وسط انشغاله بدراسته الجامعية، تلقى نديم اتصالا من أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية يستدعيه فيه لمقابلته، فكان الاعتقاد لديه أن الاستدعاء يحمل تهديدا متواصلا كما في كل مرة رغم أنه منشغل بدراسته.
ولكن هذه المرة كانت مختلفة؛ فبعد استدعاء الشاب نديم الصفدي (19 عاما) وخمسة آخرين من بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة إلى أحد مراكز التحقيق الإسرائيلية، تم تسليمهم قرارات بما سمي الحبس المنزلي الليلي الإداري.
ويعتبر مراقبون بأن هذه السياسة الجديدة يريد الاحتلال اختبارها على بعض الشبان في بلدة العيسوية التي تعتبر من أكثر النقاط احتكاكا مع الجنود في ظل وتيرة مواجهات مرتفعة.
وفور تسلمهم لهذه القرارات رفض الشبان التوقيع عليها كي لا تتحول إلى سياسة دائمة، ما دفع الاحتلال لاعتقالهم وعقد جلسات محاكم لهم.
ويقول المقدسي محمد الصفدي والد نديم لـ "عربي21" إن قوات الاحتلال سلمت نجله وشبانا آخرين قبل عشرة أيام تقريبا قرارات صادرة عن ما يسمى بقائد الجبهة الداخلية الإسرائيلي مفاده فرض منع تجوال ليلي أو إقامة جبرية عليهم من الساعة الثامنة مساء وحتى السادسة صباحا بشكل متواصل لمدة أربعة أشهر.
ويوضح بأن قوات الاحتلال لم تكتف بذلك بل قامت باعتقال آباء الشبان بمن فيهم هو بعد مداهمة منازلهم، وتم التحقيق معهم على أن أبناءهم ينتمون لتنظيم "إرهابي" بهدف تخويفهم، ثم بدأ التهديد ضدهم بإمكانية القيام بإجراءات عدة بينها سحب الهوية المقدسية منهم.
ولكن الشبان رفضوا التوقيع على القرار أو حتى استلامه؛ ثم نظموا مسيرة ليلية جابت شوارع العيسوية رفضا للقرار وتوجهوا إلى مدخلها حيث يتمركز جنود الاحتلال باستمرار، ثم أبلغوهم أنهم غير ملتزمين بالقرار ومستعدون للاعتقال في سبيل ذلك؛ وهو ما حدث فعلا.
اقرأ أيضا: منظمة حقوقية ترصد 474 انتهاكا إسرائيليا بالقدس المحتلة
ويبين الصفدي بأن الجنود قاموا على الفور باعتقال نجله والشبان الآخرين وهم أنور عبيد وفايز محسن وآدم محمود وصالح أبو عصب ونضال فروخ، وتم نقلهم إلى مراكز الشرطة الإسرائيلية وعرضهم على المحكمة، حيث أصدر القاضي قرارا بالإفراج عنهم بشرط الحبس المنزلي الكامل أي ليلا ونهارا مع فرض غرامات باهظة؛ وهو ما رفض الشبان التوقيع عليه كذلك، فقرر القاضي تمديد اعتقالهم لعدة أيام.
ولأن الاحتلال يسعى إلى تحويل قضية هؤلاء الشبان إلى عبرة لشبان العيسوية؛ قام بتقديم لوائح اتهام بحقهم تتضمن تحقير المحكمة وعدم الالتزام بقرارات القضاء بعد أن كانت تتعلق بعدم الالتزام بالحبس الليلي.
ويشير الوالد إلى أن الخط الأساسي لدى الشبان هو تقديم استئناف للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد قرار الجبهة الداخلية مع احتمال كبير أن يتم رفضه؛ وبذلك يتحول القرار من عسكري إلى قضائي ويصبح سابقة في تاريخ القدس، ولن يقتصر على شبان بلدة العيسوية بل سيتعداه إلى جميع المقدسيين، حسب قوله.
ويرى الصفدي بأن الاحتلال يعمد إلى معاقبة أهالي الشبان وتحذيرهم بسحب الهويات منهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم؛ أي أنه يستخدم الضغط العائلي ضدهم كي يجبرهم على التوقيع على هذه القرارات دون الاكتراث إن كانت أساليبه قانونية أم لا.
وكان نديم بدأ مشواره مع الاعتقال المتكرر منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره؛ حيث وصل عدد مرات اعتقاله إلى عشر وتحويله للتحقيق في كل مرة تحت غطاء وجود مواد سرية ضده لا يطّلع عليها سوى القضاة، فإذا اقتنع القاضي بها يصدر قرارا باستمرار اعتقاله تحت التحقيق أو الإفراج عنه، وهو ما يعني السماح للمحققين بالاستفراد بالمعتقل مهما كان عمره، كما فُرض عليه الحبس المنزلي مرات عديدة يعجز والده عن إحصاء فتراتها.
ويصف الوالد مرات الاعتقال العديدة بأنها مصدر كبت لشاب في مثل عمر نجله؛ حيث أنه يحب الخروج من المنزل والتواجد في الجامعة والحي ومع أصدقائه؛ ولكن الاعتقال يشكّل انتهاكا جسديا ونفسيا له خاصة أنه في أغلب المرات يتم الاعتداء عليه بالضرب، كما ينتهك أمنه الشخصي والنفسي والعائلي ويؤثر على شخصيته وسلوكه، ولكنه في الجانب الآخر يرى أن كثرة الاعتقالات صنعت شخصية صلبة لنديم قادرة على الصمود والتحدي أكثر.
اقرأ أيضا: مختص قانوني: الاحتلال يستخدم القوانين لقمع أهل القدس
ويضيف:" نحن كأهل نرى أن أبناءنا مظلومين وليس من حق الاحتلال أن يفرض عقوبات عليهم أو أن يقيد حرياتهم ليلا أو نهارا، وليس من حقه كذلك أن يستهدفهم، فطالما أنه يدّعي وجود قانون لديه فليرنا إياه ولن يستطيع ذلك لأنه شكلي، والحكاية أنه احتلال يريد قمع الناس بطرق مختلفة، ورسالتنا أن الأمر في غاية الخطورة ولا يجب السكوت عنه؛ بل التصدي له بالوسائل القانونية والإعلامية والشعبية حتى لا نستسلم ولا نخضع لأمر واقع يريدون فرضه علينا".
وتتعرض بلدة العيسوية كما غيرها من البلدات المقدسية لسياسات تضييق ينفذها الاحتلال وأجهزته الأمنية، ولكن ظاهرة العقاب الجماعي تُمارس على أهلها بشكل موسع ومركز منذ أكثر من تسعة أشهر، حيث ارتفع خلالها عدد المعتقلين ومعدل الانتهاكات ليصل إلى مستوى غير مسبوق.
ويقول عضو لجنة الدفاع عن البلدة محمد أبو الحمص لـ"عربي21" إن الاحتلال يسعى من تطبيق الحبس المنزلي الليلي أو فرض حظر التجول في العيسوية ليلا إلى البدء بسياسة عامة في القدس؛ ولكنه يريد تجربة ذلك على عدد من الشبان كي تتحول بعدها إلى سياسة أمر واقع.
ويوضح بأن البلدة تعاني منذ أشهر تحت العقاب الجماعي الإسرائيلي ولكن يبدو أن قوات الاحتلال وصلت إلى طريق مسدود في محاولة تركيع أهلها فقام بمحاولة فرض هذه السياسة، حسب قوله.
ويضيف: "قامت شرطة الاحتلال باعتقال مواطنين للضغط عليهم من أجل أبنائهم وأحدهم مريض ينتظر عملية زراعة رئة، فكل هذا نراه إفلاسا من الاحتلال الذي بات يستخدم قوانين كانت في عهد الانتداب البريطاني، حيث اعتقل خلال هذه الأشهر أكثر من 650 شابا وأصاب أكثر من 180 مواطنا بينهم أطفال والتنكيل مستمر ومخالفات المرور التعسفية متواصلة".
ويؤكد أبو الحمص أن كل هذه الممارسات هي دليل إفلاس الهدف منها الاعتقال والتضييق فقط، معتبرا أنها تندرج كذلك تحت ظل الدعاية الانتخابية التي يتم التحضير لها إسرائيليا فيكون الفلسطيني هو وقودها.
عائلات فلسطينية تسكن الكهوف هربا من بطش الاحتلال
2019.. عام الحرب على الصحفيين والمحتوى الفلسطيني
"منع الترخيص" يحوّل حياة المقدسيين إلى حرب للبقاء (شاهد)