مع الترحيب العربي والفلسطيني بقرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، بطلب فتح تحقيق بشأن جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تسلط "عربي21" الضوء على تفاصيل القرار ومدى تأثيره على حرية حركة قادة جيش الاحتلال والمسؤولين الإسرائيليين في العالم.
وطلبت المدعية العامة، من الدائرة
التمهيدية إصدار قرار للبت في اختصاصها الإقليمي بفلسطين، بعد إعلانها انتهاء
الدارسة التمهيدية التي تضمنت إجراء تقييم شامل حول الجرائم المرتكبة في فلسطين
ومنها جرائم الاحتلال بحق المتظاهرين في مسيرات العودة، وجريمة الاستيطان، والعدوان
على قطاع غزة والحصار، وجرائم استهداف المدنيين وغيرها من الانتهاكات الجسيمة.
وللتوضيح الحقوقي والقانوني حول قرار
الجنائية، أكد الناشط الحقوقي والخبير في القانون الدولي صلاح عبد العاطي، أن
"بنسودا خلصت إلى أن الوضع في فلسطين تنطبق عليه جميع المعايير القانونية
بموجب نظام روما الأساسي اللازمة لفتح تحقيق في الجرائم في غزة والضفة
والقدس".
ونوه عبد العاطي في حديثه
لـ"عربي21" إلى أن "قرار مكتب المدعية يأتي انسجاما مع نظام روما
الأساسي الذي يشترط للشروع في التحقيق الابتدائي ضرورة أخذ ترخيص قضائي من الدائرة
التمهيدية، وغالبا ما يلي ذلك أخذ موافقته الدائرة التمهيدية على مباشرة الشروع في
التحقيق الابتدائي، بحسب الحالات السابقة التي عرضت على المحكمة بذات
الصيغة".
اقرأ أيضا: الجامعة العربية ترحب بقرار "الجنائية" التحقيق بجرائم الاحتلال
وذكر عبد العاطي، أن "القرار
الراهن يعتبر خطوة ثانية تلي قرار المدعية العامة بتاريخ 16 كانون الثاني/ يناير
2015 الشروع بإجراء دراسة أولية للحالة في فلسطين، بعد قيام دولية فلسطين بإيداع إعلان خاص بموجب المادة 13(2) من النظام
تقبل بموجبه فلسطين بولاية المحكمة الزمنية على الجرائم التي ارتكبت على إقليم
فلسطين منذ 13 حزيران/ يونيو 2014، وتقع ضمن نطاق الاختصاص الموضوعي
للمحكمة".
ونوه إلى أن "الدائرة التمهيدية
ستقوم بدراسة طلب المدعية لمنحها الإذن بإجراء تحقيق، في حال تبين لها أن هناك
سببا معقولا للشروع في إجراء تحقيق ابتدائي، وأن الدعوى تدخل في اختصاص المحكمة،
وهذا الإذن لا يمس بما تقرره المحكمة فيما بعد بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى بحسب
المادة (17) من النظام الأساسي".
وفي حال "رفضت الدائرة الإذن
بإجراء تحقيق ابتدائي، لعدم اقتناعها بجدية المعلومات المقدمة إليها من المدعية،
فلا يمنع ذلك الرفض المدعية العامة من أن تقدم طلبا لاحقا للدائرة التمهيدية،
يستند لوقائع وأدلة جديدة بهدف فتح تحقيق حولها"، بحسب الخبير.
مسرح الجريمة
ولفت إلى أن "أخذ المدعية الإذن
بالشروع في التحقيق، يعني بداية مسار عمل جديد يقع خلاله على مكتب المدعية العامة
جمع الأدلة والتنقيب عنها، وتحديد مدى صلاحيتها وقوتها، ولعمل ذلك لا بدّ من
الانتقال إلى مسرح الجريمة، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتحقيق ومنها؛ استصدار
أوامر الحضور والتوقيف والقبض على المتهمين".
وعن مهمة الجانب الفلسطيني، نبه
الحقوقي، إلى أن "الأمر يتطلب عملا قانونيا
وحقوقيا متكاملا، يبدأ من حث قضاة الدائرة التمهيدية لدى الجنائية، بالانتصار لضحايا
الفلسطينيين، وحسم أمر الولاية الجغرافية، عبر منح المدعية العامة ترخيصا قضائيا
بأغلبية أعضائها لتمكينها مباشرة أعمال التحقيق الابتدائي في الجرائم المرتكبة
بالأراضي الفلسطينية المحتلة لقطع الطريق على الاحتلال من التذرع بادعاء أن
الأراضي الفلسطينية المحتلة أراض متنازع عليها بموجب اتفاق أوسلو".
اقرأ أيضا: ترحيب فلسطيني باعتزام "الجنائية" التحقيق بجرائم الاحتلال
وأضاف: "مع بقاء كل الاحتمالات، إلا أنني أتوقع أن تجيب الدائرة
التمهيدية إيجابا عن طلب المدعية، لأن ذات الدائرة في 2017، أصدرت قرار فريد من
نوعه وغير مسبوق، دون طلب من المدعية، وأمرت بموجبة قلم المحكمة بالعمل على إنشاء
نظام خاص بالمعلومات على وجه السرعة لصالح الضحايا والتجمعات السكانية المتضررة في
سياق الحالة في فلسطين، إضافة لإنشاء صفحة معلومات على الموقع الخاص بالمحكمة،
وهذه القرار يحمل بشكل ضمني إقرار الدائرة بولاية المحكمة على الحالة الفلسطينية،
ولا يمكن للدائرة أن تتنصل من ذلك".
ومن أجل تدعيم مسار مساءلة قادة
الاحتلال الإسرائيلي، وتضييق مساحة الإفلات من العقاب الدولي، حث عبد العاطي،
"قضاة الدائرة التمهيدية لدى الجنائية، بمنح المدعية ترخيصا قضائيا لتمكينها
من مباشرة أعمال التحقيق الابتدائي"، معتبرا أن "قرار المدعية يساهم في
تقليص حجم رقعة الإفلات من العقاب، وتحقيق الردع القضائي".
وطالب الناشط الحقوقي، وزارة
الخارجية الفلسطينية، بـ"ضرورة استثمار عضويتها في المكتب التنفيذي لجمعية
الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية، لحث الفاعلين لدى المحكمة من أجل ضمان منح
المدعية العامة الترخيص القضائي اللازم لتمكينها من مباشرة فتح تحقيق في الجرائم
الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
من جانبه، أوضح المحامي الفلسطيني
المقيم في الداخل المحتل عام 1948، خالد زبارقة، أن "قرار الجنائية الذي يوصي
بفتح تحقيق في جرائم إسرائيل ولم يقرر بعد إن كانت هناك جرائم أم لا ارتكبتها بحق
الشعب الفلسطيني، هو قرار ضعيف، لكنه مهم في عدة مستويات".
مهمة السلطة
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21": "يعتبر القرار وثيقة مهمة في موضوع حرب الروايات التي
يخوضها الاحتلال مع الشعب الفلسطيني في العالم، ويؤكد أن إسرائيل معتدية وأن
الفلسطينيين معتدى عليهم، وما يقوم به الشعب الفلسطيني هو من باب الدفاع عن النفس
ورد العدوان؛ وهذا أمر غاية في الأهمية بالنسبة للأوساط القانونية العالمية".
وبين زبارقة، أنه "يبنى على هذا
القرار الكثير من الإجراءات القانونية الخاصة بعملية ملاحقة مجرمي الحرب ومحاسبتهم
ومعاقبتهم من قادة الاحتلال، وبحسب القانون الدولي من يتحمل المسؤولية عن الجرائم
هي أعلى قيادة سياسية أو عسكرية".
وشدد على وجوب "استثمار القرار
على المستوى الرسمي الفلسطيني بشكل قوي على المستوى الدولي، وخاصة في الجانب
القانوني، إضافة إلى متابعة حثيثة لتطبيقه من أجل إنتاج إجراءات قانونية يمكن لها
أن تحمي حقوق الشعب الفلسطيني، إضافة لكشف كل الجرائم التي قام بها جيش الاحتلال
في غزة والضفة والقدس"، مضيفا: "الكرة الآن في الملعب الفلسطيني".
وذكر المحامي، أنه "بعد الكثير
من القرارات الدولية التي كسبها شعبنا الفلسطيني في الأوساط القانونية الدولية،
كانت السلطة الفلسطينية دائما هي التي تخذلنا، عبر مماطلتها وعدم تفعيل تلك
القرارات بالقدر المطلوب، وخير دليل على ذلك؛ هو قرار الجنائية في موضوع جدار
الفصل العنصري، وقرار تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي أكد قيام إسرائيل
بارتكاب جرائكم حرب في غزة".
اقرأ أيضا: أمريكا تعارض "بحزم" تحقيقا دوليا حول جرائم حرب إسرائيلية
وعن مدى تأثير هذه توصية الجنائية
على حرية حركة زعماء الاحتلال الإسرائيلي، قال المحامي: "دون أدنى شك أن
القرار سيؤثر على تحركات قادة الاحتلال في العالم، لأنهم يدركون اليوم أن هناك
جهات قانونية دولية تلاحقهم، لذا فسيتحركون بقدر عالي من الحذر والحيطة في العالم".
ونوه إلى أهمية أن "يتم التعامل
مع توصية الجنائية بصفتها القانونية، كي لا نرفع سقف التوقعات من هذا القرار، مع
علمنا أن قرار التوصية يفتح الباب أمام ملاحقة ومعاقبة المعتدين من قادة الاحتلال،
والأهم من ذلك؛ هو فضح رواية الاحتلال على المستوى الدولي".
ومع الاعتراض الأمريكي على قرار
الجنائية، وبشأن مدى إلزام "إسرائيل" في حال صدور قرار من الجنائية
بإدانة قادة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، لتسليم المتهمين،
أفاد زبارقة، أن "إسرائيل غير موقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولة"،
منوها إلى أن "الجنائية تمكنت في السابق من فرض قراراتها على بعض الدول
الناشزة التي لم توقع على الاتفاقية مثل السودان".
وقدر أنه "في حال تم صدور قرار
بإدانة شخصيات إسرائيلية معينة، فهذا سيفتح مجالا كبيرا جدا للتنفيذ، وهنا يبرز دور
الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية في تفعيل تلك القرارات، من أجل الاستفادة الفعلية
منها"، وفق قوله.
"#وين_المرسوم".. تساؤلات فلسطينية لعباس عن حق الانتخاب
مع قرب حلول 2020.. هذه أهم التحديات التي تواجه حماس
وفاء مهداوي.. حكاية أمّ فلسطينية في مواجهة كيان الاحتلال