انتقد العديد من السياسيين الأمريكيين، فضلا عن وسائل إعلام محلية، عملية قتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ما يطرح تساؤلات عن أسباب ذلك، رغم أن الأخير تتهمه واشنطن بدعم الإرهاب منذ عام 2007.
وألقت تصريحات وتعليقات صحفية الضوء على العديد من أسباب انتقاد العملية، التي تم تنفيذها بأمر من الرئيس دونالد ترامب، تبرز من بينها أربعة أسباب رئيسية، نرصدها تاليا.
"اغتيال" غير قانوني
يعد اغتيال قائد رسمي في دولة، له وزن سياسي مهم فيها، وبتنفيذ مباشر، أمرا خطيرا بالنسبة لواشنطن، بحسب تقرير لموقع "فويس أوف أمريكا"، بل وانتهاكا لقوانين دولية ومحلية، منها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وقانون منع الاغتيالات السياسية الموقع عام 1976.
وألقى التقرير الضوء على الجدل بشأن تعريف عملية قتل سليماني، وبالتحديد ما إذا كان ينبغي استخدام وصف "اغتيال" من عدمه، لخطورة ذلك الوصف، لافتا إلى تفاهم ضمني بين واشنطن وطهران بتجنب مثل تلك الممارسة في الصراع الدائر بينهما، سواء في الشرق الأوسط، أو أي مكان آخر، فضلا عن القوانين المشار إليها.
وأوضح التقرير أن إدارة ترامب حاولت بشكل حثيث تصوير العملية بأنها "دفاع عن النفس" على اعتبار أن سليماني كان يخطط لمهاجمة مصالح أمريكية، بل إن مايك بنس، نائب الرئيس، ذهب إلى حد الربط بين القائد الإيراني وهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ما أثار سخرية واسعة النطاق، ودفع الكونغرس إلى طلب تقرير بالمعلومات التي كانت بحوزة البيت الأبيض قبل اتخاذ القرار.
وعلى اعتبار أن سليماني كان قائدا عسكريا رسميا، فإن اتفاقيات جنيف تجرم قتله خارج إطار مواجهة عسكرية مباشرة أو حرب، وهو ما انتهكته واشنطن، فيما حاول البيت الأبيض جاهدا تصنيفه "الإرهابي رقم واحد في العالم" لتبرير ذلك.
وفي الإطار ذاته، قال "آدم غولدمان"، مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية للشؤون الاستخباراتية والأمنية، إن آخر مرة قامت فيها الولايات المتحدة بقتل قائد عسكري كبير في دولة أجنبية، قبل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كانت خلال الحرب العالمية الثانية.
وأوضح "غولدمان"، في تغريدة عبر تويتر، الأحد، أن الأدميرال الياباني، إسوروكو ياماموتو، كان آخر قائد عسكري كبير تقتله الولايات المتحدة، قبل سليمان، في إشارة إلى تجنب واشنطن لهذه الممارسة.
وأضاف أن الجيش الأمريكي قتل "ياماموتو" عبر إسقاط طائرة تقله، خلال الحرب العالمية الثانية.
تعريض أمريكيين للخطر
اعتبرت أوساط أميركية عديدة بأن الرئيس ترامب أمر بتنفيذ الاغتيال لتسجيل نقاط سياسية داخلية، دون رغبة حقيقية بمواجهة مع إيران، غير عابئ بتكلفة رد الأخيرة، المتمثلة باستهداف جنود أو مواطني الولايات المتحدة، أو مصالحها أو حلفائها في المنطقة.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، السبت، ناقشت فيه تصريح وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي قال إن الأمريكيين باتوا أكثر أمنا بعد قتل سليماني.
وانتقد التقرير ذلك التصريح، مشددا على أن الأمريكيين باتوا معرضين للخطر أكثر من أي وقت مضى، فضلا عن مصالح واشنطن وحلفائها، فيما أشارت صحف أخرى إلى انتشار قوات البلاد في الكثير من دول المنطقة، لا سيما العراق، ما يجعل بنك الأهداف كبيرا بالنسبة للإيرانيين، وفرصة توقع مكان وزمان الرد أمرا صعبا.
مخاوف الانزلاق إلى حرب شاملة
هل الولايات المتحدة مستعدة لحرب مباشرة وشاملة مع إيران؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي طرحته العديد من الأوساط الأمريكية فور صدور نبأ اغتيال سليماني، حيث أكد أغلبها أن الأمريكيين ليسوا على استعداد لخوض حرب، ولا يريدونها.
ورغم تأكيد ترامب، في مؤتمر صحفي غداة الاغتيال، أنه غير معني بمثل تلك المواجهة، إلا أن العديد من الصحف الأمريكية ذهبت حد التحذير من تفجر الأوضاع، بل واندلاع حرب عالمية ثالثة.
وفي هذا الإطار، أكد تقرير لموقع "الإنترسبت" أن الولايات المتحدة غير مستعدة للتعامل مع أي من احتمالات عواقب اغتيال سليماني، مشددا على أن الصراع دخل في كل الأحوال مرحلة جديدة، سواء اشتعلت حرب على المدى المنظور أم لا.
بدورها، أكدت مجلة "فورين بوليسي" أن الشارع الأمريكي لا يزال غير معني بحرب في الشرق الأوسط، لا سيما ضد إيران، وأشار تقرير لها في هذا الإطار إلى نتائج استطلاع أجري مؤخرا أظهر رفض 76% من الأمريكيين لخيار الحرب، مشددا على أن قتل سليماني لن يتسبب بحال من الأحوال بتغيير ذلك التوجه.
نكث ترامب لوعوده.. والاستقطاب السياسي
يعد اغتيال سليماني أيضا، وما أعقبه من إرسال آلاف الجنود إلى الشرق الأوسط، نكثا لوعود ترامب بإعادة القوات الأميركية إلى البلاد، والانكفاء عن خوض معارك "لا تهم الأمريكيين"، كما صرح مرارا قبل وبعد فوزه بالرئاسة قبل ثلاث سنوات، في سياق انتقاده الإدارات السابقة.
ورغم ذلك، فإن كثيرا من المشرعين الجمهوريين أظهروا دعما لخطوته الأخيرة، وذلك في إطار السجال السياسي الحاد بينهم وبين الديمقراطيين، الذين شنوا هجوما واسعا على ترامب وإدارته خلال اليومين الماضيين، ولا سيما المرشحان للانتخابات الرئاسية المقبلة، جو بايدن وبيرني ساندرز.
وبالنظر إلى حالة الاستقطاب الحادة في البلاد، في ظل أجواء الدعاية الانتخابية ومساعي الديمقراطيين إسقاط ترامب برلمانيا، فإن اغتيال سليماني لم تتم قراءته بشكل مجرد، وأبرز مجددا الانقسام في الكونغرس بين الحزبين، بحسب تقرير لـ"فويس أوف أمريكا".
هكذا يؤثر اغتيال سليماني على مشاريع إيران.. أين سيكون الرد؟
استخدمته مؤخرا.. تكتيك أمريكي جديد لاستهداف خصومها بالعراق
اغتيال سليماني يفتح جميع السيناريوهات.. الترقب سيد الموقف