لم يعد الخبرُ مجردَ إشاعاتٍ لم تثبت صحّتُها بعد، أو محضَ تأويلٍ وتخمين كما كان في بداية نشوئه، وذلك رغم النفي القاطع الذي جاء على لسان وزير الدفاع في حكومة المعارضة السورية اللواء سليم إدريس، الذي صرّح بأنّ كل الأنباء التي تفيد بإرسال مقاتلي الجيش الوطني السوري إلى
ليبيا هي غير صحيحة على الإطلاق، وذلك بعكس ما تداولته عدة صحف عالمية، وفي مقدمتها صحيفة الغارديان التي نوّهت بوصول ما يقارب ألفي مقاتل سوري إلى ليبيا، لدعم رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من روسيا والإمارات ومصر.
وبين نقيضَي النفي والإثبات، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي عدة فيديوهات تثبت وصول
مقاتلين سوريين إلى ليبيا، ما لا يدع مجالا للشك على الإطلاق، وهذه الخطوة لها عدة مآلات وعواقب على المعارضة السورية، من أبرزها:
أولاً: لا يختلف عاقلان على أنّ هذا الاشتباك الناري من شأنه أن يشعل فتيل الصراع والفتنة بين شعبين شقيقين لم يسبق وأن اختلفا مع بعضهما، بسبب الجغرافية البعيدة، وربما يمتد هذا الخلاف في عمق التاريخ، وعندها سوف تحتاج هذه الهوة الكثير من الوقت للردم والتخلص من أعباء هذا الاقتتال، تماماً كما حصل بين العرب والأكراد في شمال
سوريا. فالخلاف هناك على أشدّه، واحتمالات الوصول إلى حلول سلمية جَدّ ضئيلة، بل تكاد تكون معدومة، لهذا يُخشَى على النسيج السوري الليبي أن تُحَلّ عُراه، ويمسي الشعبان الشقيقان خَصمَين لَدُودَين في معركةٍ لا منتصرَ فيها، لأن المنتصر فيها مهزوم..
ثانياً: هذه الخطوة الخطيرة تجعل الكثيرين يتساءلون: كيف يتم إرسال المقاتلين السوريين إلى ليبيا رغم كل المسافات الفاصلة بين البلدين، في حين أنّ الحرب السورية لم تنتهِ بعد، ومجريات الأحداث العسكرية في سوريا لم تصب في صالح المعارضة على الإطلاق، وإدلب على بُعدِ أمتارٍ من الحدود التركية السورية، بل إنّ الهجوم على إدلب شمال سوريا بدأ يلوح في الأفق، فكيف يترك السوريون أرضهم ومعركتهم الحقيقية وينتقلون إلى معركةٍ ليست بمعركتهم، وأرضاً ليست بأرضهم، ليجدوا أنفسهم في ملحمة هم بغنى عنها في ضوء الخسائر المتلاحقة التي مُنوا بها، والتي أدت إلى خسارتهم مساحات واسعة من سوريا، فهل أنجز الجيش الوطني السوري كامل مهمته في أرضه، لينفّذَ مهمات أخرى خارج حدود الوطن؟ أم أنه قد أدّى مهمته بنجاح في الوطن السوري، ولديه الطاقات العسكرية الإضافية كي يفرّغها في مناصرة حكومة الوفاق الليبية؟
ثالثاً: إنّ إرسال المقاتلين السوريين إلى ليبيا يؤكد أنّ العلاقة بينهم وبين الحكومة التركية ليست علاقة دعم، أو صداقة، بل هي تبعية مطلقة، وهذا ما لا يرتضيه الشعب السوري، رغم استضافة
تركيا لملايين اللاجئين السوريين ودعمها المطلق للمعارضة السورية منذ بداية الحراك، وهذا الأمر لا يصب في صالح المعارضة طالما أن الإعلام بدأ يسلط الضوء على هذه القضية بشكل ملحوظ، وبدأت المعارضة السورية تُقدَّم على أنها تابع مطيع لتركيا، يتم سوقها إلى المعارك التي تخدم المصالح التركية حتى لو كان ذلك خارج حدود المنطقة، ويتم إغراؤها بالمال لتحقيق تلك المآرب، لأن التقارير التي تطرقت إلى هذه المسألة أكدت أن المقاتل السوري يتلقى ألفي دولار شهرياً لقاء ذهابه إلى ليبيا للقتال هناك، أضف إلى ذلك أن رئيس حكومة الوفاق فائز السراج لم ينفِ هذا الخبر خلال لقاء صحفي في العاصمة الألمانية برلين، وذلك عندما سُؤلَ عن هذه النقطة بالتحديد فقال بأن حكومته لا تتردد في التعاون مع أي طرف يريد صد العداء الذي ينفذه مقاتلو خليفة حفتر، في إشارة إلى وصول مقاتلين سوريين إلى ليبيا.
رابعاً: هذه القضية سوف تُضعِف المعارضة السورية دولياً، وتنزع عنها مزيد من الحلفاء والداعمين، وسوف تجد نفسها في عزلة مفاجئة، لا سيما من الدول التي لا تروق لها التصرفات التركية في الإقليم. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وخلال كلمته في مؤتمر السلام حول ليبيا في برلين، كان قد طالبَ بضرورة وقف إرسال المقاتلين السوريين إلى ليبيا، كما عبّر عن قلق بلاده إزاء هذه الخطوة، وبالتالي إذا استمر هذا التدفق السوري إلى ليبيا، فإنّ ذلك من شأنه أن يؤثر على ميزان العلاقات الخارجية الذي يربط المعارضة السورية ببعض الدول الداعمة لها، لأنّ المقاتل أياً تكن جنسيته، عندما يستخدم سلاحه خارج حدود قضيّته، فإنّ هذا السلاح يصبح سلاحاً مُستأجَراً لصالح أجندات خارجية..
هذا وقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بوصول 17 مقاتلاً سوريّاً إلى إيطاليا عن طريق ليبيا. ونقل المرصد عن ذوي وأقارب هذه المجموعة أن هؤلاء عمدوا منذ البداية إلى اتخاذ هذا الطريق جسراً للعبور إلى إيطاليا، فما أن وصلوا إلى هناك حتى تخلوا عن سلاحهم وتوجهوا إلى إيطاليا، كما أن قسما منهم توجه إلى الجزائر على أن تكون بوابة الخروج إلى أوروبا. لذلك هناك مخاوف من أن تصبح ليبيا جسراً للعبور إلى أوروبا من خلال هذه الطريقة، كما أنّ بعض المواقع عبّرت عن قلقها من أن يُحاكَم هؤلاء في أوروبا، لأن غالبية الدول الأوروبية لا تمنح حق الإقامة لمن حمل السلاح لصالح أي طرف، بل وتحاكمه في كثير من الأحيان..
فهل سينتهي مشوار المعارضة السورية بعد تسع سنوات بهذه الخاتمة التي لا تُحسَد عليها؟