ـ 1 ـ
بعض المسؤولين يوهمون الناس بأن محنة الفيروس "المستبد" كورونا الجديد، هي مجرد سحابة صيف، ما تلبث أن تمطر قليلا، أو حتى يمكن أن تمضي بلا مطر، وتختفي من سمائنا كأن لم تكن!
والحقيقة أن هذا الكلام مجرد شعوذة لا تمت إلى الواقع بأي صلة، لا صحيا ولا اقتصاديا ولا حتى سياسيا، فهذا الفيروس المستجد، هو شريك استراتيجي جديد للبشرية، جاء ليبقى، وهو بمعنى من المعاني ليس مستجدا فقط بل هو "مستبد" بكامل الأوصاف، من حيث أنه فرض نفسه على حياتنا، وسيعيش معنا لفترة لا أحد يتنبأ بطولها، وحتى لو قرر فجأة أن يرحل غدا، وهو أمر مستحيل ومجرد افتراض تخيلي، فإن الأثر الذي تركه على حياتنا سيحتاج إلى سنوات لإزالة آثاره!
كورونا، منذ نحو ثلاثة أشهر، يجلس معنا على مائدة الطعام، ويرافقنا قبل وبعد الذهاب إلى الحمام، ويصحبنا إلى السوق، ويسافر معنا في البر والبحر والجو، هذا إن "سمح" لنا، ويتجول معنا في السوق، ويعيش معنا حتى في الحظر المنزلي، وينام معنا في غرف النوم أيضا، فكيف يكون سحابة صيف، أو "شدة وبتزول"؟ نعم ستزول يوما ما، ولكن سيزول معها كثير مما ظننا أنه يستعصي على الزوال!
ـ 2 ـ
الخبر السار ـ كما قال بيل غيتس عملاق ميكروسوفت ـ هو أننا يمكن أن نتطلع إلى عالم "شبه طبيعي" خلال الشهرين المقبلين. لكنه يستدرك قائلا وفق ما نشرت "الإيكونوميست": "يمكن للناس الخروج، ولكن ليس في كثير من الأحيان، وليس إلى الأماكن المزدحمة". المدارس سيُعاد فتحها، لكن الملاعب لن تُفتح، يجب أن يكون المبدأ الأساسي هو السماح للأنشطة التي لها فائدة كبيرة للاقتصاد أو رفاهية الإنسان، ولكنها تشكل خطرًا ضئيلًا للإصابة". الحياة ستعود إلى طبيعتها فقط عندما يتم تطعيم معظم السكان، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، على الرغم من أنه من المؤمل أن تتمكن البشرية من الإنتاج الضخم للمطعوم بحلول النصف الثاني من عام 2021. وإن تم هذا فسيكون إنجازًا تاريخيًا، حيث لم يسبق للبشرية أن أنتجت مطعوما لوباء ما بمثل هذه السرعة!
هذا الفيروس المستجد، هو شريك استراتيجي جديد للبشرية، جاء ليبقى، وهو بمعنى من المعاني ليس مستجدا فقط بل هو "مستبد" بكامل الأوصاف، من حيث أنه فرض نفسه على حياتنا، وسيعيش معنا لفترة لا أحد يتنبأ بطولها،
عندما يكتب المؤرخون والكتاب عن الوباء، فإن ما عايشناه حتى الآن سيستغرق الثلث الأول فقط من الحكاية، هكذا تحدث غيتس عن الشريك الاستراتيجي الجديد، ويستأنف: "الجزء الأكبر من القصة سيكون ما سيحدث بعد ذلك. لن يكون في المطارات حشود كبيرة. ستقام الرياضة في ملاعب فارغة. وسيتراجع الاقتصاد العالمي لأن الطلب سيظل منخفضًا".
وهنا تحديدا "بيت القصيد" فالشأن الاقتصادي المتعلق برزق العباد، قليلون هم من يصارحون الناس بحقيقة ما حصل وما سيحصل، وإن تحدثوا فبمثل ما تحدث به غيتس، مجرد "سيتراجع الاقتصاد" ولكن ما حجم هذا التراجع وما أثره علينا، فتلك حكاية مخيفة فعلا حين يبدأ "الخبراء الحقيقيون" الموثوقون بالحديث!
ـ 3 ـ
الخبير الاقتصادي المعروف، الدكتور فهد القواسمة، يقول إن ما حدث لنا ليس له شبيه إلا بما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، أيام الركود الاقتصادي الكبير، والعالم تعافى من تلك المصيبة في عقد السبعينيات، علما بأن "جائحة" كورونا أشد وطأة من الركود الثلاثيني الكبير، فإن كان ذلك كذلك فعلا، فمتى سيتعافى البشر اقتصاديا مما حصل بفعل هذا المستبد؟
قد يبدو هذا الكلام متشائما، ولكن بوسعنا أن "نطرح" ثلثيه، وبمعنى من المعاني إن استغرق تعافي البشر من ركود الثلاثينيات ثلاثة عقود، فسيلزمنا ـ بعد الطرح ـ عقد كامل للتعافي من كورونا، مع كثير من التفاؤل!
لكم أن تصدقوا أو لا، وعلى كل الأحوال، فإن ما حصل لم يكن سحابة صيف، وسيكون لزاما علينا أن نتعايش مع هذا "الضيف" الذي احتل صدر المنزل عنوة، فأصبحنا نحن الضيوف وهو رب المنزل!
كل هذا في الجانب الصحي، والجانب الاقتصادي، فما بال السياسة وأحوالها وأهوالها؟
ربما يحتاج الأمر لمقال جديد!
كوفيد-19.. قراءة الأرقام وجدل المقارنات
البشرية والسعي للانتصار المعنوي على الكورونا
الكورونا وتأسيس جمهوريات بيتلندا