يعيش العالم اليوم رعباً من وباء الكورونا، فيما يعيش الساسة حالة هلع من تداعياتها السياسية والاقتصادية، ما دفع العديدين من مناوئي الرأسمالية للاستبشار بنهايتها وبانهيار أنظمتها، التي أطلقت غرائز الناس وأطماعَهم لإشباع جوعهم وتلبية احتياجاتهم بشكل أناني حيواني شره، ما أفقد العالم سمته الإنساني، وصارت الحروب والأزمات الاقتصادية سمة العصر، وتحول العالم إلى سوق تعبث به قلة جشعة بمصالح الغالبية الساحقة بلا رحمة، بذريعة منطق السوق الحر الذي يخضع لمعادلة العرض والطلب، وبذريعة "دعها تمر ودعها تعمل" وأن البقاء للأفضل، لدرجة ذابت فيها القيم الإنسانية الرفيعة وتحول الإنسان نفسه إلى مجرد سلعة تنطبق عليه نفس معايير السوق.
لكن رغم كل ما جرته الرأسمالية من ويلات على البشرية، فإني أستبعد نهايتها ومشاهدة سقوط أنظمتها في هذه المرحلة للأسباب التالية:
1 ـ إنّ النظام الرأسمالي هو حجر الزاوية في تركيبة الدول والمجتمعات والعلاقات الدولية القائمة في العالم. بالتالي فإن الدفاع عن هذا النظام سيكون هائلاً، لعظم المصالح المتضررة في حال وقوعه.
2 ـ لا يوجد نظام مغاير للنظام الرأسمالي حاضراً في الميدان للحلول مكانه، وكل ما هو موجود عبارة عن أفكار، إما ثبت فشلها فشلاً ذريعاً كالاشتراكية من جهة، أو الإسلام الذي يوجد قرار دولي بمنع إيجاد أي كيان سياسي يمثله من جهة أخرى، فضلاً عن تحديات كبيرة أمام الذين يقدمونه كبديل نذكرها لاحقا. أما الصين وروسيا فإنهما تتعاملان مع الشؤون الدولية كسائر الدول الرأسمالية الأخرى. لذلك ينحصر الصراع الحالي فيما بين الدول الرأسمالية (مع بعضها) على مختلف أشكالها وليس بين الدول الرأسمالية وغيرها.
3 ـ إن الرأسمالية بطبيعتها فكرة براغماتية / عملية لأبعد مدى، لدرجة أنها تتغذى على الأزمات كما تتغذى بخيرات المستضعفين في هذا العالم في الأوضاع الطبيعية. ولا مانع لدى القائمين عليها أن يلبسوها ألف قناع يخفي بشاعتها وقت الحاجة، أو أن يرقعوها بما يناقضُها لضمان استمرارها.
هناك من يقارب نهاية الرأسمالية بما جرى مع الاشتراكية، التي سقطت بعد أن نفرت منها شعوبها ثم انقلبت عليها ولعنتها، لكني أجدها مقاربة في غير محلها، ليس لأن الرأسمالية أقل شرا من الاشتراكية، إنما لأن الاشتراكية نظرية جامدة غير قابلة للتطوير.
لا يمكن تصور بديل عملي في عالم اليوم بعيداً عن الإسلام، لإنه لا يوجد أحد لديه متطلبات طرح البديل العملي فعلياً سواه،
وكذلك لتوفر العناصر المادية لإمكان نجاحهم بتحقيق هذا، جراء وجودهم في قلب العالم على امتداد مساحة واسعة متواصلة جغرافياً وسكانياً، مع امتلاكهم مقدرات وأعداد بشرية كبيرة وثروات هائلة، يمكن توظيفها جميعاً في بناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي مميز يظهر عوار وفشل النظم الرأسمالية. إلا أن أمام إقامة هذا البديل تحديات كالجبال، منها النظام الدولي القائم، الذي يكبل أمة الإسلام، ويشلها عن الحركة الفاعلة، ومنها التشوهات التي ألحقت بالإسلام واعتباره "خطراً على الإنسانية" بوصفه "منبعاً للإرهاب"، ومنها غياب الوعي بالدرجة الكافية من قبل دعاة الإسلام على متطلبات المرحلة وعلى طبيعة العالم الذي نعيش فيه، ومنها تبني كثير من النخب المسلمة للفكر الرأسمالي بعد طلائه برتوش أخلاقية من تعاليم الإسلام (ما يفقده تميزه).
بالتالي فإن علينا كمسلمين التصدي لهذه التحديات والانتصار فيها، قبل أن نعلن جهوزية أمة الإسلام لتشكيل البديل العملي للرأسمالية وإعلان انهيارها ودفنها في مقبرة المبادئ البائدة.
كم بدا لنا العالم هشا.. كم بدا لنا العالم لاأخلاقيا
كورونا جعلت العالم يمشي بالمقلوب!
أَوبِئَةٌ وبِيئاتٌ وَبائِيَّة.. طَبيعيَّةٌ وبَشَرِيَّة