نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده ستيفن لي مايرز، يتحدث فيه عن انتشار فيروس كورونا القاتل من مدينة ووهان إلى مناطق أخرى من الصين والعالم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الباحثين العلميين ربطوا بين انتشار فيروس كورونا القاتل من مدينة ووهان إلى مناطق أخرى من الصين والعالم ببيع الحيوانات البرية في الأسواق التي قالوا إنها بمثابة الحاضنة للأمراض الجديدة.
ويقول مايرز إن السوق العادية في الصين تحتوي على محلات لبيع الخضراوات والفواكه ولحم البقر والخنزير والخرفان والدجاج منتوف الريش والسلطعون الحي والسمك الذي يسبح في الصهاريج، مشيرا إلى أنه في بعض الأسواق تباع أشياء أخرى، مثل الثعابين والسلاحف وسيكادا والخنازير البرية وجرذان الخيزران والغرير والقنافذ، فيما تبيع أسواق أخرى حيوانات مفترسة، مثل القطط الآسيوية والذئاب الصغيرة.
وتفيد الصحيفة بأن الأسواق هي أهم مظهر للحياة في المدن الصينية، وأصبحت للمرة الثانية منذ عقدين مصدرا لوباء أثار الخوف، وأتعب بيروقراطية الحزب الشيوعي، وكشف عن المخاطر الوبائية التي يمكن أن تنتشر من الأماكن التي تمتزج فيها الحياة البرية مع البشر.
ويلفت التقرير إلى أن فيروس كورونا الجديد قتل 56 شخصا على الأقل، وظهرت حالات مرض بين 1370 صينيا حول العالم، مشيرا إلى أن مصدر هذه الحالات كانت واحدة من هذه الأسواق، وهي أسواق تجارة الجملة في ووهان في وسط الصين، حيث يبيع التجار الحيوانات الحية بطريقة قانونية في حارات متقاربة مع الآخرين.
وينقل الكاتب عن عالم الأحياء ونائب رئيس البحث في "إيكوهيلث ألايانس"، وهي منظمة غير ربحية تابعت انتشار الأوبئة، كيفن جي أوليفال، قوله: "هنا تشاهد ظهور أمراض جديدة لم تمر على الناس من قبل".
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم عدم تحديد الأسباب ومسار المرض، إلا أن المسؤولين الحكوميين والباحثين العلميين يرون أن الطبيعة المعدية تتشابه بقدر عال مع انتشار وباء سارز، أو أعراض ضيق التنفس الحاد الذي ظهر عام 2002، وقتل 800 شخص، وأصاب آلافا حول العالم.
وينوه التقرير إلى أن الحكومة الصينية تحاول اليوم احتواء الغضب الشعبي حول انتشار الوباء، وتواجه مطالب متزايدة لتنظيم مبيعات الحيوانات المفترسة والبرية، وتساؤلات أخرى حول عدم تغير الوضع منذ 17 عاما بعد اندلاع وباء سارز.
ويذكر مايرز أنه تم تتبع مصدر هذا المرض إلى فيروس كورونا الذي انتقل من خفافيش إلى قطط آسيوية (بالم سيفتز) التي يقبل الناس على أكلها في جنوب الصين، ومن ثم إلى البشر الذين يتاجرون بالحيوانات البرية والمفترسة، مشيرا إلى أنه بحسب المسؤولين فقد انطلق هذا الفيروس الجديد من الخفافيش، لحيوان من فئة الثدييات لم تحدد بعد هويته.
وتفيد الصحيفة بأن انتشار الوباء الجديد أدى إلى دعوات من داخل الصين وخارجها لتنظيم عمليات بيع هذه الحيوانات، بل إنهاء أشكال مغامرات المطابخ كلها، مشيرة إلى أن تقديم وجبات من السلاحف والخنازير شائع في المطاعم الصينية إلا أن لحوم القطط الآسيوية والثعابين والبنغول تنتشر في بعض الولايات الصينية، ويقبل الناس على تناولها من أجل إظهار الثروة وللإيمان بالمعتقدات الخرافية بمنافع لحوم الحيوانات البرية للصحة البشرية.
ويشير التقرير إلى أنه بعد تحديد سوق هونان لبيع الفواكه البحرية بالجملة في ووهان بصفته مصدرا للوباء في كانون الأول/ ديسمبر، فإن السلطات قامت بإغلاقه على الفور، إلا أنه من غير المعلوم ماذا حدث للحيوانات التي كانت معروضة للبيع فيه، مستدركة بأن السلطات لم تعلن سوى الأسبوع الماضي عن منع بيع الحيوانات البرية في كامل الولاية، وتبعتها ولايتا هينان ومنغوليا الداخلية، وفرضت السلطات فيهما حظرا على بيع هذه الحيوانات.
ويلفت مايرز إلى أن ثلاث وكالات وطنية أعلنت عن إجراءات صارمة ومنع نقل الحيوانات المرتبطة بفيروس كورونا على مستوى البلاد، وخصت الوكالات الغرير وجرذان الخيزران، التي كانت تباع في سوق ووهان.
وتنوه الصحيفة إلى أن التحركات الحكومية الواسعة جاءت بعد مشاعر السخط العامة على بيع الحيوانات الحية، مشيرة إلى أن حملة على منصات التواصل الاجتماعي تحت عنوان "هاشتاع ارفضوا لحوم الصيد"، جذبت إليها 45 مليون مشاهد.
ويورد التقرير نقلا عن مقدمة البرامج التلفزيونية في مدينة نانجينغ في جنوب الصين، جين سيشن، قولها: "تناول لحوم الصيد لن يشفي من العقم ولا يشفي من الأمراض.. لا يشفي أبدا من الأمراض، بل يجعلك وعائلتك والناس مرضى"، وأضافت أن من يتناول لحوم الحيوانات المفترسة هو مريض في عقله، و"يريد الظهور واستعراض ثروته".
ويشير الكاتب إلى أن 19 باحثا علميا صينيا دعوا الحكومة لعمل المزيد من أجل تنظيم هذه التجارة، وطلبوا من الناس التوقف عن أكل الحيوانات المفترسة، لافتا إلى أن جمعية حماية الحياة البرية في نيويورك دعت إلى حظر دولي على بيع الحيوانات البرية، خاصة في الأسواق الصينية، وأشارت إلى أن الوباء الجديد يثبت خطرها على الصحة.
وتنقل الصحيفة عن مدير الصحة في الجمعية كريستيان والتزر، قوله إن التنوع الكبير في الحيوانات البرية في هذه الأسواق، التي حبست في أقفاص، يجعلها مختبرا لعملية حضانة غير مقصودة تظهر من خلالها الفيروسات الجديدة التي تدخل الخلايا البشرية، من خلال اللعاب والدم والبراز، ويضيف أن كل حيوان هو رزمة لمسببات الأمراض.
ويستدرك التقرير بأن بعض المستهلكين الصينيين يرون أن هناك منافع طبية للحيوانات البرية، فيما اعتبر بعض المسؤولين هذه الحيوانات بديلا ومصدرا للبروتين والدخل، خاصة في المناطق الفقيرة، فذكر تقرير نشرته وكالة أنباء "جينهاو" أن تربية جرذان الخيزران تساعد على إخراج الناس من الفقر في قوانغشي، في جنوب البلاد.
ويلفت مايرز إلى أن المخاوف من اللحوم زادت في العام الماضي بعد انتشار حمى الخنزير الأفريقية، التي أدت إلى قتل 40% من الخنازير في البلاد، مشيرا إلى أنه تمت مقارنة إنتاج المواشي في البلاد بسوق بيع الحيوانات البرية التي يتم تفتيشها بدقة وتحديد مصادر المرض فيها بسهولة.
وتقول الصحيفة إن جزءا من المشكلة في تجارة الحيوانات البرية هو عدم وجود تنظيمات صارمة، رغم ما تحمله الحيوانات الحية من مخاطر على الصحة البشرية، خاصة في الأسواق التي تنتشر فيها القذارة.
ويورد التقرير عن والتزر، قوله إن المشكلة في بيع بعض الحيوانات بطريقة قانونية هو الخط الغامض بين الحيوانات التي يتم تربيتها في مزارع وتلك التي يتم صيدها في البرية، التي عاشت مع الفيروسات لفترة طويلة ودون أي تواصل مع البشر، وأضاف: "إنها خطر على الصحة العامة، ليس فقط في الصين، ولكن في كل مكان".
وينوه الكاتب إلى أنه بعد انتشار وباء سارز قامت السلطات عام 2003 بمنع بيع القطط الآسيوية، وقتلت المتوفر منها في السوق، لكن الحظر انتهى بعد أشهر وعادت التجارة إلى ما كانت عليه.
وتنقل الصحيفة عن رئيس منظمة العاصمة للرفق بالحيوانات في بكين، قين جياونا، قوله إن التجارة "تدفعها المصالح"، وهناك كثيرون يتربحون من تجارة الحيوانات البرية.
وبحسب التقرير، فإن السلطات الصينية منعت التجارة بالحيوانات المهددة بخطر الانقراض مثل بانغولين، إلا أن الإدارة الوطنية الصينية للغابات والمناطق الخضراء تسمح للسكان بتربية 54 نوعا من الحيوانات والطيور والحشرات والزواحف، بما فيها فطر المسك والسنجاب والنعام والإيموس وأم أربع وأربعين.
ويبين مايرز أن الغرير الصغير يباع في موقع "تاوباو"، الذي يبيع أنواع الحيوانات البرية كلها عبر الإنترنت، بـ187 دولارا، مشيرا إلى أن السلطات في ووهان لم تقدم أسماء الحيوانات التي تباع في أسواقها، إلا أن ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي نشروا قوائم للحيوانات.
وتورد الصحيفة نقلا عن مدونة على "ويتشات"، قولها إن السلطات الصحية في ووهان قامت بزيارة السوق في أيلول/ سبتمبر 2019، وقام المفتشون الصحيون بتفتيش سبعة محلات تبيع الضفادع والثعابين والقنافذ، لديها كلها رخص لبيع الحيوانات البرية، ولم يتم توجيه أي مخالفات صحية.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم الحظر على بيع هذه الحيوانات بعد انتشار الوباء، إلا أن قناة "أي – كيبل نيوز" في هونغ كونغ وجدت أن عددا من الحيوانات لا تزال تباع في سوق كينغ يوان في ولاية غوانغ دونغ، وهي الولاية التي نشأ منها فيروس سارز.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
مجلة: لهذه الأسباب تمول الإمارات الحرب في ليبيا
صحيفة: هذا ما تخطط له روسيا في المنطقة خلال 2020
الغارديان: هذه المخاطر الكبرى التي تهدد مستقبل الإنترنت