تحكمت هواجس الحرب وتصاعد التوترات بمنطقة الشرق الأوسط، في قرارات المستثمرين واتجاهات الأسواق العالمية على مدار الـ72 ساعة الماضية، التي أعقبت اغتيال الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، في ضربة جوية أمريكية استهدفت موكبه بمطار بغداد، يوم الجمعة، بتوجيهات من الرئيس دونالد ترامب.
وترصد "عربي21"، في التقرير التالي، آثار وتداعيات اغتيال سليماني على الأسواق العالمية، وتصاعد التوتر الأمريكي الإيراني، خاصة بعد تهديد ترامب أن الولايات المتحدة حددت 52 موقعا إيرانيا ستضربها إذا هاجمت إيران أي أمريكيين أو أي أصول أمريكية، بعد أن قالت طهران إنها سترد على الضربة الأمريكية.
وفي أحدث رد فعل على مقتل الجنرال الإيراني، افتتحت الأسواق الخليجية، الأحد، على هبوط حاد، في أول تداولات بعد العملية الأمريكية، وانخفض مؤشر الأسهم الكويتية (أفضل المؤشرات الإقليمية أداء في 2019) بنحو 3.8 في المئة، وهبطت الأسهم السعودية 2 بالمئة، وتراجعت أسهم أرامكو 0.7% عند الفتح إلى 34.9 ريال. كما هبط مؤشر أسهم دبي 1.8 بالمئة، وأسهم أبوظبي 1.1 بالمئة.
اقرأ أيضا: هبوط حاد بأسواق الخليج في أول تداول بعد اغتيال سليماني
مكاسب النفط والذهب
وتلقت أسعار النفط والذهب أول رد فعل للضربة الأمريكية، حيث ارتفع سعر خام برنت في نهاية جلسة تداول الجمعة 2.35 دولار للبرميل الواحد، بنسبة زيادة بلغت 3.6 في المئة، ليصل سعر البرميل عند التسوية 68.60 دولار، وهو أعلى مستوى منذ الهجوم الذي تعرضت له منشآت نفطية سعودية في منتصف أيلول/سبتمبر.
وتحسبا لأي عمليات تهدد سفن النفط بمضيق هرمز، ومخاوف تضرر إمدادات النفط العالمية، أعلنت البحرية البريطانية، الأحد، وفقا لرويترز، أنها ستبدأ في مرافقة السفن التي ترفع علم بريطانيا عبر مضيق هرمز لتوفير الحماية لها.
وقال محللون في تقرير نقلته شبكة "سي.إن.بي.سي"، الجمعة، إن أسعار النفط من المرجح أن تتمسك بمستوى 70 دولارا للبرميل، لكنهم أكدوا أنها قد ترتفع إلى 80 دولارا للبرميل حال استمرار التصعيد الإيراني الأمريكي.
ورجح هنري روم محلل شؤون إيران لدى أوراسيا أن تستأنف إيران التضييق على حركة الشحن التجاري في الخليج، وربما إجراء تدريبات عسكرية لتعطيل الشحن مؤقتا.
اقرأ أيضا: العملية الأمريكية تنذر بعرقلة إمدادات النفط العالمية
ووجدت أسعار النفط دعما أيضا بعد بيانات حكومية أظهرت أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة سجلت أكبر هبوط أسبوعي منذ يونيو 2019.
كما قفزت أسعار الذهب، فور الإعلان عن اغتيال سليماني، الجمعة، إلى أعلى مستوياتها في أربعة أشهر واخترقت حاجز 1550 دولارا للأوقية (الأونصة)، بنسبة زيادة بلغت 1.2 بالمئة، وارتفعت العقود الأمريكية للذهب 1.5 بالمئة لتبلغ عند التسوية 1552.40 دولار.
وقال بنجامين لو، المحلل في فيليب فيوتشرز، "الأخبار الآتية من الشرق الأوسط إلى جانب بعض الشراء المدفوع بالعوامل الفنية وتراجع الدولار يدعم أسعار الذهب". ويستفيد الذهب، مثل غيره من الأصول الاستثمارية الآمنة، في أوقات الضبابية السياسية.
واعتبر المحلل في مجموعة "اكسيتريدرز" ستيفن إينيس: أن "الأمر أكبر من مجرد صفعة لإيران"، مؤكدا أنه "استعراض عدواني للقوة واستفزاز واضح يمكن أن يشعل حربا جديدة في المنطقة".
هبوط الأسهم والسندات
وتوالت ردود الفعل داخل السوق الأمريكي على مقتل الجنرال الإيراني، وأغلقت المؤشرات الثلاثة الرئيسية في بورصة وول ستريت تعاملات نهاية الأسبوع منخفضة من مستويات قياسية مرتفعة.
وأنهى المؤشر داو جونز الصناعي جلسة تداول الجمعة منخفضا 0.82 بالمئة، بينما هبط المؤشر ستاندرد أند بورز500 الأوسع نطاقا 0.71 بالمئة (وهذا أول انخفاض أسبوعي للمؤشر بعد خمسة أسابيع متتالية من المكاسب)، فيما تراجع المؤشر ناسداك المجمع 0.79 بالمئة.
وكذلك تراجعت سوق الأسهم الأوروبية، الجمعة، مع اتجاه المستثمرين للابتعاد عن الأصول العالية المخاطر، وأنهى المؤشر ستوكس 600 الأوروبي جلسة التداول منخفضا 0.3 في المئة، وسجلت الأسهم الألمانية أسوأ يوم لها في شهر مع هبوط سهم شركة الطيران لوفتهانزا 6.5 في المئة، بعد خسائر شركات الطيران من قفزة أسعار النفط بأكثر من ثلاثة في المئة.
وفي أسواق السندات، هبطت عوائد السندات الحكومية في أرجاء منطقة اليورو، وبلغت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات أدنى مستوياتها في ثلاثة أسابيع عند حوالي 1.81 بالمئة.
وتراجعت عوائد السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات، وهي ملاذ استثماري آمن، الجمعة، إلى أدنى مستوياتها في أسبوعين بينما سجلت عوائد السندات الإسبانية أدنى مستوى لها في حوالي شهرين، وهوت تكاليف الاقتراض في إيطاليا بمقدار عشر نقاط أساس تقريبا في إحدى المراحل.
"عملات الملاذ الآمن"
وفي أسواق العملة، قفزت عملات الملاذ الآمن مثل الين الياباني إلى أعلى مستوياتها في شهور، وسجل الين الياباني ذروته في شهرين عند 107.92 مقابل الدولار الأمريكي، وزاد 0.5 بالمئة في أحدث سعر له.
ويُنظر إلى الين عادة كملاذ آمن من المخاطر، نظرا لوضع اليابان كأكبر بلد دائن في العالم. وتضخمت تحركات العملة أيضا في ظل معاملات هزيلة بسبب عطلة في طوكيو.
وصعد الفرنك السويسري، الذي يعدّ ملاذا آمنا هو الآخر، إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر عند 1.0824 مقابل اليورو. وبلغ الدولار الأمريكي أعلى مستوياته في أسبوع أمام العملة الأوروبية الموحدة.
اقرأ أيضا: اقتصاد 2020.. مؤشرات إيجابية مبنية على أسس هشة
الأسواق العربية والخليجية
وعربيا، سجلت السندات السيادية العراقية المقومة بالدولار المستحقة في 2023 أكبر تراجع، إذ انخفضت 1.075 سنت في الدولار ليجري تداولها عند 101.55 سنت، ونزل إصدار 2028 بمقدار 0.8 سنت إلى 96.78 سنت. وكلا الإصدارين متداول عند أدنى مستوياته منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر.
ومن جهتها، أعلنت شركة "طيران الخليج" البحرينية رحلاتها من وإلى بغداد، ومدينة النجف في جنوب وسط العراق، أظهرت البيانات الملاحية إلغاء نحو 15 رحلة اليوم في مطار البحرين الدولي وذلك عشية إعلان طيران الخليج وعدد من شركات الطيران في المنطقة وقف رحلاتها إلى المدن العراقية.
وشمل الإلغاء أكثر من شركة طيران على أكثر من خطوط، من بينها الاتحاد والإماراتية وفلاي دبي إلى جانب طيران الخليج، إذ شمل الإلغاء رحلات من دبي ومن النجف ومن بغداد ومسقط.
كما قررت أيضا شركة الطيران "الملكية" الأردنية وقف جميع الرحلات بين بغداد وعمان، لكنها قالت إن رحلاتها المنتظمة إلى النجف والبصرة وأربيل والسليمانية ستمضي كالمعتاد.
بيانات ضعيفة
وإلى جانب تصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية، ساهمت بيانات اقتصادية ضعيفة في تعزيز ارتباك الأسواق العالمية وتراجعها، بعد أن أظهرت انكماشا بالنشاط الصناعي في الولايات المتحدة لأدنى مستوى في أكثر من 10 سنوات خلال الشهر الماضي مع تراجع قوي للإنتاج والطلبيات الجديدة.
كما أظهرت البيانات، انكماش نشاط البناء في بريطانيا بأكثر من توقعات المحللين خلال الشهر الماضي، وتراجع اقتراض المستهلكين لأدنى مستوى منذ نحو 6 سنوات. فيما ارتفع عدد العاطلين عن العمل بألمانيا خلال كانون الأول/ديسمبر بأكثر من توقعات المحللين.
وأظهرت بيانات من البنك المركزي الأوروبي، الجمعة، أن إقراض البنوك في منطقة اليورو للشركات نما بأبطأ وتيرة في عام ونصف العام في نوفمبر تشرين الثاني، مما يشير إلى حذر متزايد على الرغم من قوة في الأسواق المالية وإجراءات تحفيزية جديدة من البنك المركزي.
ومع نمو لا يذكر لاقتصاد منطقة اليورو، استأنف المركزي الأوروبي برنامجه لمشتريات السندات البالغ قيمته 2.6 تريليون يورو (2.9 تريليون دولار) أواخر العام الماضي وخفض أيضا أسعار الفائدة وكشف عن جولة جديدة من القروض الرخيصة للبنوك التي تقدم الائتمان للاقتصاد.
وأظهرت البيانات أن القروض للشركات غير المالية نمت بنسبة 3.4 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني وهو أدنى معدل منذ أبريل نيسان 2018 . واستقر نمو القروض الى الأسر عند 3.5 بالمئة.
وارتفع معدل التضخم في تركيا قرب مستوى 12 بالمائة خلال الشهر الماضي، بينما هبطت مبيعات التجزئة في هونج كونج بنحو 24 بالمائة خلال تشرين الثاني/نوفمبر.
العملية الأمريكية تنذر بعرقلة إمدادات النفط العالمية
ارتفاع النفط لأعلى مستوى خلال شهور بعد اغتيال سليماني
ضبابية التجارة ترفع سعر الذهب.. وتصريحات روسية تهبط بالنفط