يعيش ما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتيا، وضعا صعبا، عقب الاستقالات التي عصفت به في عدد من المحافظات الجنوبية، وقبلها الهزائم التي مُني بها عسكريا في محافظتي شبوة وأبين، أواخر آب/ أغسطس الماضي، وهو ما يضع علامات استفهام وأسئلة عديدة حول مستقبل هذا الكيان الذي تشكل أوساط العام 2017.
يأتي ذلك في ظل حالة تململ داخله، بعد انكشاف دوره الوظيفي لمصلحة أجندة الإمارات بعيدا عن شعارات استعادة الدولة الجنوبية وفك الارتباط، الذي رفعها طيلة المرحلة الماضية، وفقا لمراقبين.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، استقال العشرات من المنتمين للمجلس الانتقالي، في محافظات أبين، ولحج، وشبوة، وحضرموت (جنوب وشرق)، كان أبرزهم، رئيس الفرع المحلي للمجلس في شبوة، علي السليماني، وعدد أخر من أعضائه في هذه المحافظة.
"أمر طبيعي"
وتعليقا على هذا الموضوع، يرى الدبلوماسي اليمني السابق، عادل باشراحيل، أن "حالة التململ داخل المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي أمر طببيعي، كونه مشروع ميليشاوي وارتزاق في آن واحد".
وقال، في حديث خاص لـ"عربي21"، إن الشارع اليمني جنوبا وشمالا، بات يعرف تمام المعرفة تاريخ من يتزعم هذا الكيان الذين وصفهم بـ"حفنة مرتزقة وشقاة لدى الإماراتيين".
وبحسب الدبلوماسي اليمني السابق، فإن دولة الإمارات، "باعت الوهم لقادة المجلس بالانفصال عن الشمال، وبالتالي باعوا هذا الوهم للشارع الجنوبي، حيث تم الالتفاف حوله".
واستدرك قائلا: "انكشاف المجلس وشعاراته، واتجاه قياداته نحو ترتيب مصالحها والارتزاق من وراء تلك الدعوات، أفقده تأثيره، وساهم في الاستقالات منه".
اقرأ أيضا: الانفصاليون يلجأون لحرب الكمائن جنوب اليمن.. والتصعيد مستمر
وأشار إلى أن "الدول في الأعمال المخابراتية تتعامل مع الشخصيات الأقل خبرة في الحياة السياسية والعسكرية، وهذا ما حدث من قبل سلطات أبوظبي، ولذلك نقلوا عائلاتهم إليها، مقابل خدمة أجندتها".
وهاجم باشراحيل رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، وقال إن "تاريخه أسود".
وأضاف أن " نائب رئيس دولة الوحدة، علي سالم البيض، بعد مغادرته إلى سلطنة عمان ـ بعد إعلانه الانفصال عن الشمال في صيف 1994 - استدعى بعد انتقاله إلى الضاحية الجنوبية في بيروت العناصر التي يثق فيها ومنهم الزبيدي وآخرين".
وأكد أن "العلاقة التي تربط البيض والزبيدي بحزب الله وإيران، لم تعد خافية، وباتت معلومة عندقطاع واسع من الجنوبيين".
وتابع: "من الأجندة الإيرانية انتقل الزبيدي للعمل ضمن أجندة الإمارات"، موضحا أنه "أي رئيس المجلس، ظل حتى عام 2014، على تنسيق مع الحوثيين" على حد وصفه
ووفقا للدبلوماسي والسياسي اليمني، فإن "هذا الكيان لم يعد مقبولا في المحافظات الجنوبية، وحالة التململ داخله، لن تكون غريبة"، لافتا إلى أنه "يسيطر على مدينة عدن، بالقوة من خلال العناصر الذين تدربوا سابقا في إيران ولبنان، والدعم الإماراتي المُقدم له".
وذكر أنه "عندما اكتشف للجنوبيين أن هذا المجلس كذوب، وعبارة عن كيان لتنفيذ أجندة أبوظبي بدأت الاستقالات".
وأردف قائلا: "الاستقالات أماطت اللثام عن ادعاءات المجلس الكاذبة أنه الممثل الشرعي والوحيد للجنوب"، مشيرا إلى أن "مآلات المجلس مجهولة"، لكنه توقع فشله وانهياره.
وزاد على ذلك أنه "لا مستقبل للمجلس الانتقالي، وسينهار، وستنتصر الشرعية بدعم إقليمي ودولي وستطبق الإقاليم".
اقرأ أيضا: الزبيدي من عدن: هدفنا استعادة دولتنا كاملة ولا رجعة عن ذلك
وقال: "لم تدرك الإمارات أن اليمنيين لن يقبلوا بتصرفاتها السخيفة، وهذه الاستقالات والانسحابات دليل على انكشاف كيانها، وأنه لن يحقق أي شيء للجنوبيين".
"أداء ومناطقية المجلس"
من جهته، قال الكاتب والمحلل الساسي اليمني، عبدالرقيب الهدياني، إن "الهزائم العسكرية التي تلاقاه المجلس الانتقالي وتحديدا في محافظة شبوة، والتغييرات التي حدثت في عدن بعدها، عقب دخول القوات السعودية بدلا عن الإماراتيين في بعض المرافق المهمة بالمدينة الساحلية انعكست إلى خسائر سياسية وتنظيمية داخل المجلس".
وأضاف، في حديث خاص لـ"عربي21"، أن "التحولات تلك، أنعكست أيضا، على شكل استقالات من شبوة وأبين وعدن وسيئون، ومن بلدة ردفان في لحج، حيث استقال مشائخ وقيادات من هذا الكيان المدعوم إماراتيا".
وبحسب الهدياني، فإن "أداء المجلس الانتقالي ألقى بظلاله على ردود أفعال المنتسبين إليه الذين حملوا الآمال والطموحات والوهم الذي باعه في المرحلة الماضية، بعدما تبين استحالة تحقيقها، وأن الطريق غير مفروش بالورد".
وأشار إلى أن "الممارسات المناطقية والعنصرية، وانحياز المجلس والسيطرة عليه من قبل محافظة الضالع، التي يتحدر منها رئيسه، الزبيدي، وبلدة يافع في لحج، الذي يتحدر منها قيادات بارزة في رئاسة المجلس أيضا، وانتهاجهم سلوك الفوضى في عدن، إضافة إلى ثراءهم غير المشروع، أثّر سلبا على المنتسبين له من المناطق الأخرى وخلق حالة نفور منه".
واستطرد قائلا: "تصدر القيادات المنتمية لتلك المنطقتين واجهة هذا المجلس أعادت مشكلة مزمنة ومرض مستدام بالنسبة لمحافظتي أبين وشبوة، وهي المناطقية بسيطرة الضالع ولحج على مكون يدعي حمله مشروع القضية الجنوبية، مؤكدا أن "أبناء أبين وشبوة، لن يقبلوا بهذه المناطقية التي نكأت جراحاتهم".
وأوضح الكاتب الهدياني أن "ارتهان المجلس لدولة الإمارات، ورهن قراراته بيد الضباط الإماراتيين كان مستفزا لقطاع واسع من الجنوبيين، وأضعف دوره، وأفقدهم الثقة به".
ولفت إلى أن "المزاج العام في محافظات الجنوب تفيد بأن بوصلة الانتقالي انحرفت عن مسار استعادة دولة الجنوب، نحو تحقيق مطامع ومصالح الإماراتيين فيها"، مشيرا إلى أن المجلس الانتقالي كـ"مشروع انفصالي فشل".
وما يؤكد ذلك، وفقا للمتحدث ذاته، أنه لم يعد ذو وجود وتأثير على مستوى كل المحافظات الجنوبية، بل ينحصر في مساحة 135كلم2، من "كريتر في عدن مرورا بلحج حتى سناح في الضالع".
وأكد أن الحروب التي شنها المجلس ضد أبين وشبوة "خلقت ردة فعل قاصمة له حيث تم كسره وهزيمته، ولا يمكن أن يستعيد عافيته".
ولم يتسن لـ"عربي21" الحصول على تعليق من المتحدث الرسمي باسم المجلس وقيادات أخرى، حول هذا الموضوع، رغم تواصلنا مع عدد منهم.
اقرأ أيضا: توكل كرمان تنتقد صمت الأحزاب على "مليشيا طارق صالح"
وفي مطلع آب/ أغسطس الماضي، تمكن قوات المجلس المدعوم من الإمارات، من إحكام السيطرة على مدينة عدن، جنوبا، بعد معارك عنيفة استمرت لأيام، مع القوات الحكومية، قبل أن يتعرض لانتكاسة كبيرة على يد القوات ذاتها، بعد تمدده نحو محافظتي أبين وشبوة، أواخر الشهر ذاته.
وفي الخامس من تشرين ثان/ نوفمبر الماضي، رعت السعودية، اتفاقا سياسيا بين الحكومة اليمنية المعترف بها، والمجلس الانتقالي، وذلك لإنهاء التمرد المسلح الذي قاده الأخير مقابل إشراكه في السلطة، إلا أنه وبعد مضي أكثر من شهر ونصف، لم تنفذ أيا من بنود الاتفاق، وسط اتهامات متبادلة من الطرفين.
هل تحمل إجراءات الإمارات في شبوة اليمنية تصعيدا قادما؟