالم، أنه من غير الممكن القول بأن إيران باتت غائبة عن المشهد السوري، نظرا لأن قسما من مليشياتها ما زال يقوم ببعض الأعمال العسكرية في معارك الساحل السوري، وقسم آخر يقوم بوظائف شبه عسكرية، أي التجنيد، ونشر التشيّع في مناطق سورية عدة.

وقال في حديث لـ"عربي21" إن "تركيز إيران في سوريا منصب الآن على تجنيد الشباب ضمن مليشياتها، وعلى إقامة أنشطة ثقافية متعلقة بالمذهب الشيعي".

وأضاف سالم الباحث في "مركز الحوار السوري"، أن ما يجري من مظاهرات في الداخل الإيراني، وفي العراق، إلى جانب العقوبات الاقتصادية على طهران، قد يكون أثر نوعا ما على حجم الإنفاق الإيراني في سوريا.

اقرأ أيضا: هل تنكفئ إيران على نفسها بعد تفاقم احتجاجاتها الداخلية؟

وتابع قوله "تستثمر إيران في المليشيات، مبتعدة عن الدور السياسي الذي تقوده روسيا، وتفعل ما تستطيع لشرعنة وجود هذه المليشيات ودمجها بالمجتمع المحلي السوري، وتحديدا في المناطق التي تقع في مسار الخط البري طهران- بيروت، أي في مناطق الشرق السوري، في دير الزور مرورا بأرياف حماة وحمص في الوسط، وصولا إلى المناطق الحدودية مع لبنان، ومع الاحتلال الإسرائيلي".

تراجعا في الأولويات

واستدرك سالم بقوله: بعبارة أخرى يمكننا القول أن أولويات إيران اختلفت، معتقدا أن "الملف السوري لم يعد ضمن الأولويات الأكثر ضرورة لإيران، في ظل ما يجري من تطورات في الداخل، وفي العراق".

وقال: "انتقلت إيران إلى أعمال وظيفية أخرى في سوريا، وأهمها أنشطة نشر المذهب الشيعي، علما بأن هذه الأنشطة كانت موجودة في سوريا، منذ عقود".

وهنا يحيلنا سالم إلى دراسة صادرة عن "مركز الحوار السوري" بعنوان "مليشيات المشروع الإيراني في سوريا (1)"، الدراسة التي تقدم توضيحا وفهما لبينة المليشيات الإيرانية في سوريا.

الدراسة قسّمت المليشيات التابعة لإيران أو المدعومة منها أو المحسوبة عليها، في سوريا إلى: قوات عسكرية إيرانية (فيلق القدس، الباسيج)، ومليشيات أجنبية غير عربية (لواء فاطميون، لواء زينيبون)، ومليشيات أجنبية عربية (حزب الله، مليشيات عراقية، مليشيات يمنية)، ومليشيات محلية (مليشيات شيعية، ومليشيات علوية).

وحول الكيفية التي استطاعت إيران من خلالها حشد كل تلك المليشيات وجلبها إلى سوريا، جاءت على أسباب متعددة، منها "البعد الإيديولوجي، والإغراءات المادية، والإعفاء من الأحكام الجنائية للمقاتلين الأجانب في بلدانهم الأصلية، والبروباغندا الإعلامية".

اقرأ أيضا: "هآرتس": قصف الجولان جزء من معادلة الردع الجديدة لطهران

ووفق الدراسة، أثبتت إيران قدرة عالية على حشد المقاتلين من جنسيات مختلفة، وتصديرهم كقوات عابرة للحدود، وزجهم في صراعات إقيلمية تخدم مشروعها في المنطقة.

تحجيم الدور الإيراني

وفي سياق الحديث عن الدور الإيراني وتراجعه في سوريا أم العكس، قال أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، إن ما جرى ويجري في الداخل الإيراني، وفي العراق، قد حجّم من التدخل الإيراني في سوريا.

وأضاف لـ"عربي21": كانت إيران تدعم المليشيات الشيعية في سوريا ماليا وعسكريا، لكنها اليوم تعيش أزمة اقتصادية كبيرة، وهذا الأمر سيؤدي حتما إلى تراجع حجم ذلك الدعم، وهو الأمر الذي سيفقدها السيطرة على أهم ورقة قوة لها في سوريا، أي المليشيات.

وتابع الشاغل، بالإشارة إلى الضربات الإسرائيلية التي تعرضت لها مواقع عسكرية في دمشق، مساء الثلاثاء، معتبرا أنه "من الواضح أن هناك شبه إجماع على تحجيم الدور الإيراني في سوريا والمنطقة".

ومضى قائلا "قد يكون الصمت الروسي عن هذه الضربات، نوعا من الموافقة الضمنية، لأنها تريد إبعاد إيران عن منافستها في الملف السوري، أو تحييدها على الأقل".

وبالبناء على هذه المعطيات، بدا الشاغل مقتنعا بأن "إيران اليوم أضعف من أي وقت في سوريا"، مضيفا أنه "من السهل اليوم على الولايات المتحدة وحليفها الاحتلال الإسرائيلي، توجيه المزيد من الضربات لإيران، لدفعها إلى الانسحاب العسكري من سوريا".

وفي هذا الصدد، أكدت مصادر إخبارية محلية، مساء الأربعاء، تعرض مقرات تابعة للحرس الثوري الإيراني في البوكمال شرقي دير الزور، للقصف بصواريخ مجهولة المصدر.

ورجحت المصادر أن يكون مصدر هذه الصواريخ، القوات الأمريكية المتمركزة بالقرب من البوكمال، في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، شرق دير الزور، ولم يصدر تعليق من أي جهة توضح مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ.

اقرأ أيضا: انفجار غامض في موقع إيراني بمدينة "البوكمال" السورية

هل إخراج إيران سيكون سهلا؟

ومجيبا على هذا التساؤل، قال الشاغل، إن "إيران تتقن سياسة اللعب على حافة الهاوية، وهي تريد البقاء في سوريا ليكون لديها ورقة ضغط مهمة، قد تشهرها في حال ازدياد الخناق عليها من قبل الدول الغربية".

وأضاف الشاغل"لم يعد الوجود الإيراني في سوريا وجودا هشا، بل العكس، وخصوصا أنها أبرمت العديد من العقود الاقتصادية والعسكرية مع النظام السوري، الذي لا يزال الجهة الشرعية الممثلة لسوريا بنظر المجتمع الدولي".

وأكد أن الطموح الإيراني يتعدى سوريا، منهيا بقوله "لا زال لدى إيران أهداف كثيرة، وهي قادرة على التصعيد عسكريا في مناطق عدة في العراق أو سوريا وتحديدا في الجنوب السوري المحاذي للاحتلال الإسرائيلي ، من أجل عدم ترك سوريا.