FP: علاقة الخليج مع الهند مستمرة رغم حملاتها ضد المسلمين

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا، للأكاديميين صميت غانغولي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إنديانا، ونيكولاس بلاريل، الاستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة ليدين قالا فيه، إنه وعلى مدى السنوات الماضية، وفي فترة حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي، خطت الهند خطوات واسعة في علاقاتها مع دول الخليج.

وقال المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن العلاقة حققت العديد من الإنجازات، في الوقت الذي تحافظ فيه نيودلهي على علاقة جيدة مع الخصمين الرئيسيين في المنطقة: إيران والسعودية. 

ولفت المقال إلى أن ذلك لا يعتبر إنجازا صغيرا لحكومة قومية هندوسية دون خجل، لأن دول الخليج مثل الإمارات، كانت تاريخيا حليفة لعدوة الهند اللدود، باكستان.

ولكن العلاقات التي شكلتها نيودلهي بحرص على مدى الخمس سنوات الماضية، مستغلة جهود الحكومات السابقة، أصبحت اليوم في خطر كبير.

وبحسب المقال فإن التطورات المحلية التي تستهدف 200 مليون مسلم بدأت بتفكيك ذلك الإنجاز الدبلوماسي. 

وتشير التقارير الرسمية، إلى أن تفشي فيروس كورونا، كان له أثر قليل على الشعب الهندي حتى هذه اللحظة على الأقل، ولكن بالرغم من الأعداد القليلة من الإصابات والوفيات المبلغ عنها، إلا أن المسلمين في الهند تعرضوا لهجمات فعلية وعلى الانترنت خلال أزمة الفيروس.

وجاءت تلك الهجمات بعد وجود أخبار بأن جماعة التبليغ أقامت مؤتمرا سنويا كبيرا في منطقة نظام الدين في دلهي، في بدايات شهر آذار/ مارس، في الوقت الذي بدأت فيه البلدان بتقييد التجمعات العامة لمنع انتشار الفيروس. 

اقرأ أيضا : الهند تسمح ببناء معبد هندوسي على أطلال مسجد تاريخي

ومع وجود حوالي 3000 مشارك من أكثر من 12 بلدا في حيز مكتظ، انتشر الفيروس بسرعة، وتم التوصل إلى أن ذلك الاجتماع كان مصدرا كبيرا لانتشار العدوى في الهند، على حد تصريحات السلطات الهندية.

وما من شك أن عقد هذا المؤتمر بالرغم من انتشار المعلومات عن الفيروس كان متهورا، ولكن الاعتداء الصارخ على المجتمعات المسلمة في الهند تعرض للخطر مقاربة دلهي الدبلوماسية في الشرق الأوسط والتي تم تصميمها بعناية وخاصة تجاه دول الخليج. 

وتاليا النص الكامل للمقال:

في خطوة عامة نادرة، أعربت الأميرة هند القاسمي من الإمارات عن عدم الرضا عن الإسلاموفوبيا المتزايدة بين الهنود، فغردت في 4 أيار/ مايو قائلة: "أفتقد الهند السلمية".

وجاء ذلك بعد أن أبرزت تغريدة لهندي يعيش في الإمارات بأنها "عنصرية مفضوحة وتقوم على التمييز"، مذكرة متابعيها بأن عقوبة خطاب الكراهية غرامة وحتى الطرد.

هذه التصريحات جاءت بعد الإعراب عن القلق حول تعامل حزب بي جي بي مع المسلمين الهنود من أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، بما في ذلك منظمة التعاون الإسلامي، والتي حثت الهند على اتخاذ إجراءات ضرورية لحماية حقوق الأقلية المسلمة لديها.

وهذا الانتقاد الأخير بالذات خطير حيث عملت الهند بنشاط على إصلاح علاقتها الإشكالية التاريخية مع تلك المنظمة واستطاعت الحصول على دعوة لحضور اجتماعها السنوي في أبو ظبي في آذار/مارس 2019، كضيف شرف. 

ويجب أن يقلق هذا التحول في الأحداث حكومة مودي، فمن خلال سياستها المسماة (التفكير غربا) قامت الهند ببناء علاقات قوية مع كل من الإمارات والسعودية مع إبقائها على علاقاتها الطويلة مع إيران وتحسين علاقاتها بإسرائيل.

وفي آب/ أغسطس 2015 أصبح مودي رئيس الوزراء الهندي الأول خلال 34 عاما الذي يزور الإمارات ثم زارها مكررا في 2018 و2019، وخلال زيارته الأخيرة حصل على وسام زايد، أعلى وسام مدني في الإمارات، اعترافا بدوره في تحسين العلاقات بين البلدين.

وزار مودي أيضا كلا من السعودية وقطر وعمان والبحرين وإيران في جهود تواصل محسوبة لقوى الخليج. ومقابل ذلك قام العديد من المسؤولين من الخليج برد الزيارات لنيودلهي في نفس الفترة. 

والعلاقة التي تعززت خلال حكم مودي تجاوزت الزيارات الشكلية والشعارات المعلنة إلى صفقات كبيرة وفوائد دبلوماسية كبيرة، فأصبحت السعودية والإمارات رابع وثالث أكبر شريك تجاري للهند على التوالي بالإضافة لكونهما أكبر مصدر للنفط.

كما وعدت البلدان على مدى الخمس سنوات الماضية بدفع 170 مليار دولار للهند لتطوير بنيتها التحتية في قطاعي الطاقة والصناعة، وعامل مهم من عوامل العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج هو حجم العمالة الهندية في تلك المنطقة فهناك مليونا هندي في السعودية وحوالي 3 ملايين هندي في الإمارات يرسلون 11.2 مليار دولار و13.8 مليار دولار على التوالي لعائلاتهم في الهند كل عام. 

اقرأ أيضا : عمران خان: كراهية المسلمين في الهند أشبه بالنازية (فيديو)

وساعدت الجهود الدبلوماسية في السنوات القليلة الماضية للتخفيف من التأثير الباكستاني الكبير بين دول الخليج، فقامت كل من السعودية والإمارات بإزالة الوصلة بين الهند وباكستان ولم تعد تنظر للعلاقات مع البلدين الجنوب آسيويتين على أنها لعبة صفرية المحصلة.

فبينما يحافظ البلدان الخليجيان على علاقات طيبة مع باكستان إلا أنهما يفضلان الاستثمار في الهند. كما أن التحول هذا كان له أثر جيوسياسي أيضا حيث توقف البلدان عن شجب السياسة الهندية في كشمير، المتنازع عليها بين باكستان والهند.

فمثلا توقيت إعلان أرامكو السعودية عن استثمار 15 مليار دولار في الهند جاء في آب/ أغسطس 2019، بعد أسبوع واحد فقط من إعلان نيودلهي المثير للجدل بإلغاء الوضع الخاص لكشمير، كان بمثابة إشارة إلى أن السعودية لم تعد مستعدة لأن تجعل قضية كشمير عقبة في طريق علاقات أفضل مع الهند.

وبالمثل، أعلنت الإمارات بأنها تنظر إلى قرار الهند بشأن كشمير كـ"مسألة داخلية" – لغة نيودلهي المفضلة في نزاعها مع اسلام أباد. 

وحمى نشاط حكومة مودي الدبلوماسي في التواصل مع دول الخليج والاعتراف المتزايد بتنامي فرص الهند الاقتصادية، الهند من الانتقاد الرسمي للطبيعة العنصرية لقانون الجنسية الهندي الجديد بالإضافة للتقارير المتزايدة حول العنف ضد المسلمين بعد إعادة انتخاب مودي في أيار/ مايو 2019.

ولكن يبدو أن إلقاء اللوم على المسلمين لانتشار فيروس كورونا في الهند كان القشة التي قصمت ظهر البعير لدول فاعلة في الخليج قد تقلب علاقاتها مع المنطقة.

وعامل أساسي هو أن مقاربة الهند تجاه المسلمين لن تعود مجرد شأن داخلي إن كان مواطنوها في الخليج يقومون بالترويج لخطاب الإسلاموفوبيا. 

اقرأ أيضا : "NYT": هكذا بات كورونا أداة تغذية للكراهية ضد مسلمي الهند

والنقد من معلقين عرب مهمين مثل القاسمي في الإمارات جعل الهند تقوم بحملة حد من الأضرار.

ففي تغريدة له باللغة الانجليزية، واضح أنها موجهة للجمهور الداخلي والدولي، كتب مودي أن فيروس كورونا "لا يرى العرق ولا الدين ولا اللون ولا الطبقة ولا العقيدة ولا اللغة ولا الحدود قبل أن يصيب".

كما أن خطاب الكراهية من الهنود الذين يعيشون في دول الخليج أدى إلى بيان غير مسبوق من السفير الهندي في الإمارات حذر فيه من التمييز.

كما حذرت السفارات الهندية الهنود في الخارج للتيقظ للتصريحات التي قد تزرع الفرقة الدينية.

ولإدراكه ضرورة تهدئة المخاوف المتزايدة، قام وزير الخارجية الهندي، سبراهمانيام جيشنكار، بالاتصال بنظرائه في كل من الإمارات وقطر وعمان والسعودية للتأكيد على أن الهند ستستمر في إمداد المسلمين بالمواد الغذائية خلال شهر رمضان وأنها ستوفر لهم أي علاج طبي يحتاجونه لمكافحة الجائحة.

ولحد الآن يبدو أن دبلوماسية الطوارئ الهندية حققت المطلوب. فقد سجلت معظم دول الخليج ورحبت بالتوضيحات التي قدمتها نيودلهي وأعربت عن رغبتها بالحفاظ على العلاقات الحميمة وتعميقها.

والسؤال هو ما إذا كانت الهند قادرة على كبت خطاب الكراهية الذي أطلقت له العنان، ليس فقط لتهدئة الوضع محليا ولكن أيضا لمنع المزيد من الاحراج الدبلوماسي، وإلا فإن من بين التداعيات المحتملة بأنها تهدد تمزيق العلاقات التي نسجت ببراعة مع دول الخليج والسعودية.