رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة في الشّارع؛ فقال لها هل تعرفين من هذه؟ فقالت: لا؛ فقال هذه قينة بني فلان (يعني فنانة ومطربة)، فهل أدعوها لتغنّي لك؟ فقالت عائشة: نعم.. نعم، فدعاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأعطاها طبقا مقابل أن تغنّي له ولزوجته!
ليس هذا فقط، بل إنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يستمع إلى المطربات في الأعراس ويقوم بالتدخّل لتعديل كلمات الأغانيّ!
هذا الكلام لا يقوله عجائز اللّيبراليّة في العالم العربيّ، ولا متعصّبو العلمانيّة في باريس، بل يقوله إمامٌ لأعظم مساجد الكون؛ المسجد الحرام في مكّة المكّرمة، عبر تلفزيون "إس بي سي" السّعوديّ الرسمي!
الشّيخ عادل الكلباني الذي كان إماما للمسجد الحرام؛ غدا اليوم أحد نجوم الفضائيّات الرّسميّة السّعوديّة بصفته وجها دينيّا دعويّا يمثّل السّعوديّة الجديدة ورؤية ابن سلمان.
إساءةٌ لمقام النبوّة وللشّريعة
مما ينبغي التّأكيد عليه ابتداء ثلاث نقاط:
أولا: ليست المشكلة أبدا في تغيير الفتوى بناء على إعادة البحث في النّصوص والوقائع.
ثانيا: ليست المشكلة في القول بجواز الموسيقا والغناء؛ فهذه قضيّة سبق إلى القول فيها أعلام كبارٌ من علماء الأمّة الإسلاميّة قديما وحديثا، وهي قضيّة خلافيّة في الفقه الإسلاميّ، ولا ضيرَ في دفاع أيّ من الفريقين عن رأيه فيها.
ثالثا: إنَّ أكثر القائلين بجواز الموسيقا والغناء انفتاحا وتساهلا لا يقول بجواز هذا الانحراف، والانحدار الفنّي والذّوقي والأخلاقيّ الذي تمارسه هيئة التّرفيه، ويحاول الكلباني الدّفاع عنه.
لكنّ المشكلة في ما جاء به الكلباني يكمن في عدّة نقاط أهمّها:
تكمن الخطورة أيضا في أنَّ ما يفعله الكلباني وأمثاله من علماء ودعاة آل سعود لا يندرج مطلقا تحت إطار تغيير الفتاوى بناء على المراجعات الشرعيّة، بل هو تجسيدٌ جليّ لتسخير الدّين لخدمة الوثنيّة السياسيّة
ثانيا: تكمن الخطورة أيضا في أنَّ ما يفعله الكلباني وأمثاله من علماء ودعاة آل سعود لا يندرج مطلقا تحت إطار تغيير الفتاوى بناء على المراجعات الشرعيّة، بل هو تجسيدٌ جليّ لتسخير الدّين لخدمة الوثنيّة السياسيّة.
فالتغيير جاء بناء على أوامر من أقبية المخابرات ودوائر هيئة التّرفيه، فهي تغييرات لا تأتي في إطار خدمة الدّين والرّسالة؛ بل لخدمة "وليّ الأمر" الذي اعتاد على تحريك شفاه العلماء والدّعاة بالرّيموت كونترول وفق سياساته ورغائبة وغرائزه.
تدليسٌ وتضليلٌ في استخدام النّصوص الشرعيّة
حاول الكلباني ايهام السّامع باستقدام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المغنيّات والرّاقصات إلى بيته بقوله: "لا أحد يمكنه إنكار وجود الغناء في عهد الرسول، وأن باب "سنة العيدين لأهل الإسلام" في صحيح البخاري، يثبت ذلك".
وهناك فرقٌ بين إثبات جواز الغناء والموسيقا وبين النتيجة التي أراد الكلباني الخلوص إليها، وهي أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يحضر الفنّانات ليغنين له في بيته.
وعند العودة إلى الباب المذكور في صحيح البخاري والذي استند له الكلباني، نجد أنّ فيه حديثا واحدا في هذا الأمر وهو:
"عن عائشة رضي الله عنها قال: دخلَ عليَّ أبو بَكرٍ وعندي جاريتانِ من جواري الأنصارِ تُغنِّيانِ بما تقاوَلت بِهِ الأنصارُ في يومِ بُعاثٍ، قالت وليستَا بمغنِّيتينِ، فقالَ أبو بَكرٍ أبمزمورِ الشَّيطانِ في بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ، وذلِكَ في يومِ عيدِ الفطرِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يا أبا بَكرٍ إنَّ لِكلِّ قومٍ عيدا وَهذا عيدُنا".
فالحديث صريح وواضح في أنَّ المرأتين اللّتان كانتا تغنيان عند عائشة ليستا مغنيتين؛ أي ليست تلك صنعتهما، فهما ليستا مطربتين ولا فنانتين كما حاول الكلباني الإيهام بذلك.
فهما ضيفتان كانتا تجلسان عند عائشة في يوم عيد فتذاكرتا أشعار الأنصار في معركة سابقة هي معركة بعاث، وبدأتا تغنيان تلك الأغنيات في جلسة نسويّة في يوم عيد.
فالغناء إذن كان غناء يحتوي على قصائد المعارك لا أغاني هيئة الترفيه؛ التي يحاول الكلباني الترويج لها من خلال هذا التدليس والتّضليل.
وأما الحديث الثّاني الذي اعتمد عليه الكلباني لإثبات أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كان يحضر الفنّانات والرّاقصات إلى بيته، هو:
"عن السائب بن يزيد: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشةُ أَتَعْرِفينَ هذه؟ قالتْ: لا يا نَبِيَّ اللهِ، قال: هذه قَيْنَةُ بَنِي فُلانٍ، تُحِبِّينَ أنْ تُغَنِّيَكِ؟ قالتْ: نَعَمْ، قال: فَأَعْطَاها طَبَقا فَغَنَّتْها".
والتّدليس الذي مارسه الكلباني في هذا الحديث في نقطتين:
النّقطة الأولى: في الإيهام بأنَّ هذا الحديث في صحيح البخاريّ، إذ ساقه مباشرة عقب ذكره لباب البخاريّ "سنّة العيدين لأهل الإسلام"، والحديث ليسَ في البخاريّ بل رواه الإمام أحمد في المسند والنّسائيّ في السّنن. والحديث صحيح الإسناد وكان بإمكان الكلباني أن يذكر ذلك، لكنّ محاولته إيهام السّمع بأنَّ الحديث في البخاريّ يفصح عن عقليّة التدليس التي يتّصف بها.
النّقطة الثّانية وهي الأخطر: التّضليل في بيان المعنى وتفسير الحديث، حيث فسّر الكلباني القينة بأنّها الفنّانة والمطربة في زماننا، فهو يحاول أن يقول بأنَّ المطربات اللواتي يأتين إلى المملكة بدعوة من هيئة الترفيه أصلا كنّ جزءا من المجتمع النبويّ، ولكم أن تتخيّلوا المجتمع النبويّ الذي تكون أليسا ونجوى كرم وشيرين عبد الوهاب وشاكيرا وهيفاء وهبي؛ جزءا منه!!
القينة هي ماشطة الشعر التي كانت تزيّن النساء، وكانت أيضا تغنّي أثناء ممارستها عملها. وقد كان متعارفا أنَّ كلّ قبيلةٍ أو فخذ من قبيلة له الحلّاق الرّجالي والماشطة والحلّاقة النسائيّة الخاصّة بهم.
وعندما رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذه الماشطة قال بكلّ ما في قلبه من حبّ لزوجته: هل أدعوها لتقوم بتمشيطك والغناء لك؟! فقال: "تغنّيك" ولم يقل:"لتغنّي لنا"، فعندما وافقت زوجته دعا تلك الماشطة، وأعطاها مكافأة مقابل عملها.
لا حرجَ عند الكلباني وأمثاله من الإساءة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كرمى عيون ابن سلمان
انفراجة في الأزمة الخليجية.. والسيسي قلق على مصيره
المصالحة الخليجية.. من يدفع الفاتورة؟