نتابع ما يدور في مصر من احتجاجات للأطباء، وتهديد بالاستقالة من أطباء آخرين في مصر، وذلك بسبب عدد حالات الوفاة التي حدثت في صفوفهم، إذ بلغت نسبتها 3% من أعداد المتوفين في مصر، فأحس الطبيب بأنه لا قيمة له، وأن الدولة لا تهتم به كما تهتم بفئات أخرى فيها.
أعلن عدد من الأطباء الاستقالة الجماعية، وهناك محاولات لإثنائهم عنها، إلى هنا يظل هذا الحق للطبيب مشروعا لا يماري في ذلك أحد صاحب خلق، أو عقل، لكن خرجت بعض الأصوات تزايد على الأطباء، بأنه لم نسمع عن عسكري ترك الميدان وهدد بالانسحاب، ولم نسمع، ولم نسمع. وكيف يترك عمله، وقد أقسم قسم الطبيب أن يقوم بواجبه؟
المسألة هنا ذات شقين، شق ديني شرعي، يتعلق بضمير الطبيب، والقسم الذي أقسمه على أداء مهمته، وأخلاقيات المهنة، وشق حقوقي وطني، وكلا الشقين يتعلقان بالطبيب والدولة والمجتمع، فليسا متعلقين بالطبيب وحده، فنصب جام غضبنا، وكل ما لدينا من قول على الطبيب، بينما نترك الشق الأقوى والأهم هنا، وهو الدولة.
من المعلوم دينيا أهمية ودور الطبيب، وعندما نقول الطبيب هنا فنحن نقصد الطواقم الطبية بكل ما يتعلق بمهنة الطب، فلا يمكن للطبيب العمل وحده، بدون التمريض، وبدون بقية الكوادر الطبية، فهو كمهنة فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن بقية الأمة، ويتحول هذا الفرض الكفاية إلى فرض عين، على من تخصص في الطب، فصار من طواقمها الطبية، فيكون العمل بالنسبة له فرض عين.
وفي كلتا الحالتين في العمل كفرض كفاية، أو فرض عين، لا يستطيع الطبيب أداء وظيفته بدون توفير الأدوات التي يمارس بها عمله، فالقاعدة الشرعية: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالوسائل التي يحتاجها الطبيب لأداء وظيفته، ولحماية نفسه، والطاقم الطبي معه، تأخذ نفس الحكم، وهو الوجوب، والفرضية، وهو ما يجب أن تقوم به هنا الدولة، فالمسؤولية هنا مشتركة، ولا يعقل أن نحاسب الطرف الأضعف، ونترك الأقوى.
أعلن عدد من الأطباء الاستقالة الجماعية، وهناك محاولات لإثنائهم عنها، إلى هنا يظل هذا الحق للطبيب مشروعا لا يماري في ذلك أحد صاحب خلق، أو عقل، لكن خرجت بعض الأصوات تزايد على الأطباء، بأنه لم نسمع عن عسكري ترك الميدان وهدد بالانسحاب، ولم نسمع، ولم نسمع. وكيف يترك عمله، وقد أقسم قسم الطبيب أن يقوم بواجبه؟
فقبل أن نحاسب الطبيب على أداء عمله، نحاسب الدولة، هل وفرت له الأدوات المناسبة لقيامه بمهمته خير قيام؟ فإذا افترضنا عجز الدولة ماديا، بأن كانت دولة فقيرة، هنا انتقل هذا الوجوب إلى المجتمع، فيقوم الأغنياء بسد هذا العجز بتوفير الأدوات الكافية، فإذا كانت دولة تبذر في مكان، وتقتر في آخر، تبذر على كل من يثبت أركان نظامها، وتقتر على كل من ليس في هذه الدائرة، فعندئذ لا يمكن أن يتجه أحد باللوم على الطبيب الذي ليست لديه الإمكانيات المعقولة لحماية نفسه، ولمعالجة المريض، وبخاصة في وباء خطير مثل: (كورونا).
هذا من حيث النظرة الشرعية للأمر، فهي علاقة ذات عدة أطراف، منها ما يخص الطبيب، والجانب الأكبر يخص الدولة، أما الأصوات التي خرجت لتزايد على الأطباء، بأنه لم نسمع عن عسكري ترك الثغور وانسحب، ونسي المزايدون أنه لا يوجد نظام ولا دولة في العالم ترسل جنديا بغير سلاح وعتاد، وإلا أصبحت مجرمة في حقه بالإهمال في أرواح الناس، وهو ما يحدث في أكمنة سيناء والعريش، من تكرار نفس العمليات، وترك الناس بلا أدوات مناسبة أمام الهجمات الإرهابية.
والعسكري الذي يواجه عدوا بلا عتاد هو أشبه بمن يهلك نفسه، والله عز وجل يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقال: (ولا تقتلوا أنفسكم)، وما يقال عن العسكري هنا، يقال عن الطبيب، فكيف يواجه طبيب عدوى خطيرة ككورونا، بلا أدنى درجات حماية، والأيام الأخيرة نقرأ عن وفاة أطباء، فأمس توفي خمسة أطباء بكورونا، والسبب في ذلك: عدم وجود نظام وقائي يحمي الطبيب.
العجيب أن هذه الأصوات التي زايدت على الأطباء المحتجين والمهددين بالاستقالة، لم نسمع منهم هذا الكلام، عندما قامت وزارة الداخلية المصرية في ثورة يناير بالانسحاب من الشوارع، ولم نسمع منهم ذلك عندما انتخب الشعب المصري رئيسا مدنيا بعد ثورة يناير، وأصر كثير من الضباط في الداخلية على عدم التعاون، رغم تقاضيهم رواتبهم وهم في بيوتهم، وهم في مكاتبهم بعد ذلك بلا عمل، بينما ما قام به الأطباء هو التلويح بالاستقالة، أي أنه لن يتقاضى راتبا بلا عمل، مثلما حدث مع الداخلية وغيرها.
في الحقيقة لا نجد أدنى درجات العدالة من توفير الحماية للطبيب كما تتم مع فئات أخرى من الجهات السيادية كالجيش والشرطة، بل حتى مع شهداء الأطباء، فميت كورونا له حكم الشهيد شرعا مريضا كان أو طبيبا، لا نجد أي درجة من الاهتمام لا إعلاميا ولا سياسيا ولا ماليا به أو بأسرته، كما يحدث مع شهداء الجيش والشرطة، وبدل أن ينال الأطباء قدرا من الاهتمام بقضيتهم نجد من يزايد عليهم، ويتهمهم بالخيانة للقسم الطبي والوطن.
فأقرب تهمة تخرج بأنهم إخوان، حتى لو كان مسيحيا، أو يساريا، فقد أصبحت تهمة معلبة وجاهزة، لكل من ينطق بحرف يطالب فيه بحقه في ظل هذا النظام، المطلوب منك طبيبا كنت أو مواطنا: أن تموت في صمت، لتكون مجرد رقم في عداد وفيات كورونا!!
Essamt74@hotmail.com
في ذكرى انتصار رمضان.. ما زالت سيناء تبحر في الدماء