أديب، فصيح اللسان، عالم لسانيات، لغوي، إذاعي، مترجم، سعى طيلة حياته إلى فتح أبواب اللغة العربية على الحضارة الحديثة، وأن يبرهن أن اللغة العربية قابلة للتطور شأنها شأن اللغات الحديثة القادرة على استيعاب منجزات العصر واختراعاته وأفكاره المستحدثة.
شهرته في الوطن العربي جاءت من خلال البرنامج الشهير "قول على قول" في إذاعة "بي بي سي" البريطانية.
حفر حسن الكرمي اسمه في الصخر بوصفه أحد حراس اللغة العربية، وهو الذي نشأ في بيت الشيخ سعيد الكرمي رجل العلم والفقه والأدب واللغة وأحد تلاميذ محمد عبده، وخرج من هذا البيت أيضا الشاعر الكبير "أبو سلمى" عبد الكريم الكرمي، والكاتب والأديب أحمد شاكر الكرمي، والصحافي محمود الكرمي.
أكمل حسن الكرمي تعليمه في دمشق وفي القدس، وعمل مدرسا للإنجليزية والرياضيات في مدينة الرملة والقدس رغم أنه خريج جامعة لندن في أصول التربية والتعليم وعلم الإحصاء التربوي عام 1937.
التحق بالقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية (راديو لندن) مراقبا للغة العربية، وخلال عمله أعد سلسلة دروس لتعليم الإنجليزية في "الراديو".
اكتسب شهرته لاحقا عبر أثير برنامجه المعروف "قول على قول" الذي استمر في تقديمه ثلاثين عاما متتالية الذي كان يفتتحه بعبارة: "وسألني سائل من القائل، وما المناسبة؟". ولم يتوقف إلا بعد عودته إلى العاصمة عمان، وانقطاعه عن العمل في الإذاعة البريطانية، وتفرغه للكتابة وتأليف معاجمه.
وقد ساعدت الكرمي معرفته الواسعة بالتراث وحفظه آلاف الأبيات من الشعر العربي لكي يستطيع الإجابة عن أسئلة المستمعين. ونظرا للقيمة الثقافية لما كان يطرح في البرنامج فقد نشرت مواد البرنامج في أكثر من ثلاثة عشر مجلدا.
أديب، فصيح اللسان، عالم لسانيات، لغوي، إذاعي، مترجم، سعى طيلة حياته إلى فتح أبواب اللغة العربية على الحضارة الحديثة، وأن يبرهن أن اللغة العربية قابلة للتطور شأنها شأن اللغات الحديثة القادرة على استيعاب منجزات العصر واختراعاته وأفكاره المستحدثة.
ويعلق الكرمي على برنامجه الشهير قائلا بأنه "لم يقصد بأجوبته في ذلك البرنامج أن تكون دراسة أدبية ولغوية مستقصاة، وإنما أراد أن تكون تلك الأجوبة للإمتاع والتسلية والتعريف بشيء من ذخائر الأدب العربي وطرائفه".
الجانب الأكثر دسامة في شخصية الكرمي كان المتعلق بمعاجم اللغة، فقد نشرت له عدة مؤلفات من بينها "قاموس المنار" (إنجليزي/عربي) ثم سلسلة "معاجم المغني" ثنائية اللغة (إنجليزي/عربي) و(عربي/إنجليزي) و"الوسيط"، و"الوجيز"، ومعجم عربي بعنوان "الهادي إلى لغة العرب"، بالإضافة إلى ترجمته للكثير من الكتب وكتابة المقالات والمؤلفات في التربية وفي إصلاح المعجم العربي باللغتين الإنجليزية والعربية.
كانت هذه المعاجم، نتاج عمل شخصي فردي للكرمي الذي نذر حياته لفتح آفاق اللغة العربية على الإنجليزية، وتوسيع الثروة اللغوية للعرب من خلال وضع المعاجم بخاصة والترجمة بعامة.
وهي مهمة تحتاج إلى جلد وطاقة هائلة في البحث، يقول الكرمي: "إن صناعة المعجم أكثر صعوبة ودقة من علم الرياضيات، لأن دقائق تلك الصناعة ورهافتها، ووجود ظلال كثيرة للمعنى الذي نعطيه لأي كلمة عندما نترجمها إلى لغة أخرى، تتطلب عقلا صافيا مدربا على البحث، كما أنها تتطلب معرفة بروح اللغة التي يترجم عنها المرء أو يترجم إليها".
لقد تجاوزت قدرات الكرمي اللغوية وشهرته حدود الإذاعة البريطانية لتصل إلى الفضاء العربي الكبير، عن ذلك يقول المفكر العربي الأمير الحسن بن طلال بأن الكرمي "كان علما من أعلام اللغة والإعلام: أستاذي حسن الكرمي الذي كان لا يبارى بشغفه بلغة الضاد، ولا يجارى في ولعه بالمعجم العربي".
الكاتب المصري حسين أحمد أمين، وهو الذي عمل مع الكرمي في هيئة الإذاعة البريطانية يقول: "لم يكن المدراء الإنجليز يحترمون أحدا منا احترامهم لحسن الكرمي".
ويضيف: "كان نادرا ما يبتسم، ونادرا ما ينفعل، بارد العاطفة، أو هكذا خيل إلي، أما المؤكد فهو أنه كان دودة كتب، لا حديث له إلا في ما يقرأ أو يكتب، في تصريف فعل أو أصل كلمة، لا غرام يشغل قلبه غير الغرام باللغة العربية".
لقد تزامنت مرحلة الوعي في حياة الكرمي مع ثلاثينيات القرن الماضي وانطلاق ثورة فلسطين الكبرى عام 1936، وصنفته كثير من المراجع والدراسات بوصفه "معارضا" لقيادة المفتي الحاج أمين الحسيني.
لكن الكرمي لم يرحل عن حياتنا مساء 5 أيار/ مايو عام 2007 في عمان، قبل أن يوضح الصورة، أو على الأقل أن يقدم رواية أكثر دقة، ففي مذكراته، يقدم الكرمي صورة مريرة عن الأوضاع في فلسطين في الثلاثينيات، وحالة الانقسام بين العائلات الكبيرة وواجهاتها السياسية (الأحزاب)، والانقسام بين أتباع الحسيني والمعارضين له الذين كان منهم والده الشيخ سعيد، في الوقت الذي كان فيه الوجود الصهيوني بفلسطين يتوسع ويتعزز اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
ونظرا لأنه ابن الشيخ سعيد فقد انتقلت التهمة إليه، حيث كانت المعارضة للمفتي الحسيني تعني "الخيانة" عند أتباعه ويتعرض صاحبها للتهديد بالقتل. وبسبب ذلك، يقول الكرمي في مذكراته، إنه لم يعد يذهب للعمل واعتزل في البيت خوفا من قتله من أتباع الحسيني.
ولم يتوقف الكرمي طويلا عند هذه النقطة فقد واصل دراسته وعمله حتى التحاقه بالعمل في هيئة الإذاعة البريطانية (راديو لندن) مع انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948. ليدشن مرحلة جديدة في علاقته باللغة العربية.
توفي الكرمي عن عمر زاد على 100 عام بقليل، قدم خلالها ثروة لغوية هائلة وتراثا أدبيا مرهفا نابضا بجماليات اللغة العربية التي واكبت بكل سلاسة ثورة التقدم العلمي والتقني العالمي.
علي نسمان.. كوميدي يقاتل بالفن من أجل فلسطين (شاهد)
الزجل الشعبي.. تراث فلسطيني يواجه الاندثار
مسجد حسن بيك بيافا.. معلم إسلامي تاريخي يقاوم التهويد (شاهد)