لأن
السعودية تسير صوب تسويات كبرى قادمة، كان البحث عن مسارات متعددة لحلحلة الأزمة مع
قطر في مقدمة أولوياتها.
وعندما أُعلن عن سحب السفير الأردني من الدوحة تطبيقاً لسياسة
الحصار، لم تعلن الدولة أسباب ذلك، كما لم تعلن عن دواعي إعادته إلى عمان!
كان الأجدى اعتماد الحياد في التعامل مع الأزمة، لا الاصطفاف ضدها. قد يعتبر البعض أن الفعل الأردني مَثلَ جدار صد لمنع الغضب السعودي، إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال. وخلال سنوات الحصار، تضخمت المشاكل بين الجانبين، ووصلت حدود المناكفة والقطيعة إلى توقف تدفق المساعدات، واستمرت التحليلات والتصريحات ترسم بشكل سلبي العلاقة الأردنية بدول الخليج.
في هذه الأجواء تم تخليق "نخبة" إعلامية أكاديمية لتشكيل رؤية موحدة، ولتدعم الدولة التي وجدت نفسها معزولة بعد أشهر من اصطفافها ضد قطر، لكنها عمقت من أزمتها.
هنا، اتخذت الدولة قرارها بتجميد أذرعها لتبريد الأجواء وإيقاف حملتها إعلامية. في المقابل بَقيت الأصوات التابعة للفضائيات العربية تمتهن هوايتها، ما رتب على ذلك إسقاط عن الكثير من المبادئ والقيم المرتبطة بالمصلحة الأردنية العليا، بأبسط صورها الصحفية والإعلامية والأخلاقية.
كان على الدولة تحديد "ممنهج" لتصريحات المعلقين السياسيين، للحيلولة دون تقديم تنازلات غير مرغوبة، نتيجة التصريحات الإعلامية غير المتوافقة مع السياسة الأردنية.
فهل من الضروري الإبقاء عليها الآن؟
لذا يمكن القول إن استثمار عودة السفير القطري مصلحة أردنية وخطوة أولى في استعادة التوازن الدبلوماسي، وقفزة باتجاه حلحلة الأزمة الخليجية، بدأته عمان باستضافة الحوار السعودي الحوثي.
طلب وتسويات سعودية
التخلص من الأزمات ومذهب النوايا الحسنة محور سياسي جديد في الاستراتيجية السعودية تتبعها الرياض باحتراف، مع تعاظم الأزمات غير القابلة للسيطرة، وهذه ليست إلا مسارا يسبق التسويات الكبرى القادمة، في حال أعيد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفترة رئاسية جديدة، وتأكيد المصالح الأمريكية في المنطقة.
ولأن التسويات تتطلب التعامل بواقعية، كان لا بد من خلق قنوات دبلوماسية لاستعادة العلاقات مع قطر، لا حباً بها، بل خلقاً لمساحات أمان تضمن حياد الجزيرة وإعلامها القادر على إفشال أي تسويات قادمة.
كذلك، جاء التوجه السعودي خارجا عن مدار الرغبة
الإماراتية. فأبو ظبي السائرة على حبل مشدود تتوجس من إغضاب الرياض، وتعي جيداً أن انسحابها من اليمن أعاد ترتيب أولويات صناع القرار السعودي، الذي وجد أن استعادة العلاقات مع قطر وسيلة لتحديد الحلم الإماراتي. فالسعودية مكشوفة الظهر ولا بد لها من حلفاء جدد تثق بهم، كصاحبة مشروع إقليمي يجب العمل على إنجاحه.
لذا يمكن القول: إن القصة ليست بطولة كرة قدم، بل وسيلة لتبرير غايات تضمن جذب الدوحة إلى صف الرياض، وإعادة بناء التحالفات من جديد.
ملفات ساخنة
في تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، جاء أن الخلافات الخليجية في طريقها للحل، وأن "موافقة كل من السعودية والإمارات والبحرين على المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم لهذا العام في قطر، تشير إلى ذوبان الجليد بعد أكثر من عامين من النزاع".
قد تكون نظرة المجلة الأمريكية التفافا حول حقيقة أن أزمات السعودية عجلت في سعيها لإيجاد آلية لخلق حوار دون شروط مع قطر، مع تزايد حدة الخلافات الداخلية، وتخلي الإمارات عنها في اليمن، وضغط الملف الإيراني، وابتعاد مصر وانكفائها داخلياً. هنا لا بد أن يكون الطريق الأمثل لإنهاء الصراعات، بالإعلان عن خسارتها، لإعادة التموضع من جديد في قلب الملفات الإقليمية.
استفادت الدوحة من الأزمة في البناء داخليا. هذا لا يعني أن الدوحة لم تتأثر، لكن الآثار التي شهدتها تكاد لا تذكر مقارنة مع الخسائر التي شهدتها دول الحصار.
نجحت قطر في امتصاص صدمة الحصار، وصناعة القبول الإقليمي لها كند لا يستهان به، فكان الحصار دافعاً ذاتياً لزيادة قوة الداخل وتشابكة، بما يخدم أمنها القومي ومصالحها العليا.
نعم قد تعود مياه العلاقات الى مجاريها، لكنها لا بد أن تكون محكومة بالحذر الشديد؛ ربما لأن الارتكاز على التبريد الخَداع للحصار أسوأ من الحصار المعلن ذاته، خصوصاً إن كانت نظرة الأطراف المتصارعة تقوم على الوصاية والانتداب لا الشراكة.