هل يعقل أن يكلف السيد حسن نصر الله نفسه عناء الخروج بخطاب، في ذروة انشغال الناس بكورونا وجنون الأسعار وتوقف الأشغال، فقط ليبشرنا بأن بشار الأسد باق في السلطة، أو ليعيد على مسامعنا أسطوانات عن المؤامرة والمقاومة، لم يعد أحد يأبه بها، ويحاول إرجاعنا إلى سجالات انتهى زمنها وتجاوزتها الأحداث والتطورات، لدرجة أن من سمع خطاب نصر الله اعتقد انه يتحدث سنة 2015، لولا بعض التحديثات، التي وردت على الهامش، مثل ذكره لوباء كورونا؟
الجديد في خطاب نصر الله، محاولة استغلاله ظروف لبنان الاقتصادية الصعبة لدفع حكومته إلى التطبيع مع نظام الأسد. وبالطبع هو لا تعنيه أزمة لبنان ولا معاش أهله، هو يأنف الخوض في مثل هذه القضايا التي هي من شأن السياسيين الأقل درجة منه، هو فقط نذر نفسه وجهده لإنقاذ الأسد من أزماته، بعد أن شاهد، وبالتأكيد أخبره مستشاروه عن الأوضاع البائسة التي يمر بها نظام الأسد، بسبب الفضائح المدوية التي فجرتها خلافات أركانه على الحصص، في الوقت الذي ينهار الاقتصاد السوري بشكل متسارع ومرعب.
لكن كيف سينقذ نصر الله هذه المرة بشار الأسد؟ لا يجيد حسن نصر الله وحزبه سوى مهمتين: الحروب، وهذه بات غير قادر على خوضها دون غطاء روسي، بعد أن حوّل نفسه إلى قوات كلاسيكية، والمهمة الثانية تجارة المخدرات، وهذه وتلك لن ينقذا الأسد من ورطته، لأن لقمة السوريين التي ستسقطه لا مجال معها للعسكرة التي ستأتي على وقع برنامج استفزاز طائفي مدروس ومصنّع ضمن أقبية المخابرات. كما أن الجائعين لن يسد حشيش القصير والبقاع حاجتهم للطعام.
لكن حسن نصر الله، وكما عوّدنا، فهو دائما لا يقبل عندما يتحدث عن حربه في سوريا، إلا أن يكون متعاليا على سفاسف الأمور، لذا تجده يقول في خطابه الأخير إن "معركة حزب الله وإيران في سوريا واضحة الأهداف ولا تتعلق بالأشخاص أو الدساتير أو الأنظمة"، ونسي ان يضيف أنها (معركتهم) لا تهتم لا بالشعوب ولا بالمآسي التي تخلفها لهم.. بماذا إذا تهتم هذه المعركة الأسطورية؟
بالطبع، لن يقول حسن نصر الله إن هذه المعركة كان هدفها، وسيبقى، إنقاذ عصابة اعترفت على نفسها، أكثر من مرّة، بأنها تشكيل مافياوي، سواء من خلال التصفيات التي تنظمها لأعضائها بين الحين والآخر (آصف شوكت وغازي كنعان ورستم غزالة، أو من خلال صراعات عرابيها الأسد- مخلوف) وحتى من خلال سلوكها اليومي. كما لن يعترف حسن نصر الله بأن هدفه في سوريا استخدام طرقاتها، التي قال يوما إنها جزء من الطريق إلى القدس، ممرا لإغراق الدول العربية بالمخدرات، ولن يقول إن هذا مشروعه الجيوسياسي الأهم، وكل ما عدا ذلك لعب على اللغة والكلام.
الغريب أن نصر الله، بعد كل هذه السنوات والخراب الذي عمّ جغرافية سوريا وروح ناسها، لا زالت لديه الطاقة للمساجلة والمهاترات، ويعتبر أن السوريين تم استغلالهم لخدمة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي- السعودي. الغريب أن يصدر هذا التحليل عن شخص يعتبر نفسه قائدا للمقاومة، الذي من المفترض ان تكون لديه حساسية خاصة تجاه تمرد الشعوب على جلاديها وممتهني كرامتها وسارقي حقوقها، والأهم من ذلك أن يكون لديه إيمان بوعي تلك الشعوب وإرادتها، لا أن يعتبرها مغفلة وحتى متآمرة!
لكنه لا يتأخر كثيرا في الوقع في المتناقضات، عندما يقول: "كنا نعرف أن ذهابنا إلى سوريا سيكون له تداعيات وتضحيات، وأن هناك من سيستغل هذا الأمر طائفيا ومذهبيا"، وكأن حسن نصر الله يراهن على ضعف ذاكرة الشعوب. هل تريد أن نذكرك يا سيد بأنك أنت من قلت إننا في سوريا من أجل حماية الشيعة في القصير بداية، ثم قلت إنك هناك من أجل حماية المراقد المقدسة (السيدة زينب)؟
يقفز نصر الله عن كل هذه الوقائع التي يعرفها أهل المنطقة جيدا، ويقول إن سبب ذهابه إلى سوريا ومشاركة النظام في حربه على الشعب السوري، سببه إدراكه لحجم المخاطر التي تتهدد فلسطين! هل قال فلسطين؟ وهل كان جادا، أم إن ذلك بسبب تأثيرات الصيام؟ أم إن فلسطين التي يتحدث عنها غير فلسطين التي نعرفها، والتي خرج شعبها في المناطق المحتلة سنة 1948 والمثلث، والضفة وغزة، بمسائر ضخمة تدعم ثورة الشعب السوري على نظام الأسد، أم ماذا؟
ثم أي تهديد كانت تشكّله غضبة السوريين على دهس أصابع أولادهم في درعا على فلسطين؟ يذكر أهل درعا أن قناصة حزب الله بدؤوا بقتلهم بعد عودتهم من دفن أول شهيد لهم (محمود جوابرة- 18 آذار/ مارس 2011)، فكيف تسنى لكم إدراك أن فلسطين ستكون مهدّدة مع أول صوت يطالب بمحاسبة قائد رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا لؤي العلي، الذي نكّل بمخيم درعا للفلسطينيين وقتل عشرات الشباب فيه؟ ولماذا تصر على تشويه فلسطين وتشعر الآخرين بأنها شريكة بدم السوريين الذي سفكتموه؟
لا يكتفي حسن نصر الله بهذا القدر من الهذر، بل يصر على أن إيران ليست لها مطامع في سوريا، وكأن أحدا لا يعلم حقيقة صراعات الروس والإيرانيين حول حقول النفط (حقل البوكمال) والفوسفات والغاز، والموانئ والمطارات، كما يقول إن إيران ليس لديها عسكر في سوريا، لأن لا حاجة لوجودهم.. يا سيد، إذا لماذا ذهب قاسم سليماني في ليل يستنجد ببوتين للقدوم إلى سوريا بعد أن انهارت دفاعات جيوشه، وأنتم من ضمنها؟
يطل علينا حسن نصر الله محاولا تزوير التاريخ القريب جدا، التاريخ الذي لا زالت علاماته على أجساد وأرواح السوريين والفلسطينين السوريين، يضع فلسطين على لسانه ويحوّلها سوطا لإسكاتنا.
twitter.com/ghazidahman1
تراتيل النكبة المتجددة في زمن طواحين الهواء
مقاومة التطبيع مؤشر استعادة حرية فلسطين وكرامة العربي
الفلسطينيون أمام سيناريوهات الضم والمواجهة