لم تفلح قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الدخول إلى قلب العاصمة الليبية طرابلس بعد، بفعل المقاومة الضارية التي تبديها قوات حكومة الوفاق للدفاع عن العاصمة، وذلك بالرغم من دخول الدعم الدولي لحفتر لا سيما الروسي مراحل متقدمة، بعد الدفع بمرتزقة "فاغنر" الروس إلى جبهات القتال.
وسجلت قوات حفتر أقصى تقدم لها في منطقتي صلاح الدين والخلاطات، وتبعدان نحو 15 كلم عن وسط طرابلس، حيث اندلعت معارك عنيفة الأسبوع الماضي، حاولت خلالها القوات القادمة من الشرق بدعم من المرتزقة الروس، اقتحام العاصمة، لكن قوات الوفاق تمكنت من صدها، وشنت السبت هجوما معاكسا، لمنع قوات حفتر من التقدم نحو معسكر حمزة، بمحور الخلاطات.
أما في محور صلاح الدين، فتجري معارك كر وفر، حيث تمكنت قوات الوفاق، من منع قوات حفتر من اقتحام الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان وسط العاصمة، على غرار: الفرناج، والهضبة، وأبو سليم، رغم ادعاء قوات حفتر، بأن المعارك تجري داخل طرابلس وليس على تخومها.
ومكن وصول التعزيزات إلى قوات الوفاق بمحوري صلاح الدين والخلاطات، من سد الثغرة التي من خلالها تقدمت قوات حفتر، تحت غطاء مدفعي كثيف.
وأثارت تصريحات للمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، لصحيفة إيطالية، نشرت السبت، لغطا بشأن حقيقة الوضع جنوبي طرابلس، ومدى قدرة قوات الوفاق على الصمود أمام قوات حفتر، المدعومة بالمرتزقة الروس، خصوصا بعد سيطرتهم على معسكر اليرموك بعد معارك كر وفر.
وقال سلامة، "في الأيام العشرة الأخيرة، انتقلت الحرب إلى الدائرة الحضرية في العاصمة. ولا أستبعد مأزقا جديدا أو تقدما ساحقا".
اقرأ أيضا: حفتر يعلن انتهاء المفاوضات.. ماذا عن مؤتمر برلين؟
حيث اقتربت قوات حفتر من وسط العاصمة، ولم يعد يفصلها عن أحيائها الحضرية سوى بضعة كيلومترات.
لكن في نفس اليوم الذي نشر فيه حوار سلامة، تمكنت قوات الوفاق من صد الهجوم، بل والقيام بهجوم معاكس بالاستعانة بسلاح المدفعية، ونجحت في إسقاط طائرة ميغ 23، وأسر طيارها بمدينة الزاوية (50 كلم غربي طرابلس)، ما تسبب في انتكاسة لهجوم الجمعة، الذي كان يراد منه اقتحام طرابلس بشكل سريع وحاسم، قبل الجولة الرابعة التمهيدية لمؤتمر برلين، الثلاثاء (10 ديسمبر/ كانون الأول) بحضور 10 دول.
ولوحظ خلال الأيام الأخيرة، توقف الطائرات الإماراتية المسيرة عن القصف منذ 3 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ما أدى بقوات حفتر للجوء إلى طائراتها القديمة للمشاركة في الإسناد، أسقطت قوات الوفاق إحداها، بصاروخ محمول على الكتف.
وليس واضحا لحد الآن ما إذا كان لذلك علاقة بالضغوط الأمريكية على الإمارات، عقب لقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بنظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
تأجيل متكرر لمؤتمر برلين
ويأتي اشتداد حدة المعارك في محوري صلاح الدين والخلاطات، الأقرب إلى قلب طرابلس، في ظل ضغوط أمريكية على حفتر لوقف إطلاق النار في العاصمة، وإيجاد حل سياسي للصراع، واقتراب موعد انعقاد مؤتمر برلين الذي تدحرج إلى مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل.
ورغم هذه الضغوط، لا يبدو حفتر آبهًا لها، بل رمى بثقله أكثر في المعركة مستغلا ازدياد الدعم الروسي له عبر شركة فاغنر الأمنية، مستغلا التناقضات داخل الإدارة الأمريكية، والغطاء الذي تقدمه له روسيا وفرنسا في مجلس الأمن، ناهيك عن الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي توفره له الإمارات ومصر على وجه الخصوص.
وتمت دحرجة موعد مؤتمر برلين من تشرين الأول/ أكتوبر، إلى تشرين الثاني/ نوفمبر ثم كانون الأول/ ديسمبر، وآخر المواعيد التي يتم تداولها حاليا أوائل أو منتصف أو 20 من الشهر المقبل.
واختارت برلين أن يشارك في هذا المؤتمر 10 دول (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، ألمانيا، تركيا، مصر، الإمارات، وإيطاليا).
وقبل انعقاده، يثير مؤتمر برلين خلافات كثيرة، أولها عدم دعوته الأطراف الليبية ودول الجوار الفاعلة وعلى رأسها الجزائر، ما يطرح قلقا من أن يؤول إلى الفشل، ويصبح نسخة مكررة عن مؤتمري باريس وباليرمو.
ويصب تأجيل مؤتمر برلين أكثر من مرة دون إعلان موعد له، في مصلحة حفتر ومشروعه، لأنه يعطيه مهلا إضافية للسيطرة على طرابلس، أو على الأقل تحسين موقعه التفاوضي.
معارك غربي المطار القديم
وتشهد المحاور الواقعة غربي المطار القديم (25 كلم جنوبي طرابلس)، معارك لا تقل ضراوة عن المحاور القريبة من قلب المدينة، خاصة على مستوى محوري الطويشة والرملة، وتقترب المعارك شيئا فشيئا من حي السواني (35 كلم جنوبي طرابلس).
وفي منطقة ورشفانة، ما زالت قوات الوفاق مسيطرة على مدينة العزيزية (45 كلم جنوبي طرابلس)، لكن بلدة الساعدية، الواقعة إلى الشمال، تشهد معارك عنيفة مع قوات حفتر، التي تسيطر على منطقة أولاد تليس (شمال شرق العزيزية).
كما أن قوات الوفاق تمكنت من صد محاولات قوات حفتر السيطرة على منطقة الهيرة، التي تعتبر البوابة الجنوبية لمدينة غريان الاستراتيجية (100 كلم جنوبي طرابلس)، والتي اتخذتها قوات حفتر، مركز قيادتها المتقدم قبل أن تحررها قوات الوفاق.
اقرأ أيضا: ماذا وراء إعلان حالة تأهب قصوى في طرابلس الليبية؟
وهذه المحاور (الطويشة، الرملة، ورشفانة..) ينتشر فيها مرتزقة فاغنر بكثافة، والتي تتركز مهامهم في القنص وتوجيه المدفعية، بالإضافة إلى الصيانة والتدريب.
وإلى جانب السيارات المجهزة برشاشات مضادة للطيران، والطائرات من دون طيار، برز في الأيام الأخيرة سلاح المدفعية، واحدا من الوسائل التي يستخدمها طرفا القتال بكثافة لحسم المعارك بأقل الخسائر.
حفتر يهدد بفتح جبهة الساحل
حالة استنفار تشهدها المدن والبلدات الواقعة على الساحل غرب طرابلس، وفي جبل نفوسة، بعد أنباء عن تحرك قوات تابعة لحفتر من قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غربي طرابلس) باتجاه بلدة العجيلات (80 كلم غربي طرابلس)، استعدادا لتقدمها نحو مدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس).
وفي هذا الصدد، اجتمع عمداء وأعيان وحكماء بلديات المنطقة الغربية في الساحل والجبل، بالزاوية، وأعلنوا "تشكيل قوة عسكرية مشتركة لحماية المنطقة من أي اعتداء متوقع من قوات حفتر".
وليس مؤكدا ما إذا كان حفتر ينوي فعلا مهاجمة طرابلس من المحور الغربي، الذي انكسر في بداية الهجوم على العاصمة 4 أبريل/ نيسان الماضي، أم أنها مجرد مناورة لسحب كتائب الزاوية القوية من محاور القتال في طرابلس لتسهيل مهمة اقتحامها.
حيث هاجمت مؤخرا قوة تابعة لحفتر قلعة السدادة جنوب مصراتة (200 كلم جنوبي طرابلس) لكن سرعان ما انسحبت منها، في تكتيك قتالي لسحب كتائب مصراتة من محاور القتال في طرابلس، وهذا الأسلوب فشل لحد الآن، لكنه نجح مرة واحدة مع قوات الوفاق، عندما هاجمت مطار طرابلس القديم، إلا أن الهجوم الرئيسي استهدف غريان، ما أدى إلى سقوطها خلال ساعات.
مختصون أتراك: إرسال قوات إلى طرابلس سيغير التوازنات
ماذا وراء إعلان حالة تأهب قصوى في طرابلس الليبية؟
هكذا يسعى حفتر لإحداث تغير "استراتيجي" بهجوم طرابلس