أرجع عدد من الخبراء المخاوف الراهنة بتحول مصر إلى بؤرة لتفشي فيروس كورونا، إلى غياب الشفافية والمصداقية، وسوء الإدارة، والتعاطي مع الأزمة بطرق تقليدية وبطيئة جدا، إلى جانب انهيار البنية التحتية بوزارة الصحة، وسوء أوضاع المستشفيات بشكل عام.
وحمّل الخبراء في حديثهم لـ"عربي21"
المسؤولية إلى نظام السيسي، وخبراته "الفاشلة" في أزمات سابقة، إضافة إلى
خداع المؤسسات الدولية في ملفات عدة، مثل أعداد المعتقلين والمصابين مؤخرا بفيروس
كورونا المستجد، وهو ما ينذر بكارثة خاصة داخل السجون.
وعبّرت شخصيات ومؤسسات عدة عن مخاوفها الشديدة من
الأوضاع الحالية بمصر، وما قد ينتج عنها من كارثة حقيقية خلال الفترة المقبلة، وهو
ما أكده السفير الفرنسي بالقاهرة، حينما قال إن "مصر ستشهد وضعا صعبا خلال
الأسابيع المقبلة، على خلفية انتشار فيروس كورونا".
وخاطب السفير الرعايا الفرنسيين في القاهرة، وطالبهم
بالاستعداد، قائلا: "مصر ستواجه عزلة على غرار بقية دول العالم مع تفشي
كورونا"، وهو ما حاولت السفارة الفرنسية التخفيف من حدة هذه التصريحات في وقت
لاحق.
اقرأ أيضا: وفاة لواء مصري بكورونا.. ودول عربية تستنفر لكبح تفشي المرض
وفي الإطار ذاته، قام ناشطون عبر مواقع التواصل
الاجتماعي بنشر روابط باللغة الألمانية والإنجليزية، تقول إن هيئة ألمانية مختصة
بالأوبئة، أعلنت أن "مصر منطقة بالغة الخطورة بسبب كورونا".
وقالت دراسة طبية كندية نشرتها صحيفة "غارديان"
البريطانية مؤخرا؛ وأثارت جدلا كبيرا، إن "عدد المصابين بفيروس كورونا في مصر
هو على الأرجح أعلى بكثير مما أعلنته السلطات الرسمية"، وقدرت أن عدد المصابين
بالفيروس في مصر قد يبلغ 19 ألفا وفقا لبيانات رسمية عن حركة السفر، ومعدل المصابين
الذين غادروا مصر في الأيام الأخيرة.
وحسب الدراسة الكندية، فإن 97 أجنبيا ممن زاروا مصر منذ
منتصف شباط/ فبراير الماضي ظهرت عليهم أعراض الفيروس، أو أثبتت التحاليل المختبرية
إصابتهم به، ومعظم هؤلاء السياح قضوا بعض الوقت على متن بواخر في نهر النيل، يعتقد
أنها هي مصدر انتشار الفيروس في مدينة الأقصر السياحية جنوبي مصر.
ولكن مصدرا مسؤولا بوزارة الصحة نفى في تصريحات لصحف محلية
نفيا قاطعا أرقام الإصابات بفيروس "كورونا" في مصر والتي أوردتها صحيفتا
غارديان ونيويورك تايمز، مشددا على أن القاهرة ليس لديها ما تخفيه.
غياب الشفافية
وفي سياق تعليقه على هذا الأمر، قال الباحث بالمركز المصري للدراسات مصطفى إبراهيم إن "الشكوك
والمخاوف بشأن مصر حول التعامل مع فيروس كورونا؛ ينبع من غياب الشفافية وعدم مصداقية النظام الحاكم في
مصر حاليا، وكذبه على المجتمع الدولي كثيرا فيما يخص الأرقام الحقيقية للمصابين بالوباء
أو تعامل النظام معه".
وتابع إبراهيم في حديثه لـ"عربي21":
"بالإضافة إلى كذب تلك الإدارة حول حقوق الإنسان والحريات السياسية؛ وكذلك أوضاع
السجون والمعتقلات والتعامل مع المعارضين السياسيين؛ وهو ما دعا العالم لفقدان الثقة
في ذلك النظام الحاكم الذي اعتاد الكذب ومخالفة الحقائق الواضحة للعيان"، وفق
قوله.
وأشار إلى أن هناك أسبابا عديدة تدعو العالم الغربي
للتنبؤ، بأن تكون مصر بؤرة لفيروس كوفيد19؛ منها أن المرحلة الزمنية لدخول الفيروس
إلى مصر وصلت للأسبوع الثالث، الذي تزداد فيه معدلات الإصابة وأعداد المصابين، يضاف
إليها انتشار حالة الفقر التي زادت بشدة في عهد السيسي وغياب التوعية الصحية.
وأردف: "كذلك نقص الإمكانات الصحية وانهيار البنية
التحتية للمستشفيات الحكومية والجامعية، نتيجة انخفاض معدلات الإنفاق على الجانب الصحي،
وتركيز اهتمام النظام الحالي للجانب الأكبر من الميزانية للقطاع العسكري والأمني والمشروعات
الوهمية التي تصفها السلطة الحالية بالقومية"، مؤكدا أن كل ما سبق يدعو العالم
للخوف من انفجار وبائي مخيف بالنسبة لفيروس كورونا، وخروج الوضع عن السيطرة في مصر.
اقرأ أيضا: كورونا يواصل الزحف.. وإجراءات دولية للحد من انتشاره
وشدد على أن "إهمال السيسي ونظامه للشعب المصري
وعدم إنفاقه على الخدمات بالشكل الكافي، بالمخالفة لكل المعدلات المتعارف عليها، وحتى
المنصوص عليها في الدستور، الذي تنص المادة 18 منه على أن لا يقل الإنفاق على قطاع
الصحة عن 3 بالمئة من ميزانية الدولة".
وأكد أن هذا "ما لم يحدث على أرض الواقع، فتحايل
نظام السيسي على ذلك بأن أدرج الإنفاق على المستشفيات العسكرية والشرطية ضمن منظومة
الصحة، بالمخالفة لما هو متبع في العالم أجمع؛ وبالمخالفة لما كان متبعا في مصر قبل
ذلك؛ لخضوع تلك المستشفيات العسكرية والشرطية لميزانية خاصة بها وتخدم قطاعاتها والعاملين
بها فقط وهم رجال الجيش ووزارة الداخلية".
وشكك الباحث بالمعهد المصري في الميزانية الخاصة التي
أعلن السيسي عن تخصيصها لمواجهة فيروس كورونا والبالغة مليار جنيه، واصفا إياها بالحلقة
الجديدة في أكاذيب السيسي التي لا تتوقف، مستدلا بإنكار النظام الحالي بمصر لوجود فيروس
كورونا، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تخصيص ميزانية ضخمة لمكافحة المرض بلغت
ثمانية مليارات دولار.
وذكر أنه بعدها بساعات أعلنت وزير صحة النظام عن وجود
الفيروس في مصر، وأعقب ذلك إعلان نظام السيسي عن تخصيص مئة مليار جنيه، لمواجهة جائحة
الفيروس، لكي يحصل على نصيبه في "كعكة" منظمة الصحة العالمية.
واختتم إبراهيم حديثه بوجود سلبيات بيئية ومجتمعية،
ما يدعو العالم أيضا للخوف من أن تصبح مصر بؤرة للوباء، منها تدني مستوى المنظومة البيئية
في مصر حاليا، وكذلك وجود عادات وتقاليد لتجمعات كبيرة في المناسبات الدينية والموالد
والأضرحة مثلما حدث من تجمعات أمام مسجد السيدة زينب مؤخرا؛ رغم التحذيرات العديدة
بتجنب التجمعات، فضلا عن وجود عادات سيئة مثل إدمان الجلوس على المقاهي، والتجول والتسوق
من المولات المزدحمة.
"التعاطي الغبي"
ومن جانبه قال رئيس حزب البديل الحضاري وعضو المجلس الثوري
أحمد عبد الجواد؛ إنه بعيدا عن تصريحات السفير الفرنسي أو ما أوردته بعض الصحف والمواقع،
للأسف الشديد فإن تعاطي النظام المصري منذ بداية ظهور فيروس كورونا يمكن توصيفه بـ"الغبي"؛
حيث أن الدولة بكافة مؤسساتها لم تعط الاهتمام الكافي باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة
في مثل هكذا حالات.
وأوضح عبد الجواد في حديثه لـ"عربي21" أن
"أجهزة الإعلام ذهبت وبإيعاز من الدولة، إلى الاهتمام بما يدور من تداعيات وتطورات
الوباء، وكأن مصر في منأى عن أن تطالها هذه الجائحة العابرة للقارات والحدود؛ رغم علم
الجميع بمدى هشاشة وضعف النظام الصحي في مصر من حيث المستشفيات والمختبرات".
وتابع: "عندما بدأ التعاطي ببعض الجدية نجد أن تصريحات
المسؤولين يغلب عليها طابع الدعاية؛ وهو ما عكسته تصريحات وزيرة الصحة لتحمل الناس وزر
تفشي تلك الجائحة"، معتبرا أن "كل هذا يؤكد أننا أمام مهرجين لا مسؤولين،
وأيضا لم نسمع في البرلمان عن تقديم استجوابات أو طلبات إحاطة لمعرفة استعدادات الدولة
لمجابهة الوباء".
اقرأ أيضا: منظمات حقوقية تحمّل السيسي مسؤولية تفشي كورونا بمصر
وأردف: "التوقعات بأن مصر قد تكون بؤرة جديدة للفيروس
لم تأت من فراغ؛ فالنظام المصري الحالي معروف عنه أنه لا يتسم بأدنى شفافية ولا صوت
يعلو فوق مؤسسة الرئاسة؛ التي لم يخرج منها حتى الآن أي تصريحات حول تطورات انتشار
كورونا".
وعن معالجة المسؤولين للأزمة تساءل قائلا: "عن أي
مسؤولين نتحدث؟ هم جميعا ينتظرون ما يأتي إليهم من تعليمات، والقول بأن مصر تعاني من
أزمة اقتصادية فهذا قول باطل؛ فحجم المنح والقروض والهبات التي حصل عليها السيسي التي
لامست مئة مليار دولار؛ كافية لبناء منظومة اقتصادية قادرة على مواجهة هكذا أزمات،
إلا إذا كانت هذه الأموال ذهبت لأماكن أخرى غير موازنة الدولة وهو ما حدث بالفعل"،
وفق تقديره.
وأكد أن مصر أمام خطر محدق قد يؤدي لكوارث عديدة، إذا
ظل التعاطي مع الوباء بهذه الطريقة.
السجون هي الخطر
أما رئيس مركز "تكامل مصر" للدراسات مصطفى
خضري فقال إن "ما يثير المخاوف بشأن مصر حول التعامل مع الفيروس؛ أن هناك مشكلة
كبرى تواجه المجتمع المصري في تلك الأزمة وهي السجون، فنظام السيسي ربما يكون راغبا
في التخلص من المعتقلين الإسلاميين تحديدا بترك السجون ليتفشى بها هذا الفيروس القاتل".
ولفت خضري في حديثه لـ"عربي21" إلى أن
النظام بدأ فعلا في الإفراج عن معتقلي التيارات المدنية حتى لا يتعرض للوم المؤسسات
الدولية التي تدعمهم، أما أبناء التيار الإسلامي فسوف يتركهم لمصيرهم الغامض في ظل
تردي حالة تلك السجون وانعدام الخدمات الطبية بها ومنع الزيارة عن المعتقلين، ومنع
أهاليهم من إدخال مستلزمات النظافة والتطهير.
وحذر أنه في حال استمر هذا الوضع دون تدخل عقلاء مؤسسات
الدولة أو أي طرف خارجي؛ فسوف تكون السجون هي الخطر ونقطة تفشي لفيروس كورونا وسيحدث
ما لا يتمناه أحد.
وتابع: "النظام المصري يفتقد للخبرة اللازمة في
التعامل مع الأزمات، فخلال 8 سنوات استعان النظام بكوادر من أهل الثقة على حساب أهل
الخبرة؛ وهو ما سيكون عائقا أمامه في التعامل مع أي أزمة حالية أو مستقبلية".
واعتبر الأزمة الاقتصادية وضعف الإمكانيات الأزمة الحقيقية؛
حيث هناك أكثر من 40 بالمئة من المجتمع يعيشون على الدخل اليومي وتطبيق اجراءات الحظر
الجزئي أو الكلي؛ ستمنع هؤلاء من تلبية احتياجات أسرهم، في الوقت الذي لن يلتفت فيه
النظام لمعاناة هؤلاء، فنظام السيسي سيتخذ فقط الإجراءات المجانية أو قليلة التكلفة
لذر الرماد، لكنه لن يقوم بالإجراءات الاقتصادية الحمائية المكلفة لدعم تلك الأسر المنكوبة
جراء الأزمة.
وفي المقابل، أكد على إمكانية تجاوز الأزمة من خلال بعض
الطرق إذا ما أحسن استغلالها سواء بالنظافة الشخصية المتعلقة بتدين الشعب المصري أو
التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المصري؛ وتوفير الخدمات التي تعجز عنها الحكومة
عن طريق التبرع أو التطوع؛ ايضا ارتفاع درجة الحرارة في الفترة المقبلة وحلوا فصل الصيف؛
فضلا عن كون المجتمع المصري مجتمعا شابا وهذا يحد من نسبة الإصابة لانتشارها بين كبار
السن.
تضليل وزارة الصحة
وحول غياب الشفافية وتضليل وزارة الصحة في الأرقام المعلنة،
قال أمين صندوق نقابة الصيادلة سابقا أحمد رامي الحوفي إن "هناك تضليل من وزارة
الصحة في الأرقام المعلنة"، ونشر على صفحته بالفيس بوك قائلا: "وصلني من
زميل صيدلي أن في تعليمات لوزارة الصحة للمستشفيات بعدم عمل أي تحليل إلا بإذن كتابي
من مدير المستشفى، حتى لو كان مخالط لحالة إيجابية عشان ميتعملش أكثر من عدد معين يوميا
ويظل الرقم وكذلك عدم حساب أي حالة وفاة ضمن وفيات كورونا إذا لم تخضع لحجر صحي"، بحسب تعبيره.
وأضاف: "الكلام ده معناه بوضوح - وبدون شك- أن الأعداد
المعلنة أقل بكثير من الحقيقي، فبرجاء الكل يتعامل بحذر ويأخد احتياطاته ولا يطمئن
للأرقام الرسمية المعلنة، لأن ممكن ناس يجيلها المرض وتموت ولا يتم احتسابهم أصلا(..)،
وفي ناس عندها المرض والوزارة محللتش ليهم أو رفضت التحليل وطلبت منهم يقعدوا في البيت
وخلاص.. وبجد شئ مقزز والله التحايل ده"، وفق قوله.
وللاطلاع على كامل الإحصائيات الأخيرة لفيروس كورونا عبر صفحتنا الخاصة اضغط هنا
كيف انفرط عقد مصابي "كورونا" بالجيش المصري إلى وفيات؟
الجيش المصري يستغل أزمة المطهرات أم يحلها؟
هكذا علّق صحفيون وحقوقيون على إغلاق مصر لـ"الغارديان"