وسط غياب الرؤية الحقيقة، وتنازع الوضع السياسي الداخلي في السودان، والتأثيرات الخارجية التي تحاول أن تفرض، تقف الخرطوم حائرة أمام ما يجري في الجارة ليبيا.
ولكن لم يعد أمام البلد الذي يعيش مرحلة انتقالية منذ عزل الرئيس عمر البشير 11 نيسان/ أبريل الماضي، سوى انتهاج سياسة متوازنة مع جارته الشمالية ليبيا والوقوف مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
وقبل أن تشرق شمس العام الجديد، وضع رئيس المجلس السيادي الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال رأس السنة ملامح السياسة الخارجية لبلاده.
وبمناسبة الذكرى الرابعة والستين لاستقلال السودان، مطلع العام الجاري، شدد البرهان، في كلمة بالقصر الرئاسي في الخرطوم، على أن "السودان بموقعه وتاريخه ومساهماته جدير بأن يكون في طليعة القارة الأفريقية، ورائدا في المجتمع الإقليمي والدولي ببناء علاقات خارجية متوازنة، بما يحقق الاحترام والمنافع المتبادلة".
ولم تشذ وزارة الخارجية السودانية في 5 يناير/كانون الثاني الجاري عن موقف البرهان، بعد أن أصدرت بيانا حول الموقف، تجاه الأحداث في ليبيا، يتسق مع الإجماع العربي.
وشددت في بيان لها، على دعم استقرار الشقيقة ليبيا، والتزام السودان بالقرارات الصادرة بشأنها كافة عن الجامعة العربية والأمم المتحدة.
وذكرت الخارجية السودانية أنها لاحظت تداول عن موقف السودان في الاجتماع الطارئ للجامعة الدول العربية على مستوى المندوبين 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عرضا للموقف على نحو لا يتفق مع مضمونه المتسق مع سياسة الخرطوم الخارجية المعلنة، ولا يتوافق مع التعبير الذي تم عن الموقف في الاجتماع المعني.
اقرأ أيضا: قبل تدخل تركي عسكري.. هكذا يتوزع النفوذ بليبيا ميدانيا (خريطة)
وأشار بيان الخارجية السودانية، إلى أن الخرطوم جدَّدت دعمها لاستقرار الشقيقة ليبيا، والتزامها بالقرارات الصادرة بشأنها كافة عن الجامعة العربية والأمم المتحدة.
السودان يدعم حكومة الوفاق
وفي اليوم الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، تقدمت الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، بالشكر لكل من قطر والسودان ودول المغرب العربي، على خلفية مواقفها باجتماع الجامعة العربية.
ولم تقدم الحكومة تفاصيل أكثر عن ذلك الدعم، ومن المعروف أن دول المغرب العربي تضم بجانب ليبيا: تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وقال سفير السودان السابق في مصر والجامعة العربية عبدالمحمود عبدالحليم، للأناضول: "السودان التزم بالاعتراف بحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، ونأى عن التدخل في شؤونها الداخلية".
لكن السودان الذي يمر بأوضاع اقتصادية صعبة، يمر بتجربة امتحان حول مدى صمود سياساته الخارجية المتوازنة، مع تجاذب المحاور الخارجية ومحاولة دول خليجية في التأثير عليه.
وينازع خليفة حفتر الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط، ويشن منذ 4 أبريل/ نيسان الماضي هجوما متعثرا للسيطرة على طرابلس (غرب)، مقر الحكومة.
السودان والتدخل العسكري
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نفى الجيش السوداني إرسال ألف جندي من قوات "الدعم السريع" (تتبع الجيش) إلى ليبيا، لدعم قوات الشرق، بقيادة حفتر، في مواجهة حكومة الوفاق.
وذكرت قناة "الجزيرة" القطرية أن نسخة حصلت عليها من تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، أفاد بأن السودان أرسل يوليو/ تموز الماضي، ألف جندي إلى ليبيا، دعما لحفتر.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد عامر محمد الحسن، لفضائية "طيبة"، إن "هذه الدعاوى تأتي في إطار الكيد الممنهج للمؤسسات القومية".
وحول رؤية السودان بخصوص ما يجري في ليبيا والانقسام بشأن المواقف ما بين المكون المدني والعسكري في هياكل الحكم الانتقالية، قال الكاتب الصحفي والدبلوماسي السابق بالسفارة السودانية بطرابلس فتح الرحمن النحاس، للأناضول: "ليس هنالك انقسام، ثمة غياب للرؤية الحقيقة وتنازع الوضع السياسي الداخلي في السودان والتأثيرات الخارجية، التي تحاول أن تفرض مواقف على الخرطوم بخصوص ليبيا".
وأضاف: "أمن السودان من أمن ليبيا، وهو تكاملي، وهذا شيء طبيعي، ما يحدث في ليبيا يؤثر على السودان سلبا".
وفي 26 أيلول/سبتمبر الماضي، وجه مجلس السيادة بإغلاق الحدود بين السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى لأسباب أمنية.
لكن الكاتب الصحفي والمحلل السوداني المختص بشؤون دول الجوار محمد حامد جمعة قال للأناضول: "هناك مشكلة تواجه الحكومة الانتقالية بالسودان، من خلال وضع استراتيجية لمحددات الأمن القومي في التعامل مع دول الجوار، ومن بينها ليبيا".
عمليات عودة طوعية
وتابع النحاس: "ليبيا تضم أعدادا كبيرة من السودانيين يقعون في دائرة الخطر الأمني لما يجري من أحداث في ليبيا".
وفي اليوم العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، استدعت الخارجية السودانية القائم بأعمال سفارة ليبيا بالخرطوم على خلفية مقتل سودانيات بمدينة بنغازي على أيدي عصابات إجرامية.
وبدأت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أولى رحلات العودة الطوعية التي أطلقتها سفارة السودان بطرابلس، بالتعاون مع مكتب منظمة الهجرة الدولية لإجلاء السودانيين العالقين في مناطق الاشتباكات جنوب العاصمة الليبية.
اقرأ أيضا: تقارب الوفاق الليبية مع الخرطوم.. ماذا عن المرتزقة السودانيين؟
ويرى النحاس أن دور السودان في استقرار جارته الشمالية وحل الأزمة السياسية في ليبيا، يأتي في إطار الشرعية المتفق عليها.
ورأى جمعة أن "الموقف الرسمي للسودان صحيح دبلوماسيا، من خلال الاعتراف بالشرعية والحكومة المعترف بها دوليا".
لكنه نبه إلى مخاوف داخل دائرة صناعة القرار السوداني، من خلال تطورات الأوضاع في ليبيا على حساب موقف الخرطوم وخسارتها لذلك.
غياب السودان عن اجتماع القاهرة
وغاب السودان عن اجتماع استضافته القاهرة، قبل يومين، لوزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص الرومية، لبحث تطورات الأزمة الليبية.
وعقد وزير الخارجية المصري سامح شكري، اجتماعا تنسيقيا مع نظرائه من فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص الرومية، لبحث سُبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول أوجه الأزمة الليبية كافة.
وأضاف جمعة، الذي يرأس تحرير مركز إعلامي مقرب من الدوائر الرسمية: نتيجة الظروف التي يمر بها السودان بعد التغيير "لم تضع الحكومة رؤية واضحة حول العلاقات الخارجية، ورثوا – النظام الجديد- صراعا إقليميا بحدود السودان مع جيرانه وسكتوا عنها، ليس لديهم خطة سياسية ودبلوماسية للتعامل مع هذه الأزمات الإقليمية".
لكن النحاس قال: "بعض الدول والجهات – لم يسمها – تحاول خلق واقع معين في ليبيا والتدخلات الخارجية ذات مصلحة".
وأشار: "كل التدخلات الخارجية في ليبيا تمثل خطأ استراتيجيا، ولها عواقب وخيمة وتزيد من المشكلة".
وأوضح النحاس أن الوضع السياسي بالخرطوم هش، ودعا المكونين العسكري والمدني إلى وضع رؤية مشتركة للتعامل مع الملف الليبي، والوقوف مع الشرعية المعترف بها دوليا
تقارب الوفاق الليبية مع الخرطوم.. ماذا عن المرتزقة السودانيين؟
هل يسلم المجلس السيادي البشير للجنائية الدولية؟
ضغط إيراني لاختيار أحد هؤلاء المرشحين لرئاسة الحكومة بالعراق