انخرط الأكاديمي السعودي عبد الله الحامد في قضية الإصلاح السياسي، لمواجهة الاستبداد المتفشي، فكرا وممارسة، ومتمسكا برؤيته الإصلاحية حتى وافته المنية بعد منتصف ليلة الخميس الماضي، في سجن الحائر بالعاصمة السعودية الرياض، بعد تعرضه لجلطة دماغية قبلها بأيام، دون إجراء العملية اللازمة لمعالجة حالته الحرجة.
ويُجمع الذين كتبوا عن الحامد أنه كان صاحب رؤية واضحة
المعالم، تتمثل في ضرورة إحداث التغيير السياسي، والإصلاح الدستوري في السعودية، باتجاه
إقرار الملكية الدستورية، والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، وقد قضى حياته منظرا ومدافعا
ومناضلا عن رؤيته الإصلاحية تلك، وهو ما عرضه لدخول السجن ست مرات، منذ انخراطه في
النشاطات الإصلاحية عام 1990 وما بعدها، وكان آخرها في شهر آذار/ مارس 2013، ليقضي
بعدها حكما بالسجن لمدة 11 سنة.
ويوصف الحامد بأنه مفكر عميق النظر، و"مناضل صلب
المراس"، لم تثنه كل الإجراءات القمعية التي مُورست ضده عن مواصلة مسيرته النضالية،
ومشاركته في كل المطالبات والفعاليات الإصلاحية التي قام بها إصلاحيون في السعودية،
وهو ما يُعد عملا رياديا في بيئة يندر وجود أصوات إصلاحية فيها، تتجرأ على انتقاد النظام
السياسي القائم علانية، وتطالب بإصلاحات دستورية، وتدعو إلى محاربة الظلم والفساد والاستبداد.
وألّف الحامد العديد من الإنتاجات الفكرية والأدبية،
توزعت على سبعة دواوين شعرية، وحوالي 15 كتابا، وعشرات المقالات، وأودع فيها
أفكاره الإصلاحية في موضوعات السياسة والقضاء والحريات وتفكيك الاستبداد، ومحاربة الفساد،
استنادا إلى مرجعية الشريعة الإسلامية، المتمثلة في الكتاب والسنة، وليس كما في التجربة
التاريخية وفق ما استقرت عليه الممارسة الإسلامية منذ العهد الأموي، ومرورا بالعهد
العباسي، من شيوع نسق الحكم الجبري، وشرعنة وترسيخ ولاية المتغلب.
يُعد الحامد حجر الزاوية في كل المشاريع الإصلاحية بعد
حرب الخليج الثانية عام 1991، ابتداء من خطاب المطالب، ثم تذكرة النصيحة، ثم لجنة الدفاع
عن الحقوق الشرعية، التي كان هو أحد أهم مؤسسيها كما يقول المعارض والناشط الحقوق السعودي،
سلطان العبدلي.
اقرأ أيضا: العودة: الحامد استطاع إزعاج منظومة الفساد في السعودية
ويشير العبدلي إلى أن الدكتور الحامد "كان من أوائل
المعتقلين، وقد دخل السجن لست مرات، وقد وطن نفسه على الاعتقال الدائم، وكان يعد السجن
بيته الثاني، وأخبره مرة أن فراشه جاهز في سيارته بصفة دائمة تحسبا للاعتقال في أي
وقت، وكان يرى أن السجن لا بد منه لمن يمشي في هذا الطريق، ويواصل السير في هذا الدرب".
ويضيف العبدلي في حديثه لـ"عربي21":
"كانت للمناضل الدكتور الحامد فلسفة في ذلك، حيث كان يرى أن الاعتقالات والسجون
جزء مهم في الجهد التراكمي لإنجاح العمل الإصلاحي، وهو يساهم في تعريف الناس بدعاة
الإصلاح بعد سجنهم، ليتعرفوا على مطالبهم، وربما إن كتبت لهم الشهادة في هذا السبيل
ما يكون سببا لدفع الناس للتعرف على أفكارهم ومشاريعهم الإصلاحية".
وأوضح العبدلي أن "الحامد كان ممن يدعون إلى الجهاد
السلمي، تأسيا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان
جائر" وقد كان صلبا وقويا في جهاده السلمي، ونرجو أن يصدق فيه ما جاء في الحديث
النبوي "سيّدّ الشهداء حمزة بن بعد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه
فقتله".
وترجع أهمية الدور الذي قام به الحامد، بحسب العبدلي
إلى "كونه رجلا أكاديميا متميزا، حاز على أرفع الدرجات الأكاديمية في اللغة العربية
والأدب العربي، كما أوتي بسطة في العلم والفكر والأدب، وله إنتاج فكري وعلمي وأدبي
غزير، وقد دارت بحوثه وكتاباته ومقالاته على إظهار أهمية المجتمع المدني، وضرورة مراجعة
مقولات الفقه السياسي، والمطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري".
وينوه إلى أن "الحامد استطاع إرغام النظام السعودي
على عقد المحاكمات العلنية، وهو ما دفعه لإعداد مرافعات فكرية وقانونية لتقديمها كبينات
دفاعية في المحكمة، حاكم فيها بجرأة الاستبداد والظلم والفساد، وعرى كثيرا من المفاهيم
المغلوطة، وسلط الضوء على الممارسات القمعية المتدثرة بعباءة الدين وردائه التي أضفاها
فقهاء السلطان عليها".
اقرأ أيضا: عبد الله الحامد: المدافع السعودي عن حقوق الإنسان والبطل الوطني
يشار إلى أن الحامد بثَّ في كتبه ومقالاته وأحاديثه جملة
أفكاره الإصلاحية والثورية، وهو ما دعاه في أكثر من موضع من كتبه وأحاديثه إلى انتقاد
الخطاب الديني السائد في السعودية، الذي يقصر اهتماماته على الجوانب التعبدية، ويقزم
الدين في عبادات وممارسات فردية، معظما من شأن طاعة ولي الأمر، مع إغفاله شبه التام
عن الحقوق المدنية والسياسية، وعدم اشتغاله بإشاعة قيم العدل والحرية، وتقاعسه عن إنكار
المنكرات السياسية الشائعة.
في كتابه "السلفية الوسطى، سلفية العدل عديل الصلاة،
لا سلفيات الاستسلام للطغاة ما أقاموا الصلاة" قدم الحامد مقاربة لتصفية المقياس
السلفي من غبار الصياغات العباسية والمملوكية والعثمانية، وأطال النفس وهو يبحث وينقب
عن جذور نظرية ولي الأمر في العهدين الأموي والعباسي، بكل ما صاحبها من انحرافات في
الخطاب الديني وإنتاجاته الفقهية، ليخلص إلى تقرير ما يراه من ضرورة الرجوع إلى أصول
الإسلام في مصدريه الكتاب والسنة، والعهد النبوي والخلافة الراشدة.
يقول الحامد تحت عنوان "إما الإمبريالية أو سلفية
تقدس العدل كما تقدس الصلاة": ألسنا اليوم أحوج ما نكون إلى سلفية الصحوة السياسية،
بعد أكثر من مائة عام على سقوط الخلافة العثمانية، إن الأحداث في الخليج منذ عام
1411هـ (1990م) برهنت على أن المشكلة الكبرى في العرب هي الاستبداد، وأن الاستبداد
هو الذي شلهم عن حل مشكلاتهم في إطار جامعة الدول العربية، من أجل ذلك تفردت بهم الدول
الكبرى، عندما تفردت الحكومات بشعوبها".
ثم
يصرح بما يجب عمله حيال الوضع القائم "من أجل ذلك ينبغي اليوم أن يتداعى أعيان
الأمة في كافة أقطارها، وينادوا بدولة العدل والشورى، ويذكروا الحاكم أيا كان وصفه
ملك مملكة أو رئيس جمهورية، بأن البيعة الشرعية إنما هي على الكتاب والسنة، وإنما مضمونها:
شرطان: العدل والشورى، فمن أخل بهما وجب على الناس كافة، خفافا وثقالا، نساء ورجالا؛
جهاده سلما، عبر البيانات والمقولات والمواقف، والتجمعات والتظاهرات والإضراب والعصيان
المدني".
وتتبدى أهمية فكرة حق الأمة في اختيار من يحكمها، وممارستها
للرقابة على أعماله، في فكر داعية الإصلاح عبد الله الحامد في بحثه المعمق لها في كتابه
(البرهان بقوامة الأمة وسيادتها على السلطان) ويورد فيه الأدلة على أن بيعة الأمة الحاكم
على الكتاب والسنة هي مقتضى قوامتها عليه، وعلى أن حصر (أولي الأمر) على الأمراء والفقهاء
يفضي إلى الطغيان، وعلى أن أقرب الصور، لمفهوم أولي الأمر (القرآني) في الدولة الإسلامية
الحديثة صورتان، أولهما: قيادات تجمعات المدني الأهلية، وثانيتهما: البرلمان.
اقرأ أيضا: نشطاء يستذكرون كلمات للحقوقي الحامد عن الحكم ببلاده (فيديو)
من جهته، رأى الباحث الشرعي الأردني، أمين حديد أن
"قيمة الدكتور الحامد – رحمه الله – تكمن في عنصرين أساسين جعلا منه شخصية رمزية
للمطالب الإصلاحية، أولهما: ثباته منقطع النظير، حيث قاد أو شارك في أغلب التحركات
الإصلاحية بعد حرب الخليج، وبقي ثابتا على مواقفه من البداية حتى وافته المنية، وهي
حالة فريدة في أوساط النخب السعودية المعروفة بتقلبها".
وأضاف حديد "ولك أن تتصور أن أحد البيانات الإصلاحية
وقع عليه ثمانية عشر شخصا معروفا، تراجعوا كلهم نتيجة ترهيب السلطة وترغيبها باستثناء
ثلاثة، لأن اثنين منهما في السجن أصلا، ولم يثبت إلا الحامد، أما السبب الثاني، فيرجع
إلى عقليته التنظيمية المتميزة حيث حول المطالب الكثيرة إلى مطلب واحد رأى فيه وسيلة
لتحقيق التغيير وهو الملكية الدستورية".
وردا على سؤال "عربي21" حول أبرز المطالب التي
نادت بها الحركة الإصلاحية في السعودية، قال حديد: "الحركة الإصلاحية انقسمت إلى
اتجاهين منذ عام 1994، فريق رأى أن التغيير من الداخل ومحاولة إصلاح النظام الملكي
العائلي المطلق مستحيلة".
وتابع: "في حين استمر الحامد ومعه الإصلاحيون الدستوريون
في العمل السياسي من الداخل، وتقديم صيغة قد تبدو واقعية تتلخص في احتفاظ آل سعود بالعرش
وولاية العهد، مقابل سماحهم بإيجاد حرية رأي وأحزاب وبرلمان منتخب بصلاحيات كاملة،
وهو ما لم تتقبله الطبقة الحاكمة المشبعة بثقافة الاستبداد، والتي لم تقبل بالتنازل
عن امتيازاتها لمطالب سلمية نخبوية".
ولفت حديد إلى أن "مطالب الحامد والإصلاحيين الدستوريين
بالذات كانت سابقة ومتقدمة على الوعي المجتمعي تارة، وغامضة أو مرفوضة تارة أخرى، حيث
انفض عنها وعارضها الكثيرون باعتبارها مطالب ليبرالية صرفة مغلفة بقشرة إسلامية، ولم
تجد المباحث السعودية صعوبة في اصطياد المناصرين بإشاعة أن حقيقة الدعوة الإصلاحية
هي علمانية ليبرالية تناقض روح التوحيد ودعوته وشريعته".
ونبه في نهاية حديثه إلى أن "ترديد الحركة الإصلاحية
لمصطلحات الوطنية، والنسيج الاجتماعي الواحد، فهم منه محاولة لإدخال الأقلية الشيعية
في البلاد، فيما اعتبر آخرون أن مطالبها متعجلة وعالية السقف أكثر مما تملك من وسائل
الضغط والشعبية، لذا فإن تحركاتها ظلت محصورة، واستطاعت السلطة اختراق صفوفها وتدجينها
بالتدريج، وشرعنة أساليب البطش التي انتهجتها في التعامل معها".
مضاوي الرشيد: الشهيد عبد الله الحامد بطل وطني حقيقي
ما حقيقة إنشاء قاعدة إيرانية بالعراق قرب السعودية والأردن؟
دعم سعودي إماراتي مصري جديد لحفتر.. هل ينقذه؟