سياسة دولية

محلل إسرائيلي: تفجيرات إيران نفذتها أيد محترفة تعرف ما تريد

المحلل توقع إن يكون الملف النووي عاد للاجندة الإسرائيلية- جيتي

قال الكاتب والمحلل الإسرائيلي يوسي ميلمان، إن الانفجارات التي وقعت في إيران مؤخرا، في مواقع وقواعد عسكرية، ومحطات طاقة، تدل على "عمل محترفين، يعلمون ما الذي يبحثون عنه".

وأضاف ميلمان، في تقرير لموقع "ميدل إيست آي" ترجمته "عربي21"، إلى أن بعض الانفجارات ربما تكون ناتجة عن إهمال وسوء صيانة، لكن هناك إشارة إلى إطلاق أجهزة مخابرات إسرائيل، والولايات المتحدة، حملتها التي تستهدف تخريب البرنامج النووي.

وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

تشير الانفجارات الست الغامضة والحرائق التي وقعت في أنحاء مختلفة من إيران خلال الأيام الأخيرة إلى أن أجهزة المخابرات في كل من إسرائيل والولايات المتحدة أطلقت من جديد حملتها التي تستهدف تخريب برنامج إيران النووي.

فعلى مدى أسبوعين، وردت تقارير عن أحداث وقعت في مختبر للأشعة السينية في طهران وفي مستودع للصواريخ والمتفجرات بجوار قاعدة عسكرية في بارتشين شرقي العاصمة، وفي محطات طاقة في مدينتي شيراز والأهواز، وفي مصنع في باقرشهر وفي موقع نووي في نطنز.

قد لا تكون جميعها من صنيع عملاء أجهزة المخابرات، ومن المحتمل جدا أن تكون حوادث طهران وبارتشين وشيراز وباقرشهر ناجمة عن سوء صيانة وإهمال، الأمر الذي تعاني منه البنية التحتية المتهاوية في إيران.

ليس واضحا ماذا كان سبب الانفجار في الأهواز، ولكن المدينة وإقليم خوزستان الذي تقع فيه معروفان بأنهما مركز للمعارضة، ففي الماضي شاركت مجموعات محلية من الفدائيين، تتشكل في الأغلب من أهل المنطقة العرب، في شن هجمات على الحكومة ورموزها.

ولكن يبدو أن الانفجار الضخم الذي تبعه اندلاع حريق في نطنز كان من عمل محترفين كانوا يعرفون ما الذي عنه يبحثون.

كانت الأهداف عبارة عن عدد قليل من المباني الظاهرة فوق الأرض والتي تستخدم كمعامل ومختبرات لتجميع واختبار أجهزة الطرد المركزي التي يتم تطويرها لتخصيب اليورانيوم. تعرف أجهزة الطرد المركزي تلك باسم IR-8 وتتميز بأن بإمكانها أن تدور بسرعة أعلى وبفعالية أكبر وبأنها تهدر كما أقل من المواد المستهلكة، وبأن محركاتها أكثر اتزانا.

تقع نطنز على مسافة 300 كيلومترا جنوب العاصمة طهران، وهي مدينة صغيرة يوجد فيها أضخم معمل لتخصيب اليورانيوم في إيران.

يقع المعمل على عمق ثلاثين مترا تحت الأرض، مدخله محصن ومخفي لحمايته من الهجمات الجوية.

يعتبر إنشاء المعمل وإخفاؤه وعدم تزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعلومات عنه انتهاكا لالتزامات إيران الدولية بمعاهدة عدم الانتشار وخرقا اتفاقياتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تم اكتشاف الموقع في عام 2002 أثناء مؤتمر صحفي عقدته مجموعات معارضة إيرانية تعيش في المنفى، إلا أن مصادر المعلومات وردت من المخابرات الإسرائيلية.

بعد جولات من الكذب والنفي وممارسة لعبة "القط والفأر"، كما هو معهود من أنماطها السلوكية حين يتعلق الأمر بالبرنامج النووي، اعترفت إيران بوجود الموقع. كما زعمت أن الغرض من العمل هو تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في مفاعلها النووي الذي شيدته روسيا لتوليد الكهرباء في مدينة بوشهر، الميناء البحري.

كانت أجهزة الطرد المركزي التي زود بها المعمل من النماذج القديمة التي تعود إلى ستينيات القرن العشرين والتي تم شراؤها بشكل غير قانوني في التسعينيات من شبكة التهريب التابعة للدكتور عبد القادر خان، "أب" القنبلة النووية الباكستانية.

حملة منتظمة

بعد انكشاف أمر معمل نطنز، وضعته إيران تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنذ ذلك الوقت وهي تسمح للمراقبين الدوليين بزيارة المكان. ولكن بعد سنوات قليلة، وتحديدا في عام 2009، وجدت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية أن إيران قامت مرة أخرى بإنشاء معمل سري لتخصيب اليورانيوم في قرية فورداو القريبة من مدينة قم المقدسة.

كان ذلك المعمل أصغر حجما، وأشد تحصينا وأكبر عمقا – حيث يوجد على عمق تسعين مترا تحت سطح الأرض. تقدر أجهزة الاستخبارات الغربية أن حجم وموقع معمل فورداو كان مصمما خصيصا لتشغيل أجهزة طرد مركزي تستخدم لأغراض عسكرية، وفي ذلك المكان بدأت إيران سلسلة من التجارب لتطوير أجهزة طرد مركزي أكثر تقدما من الأجهزة القديمة التي كانت من ابتكار وتصنيع الباكستان.

ما بين 2002 و 2013 أخضعت إيران لحملة منتظمة شنتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية بالتعاون مع كثير من نظرائهم الغربيين بهدف إبطاء وتأخير برنامج إيران النووي، والذي حامت حوله شبهات بأنه كان ذا طبيعة عسكرية.

اشتملت الحملة على تخريب مواقع المفاعلات النووية والصواريخ، واغتيال خمسة من العلماء المتخصصين في التسليح (وهو المرحلة الأخيرة والأهم في تركيب القنبلة)، والحرب السيبرانية باستخدام فيروسات مثل ستاكسنيت لإلحاق أضرار بأجهزة الحاسوب، وخداع شبكات الشراء الإيرانية حتى تشتري أجهزة معطوبة.

كما استفاد جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) ووكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) من كثير من الأقليات العرقية في إيران، مثل الكرد والعرب والأزريين والبلوش – التي كان يوجد بداخلها، وما يزال، أناس ساخطون على نظام طهران المركزي الذي تهيمن عليه الأغلبية الشيعية.

أقامت هذه الوكالات علاقات سرية مع بعض العناصر الفدائية والسرية ضمن هذه المجموعات العرقية، وجندت عملاء وساعدتهم من خلال مدهم بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية.

إلا أن أكثر الأسلحة فتكا كان العقوبات الاقتصادية الدولية التي شلت الاقتصاد الإيراني، وفي النهاية ما كان من قيادتها الدينية والسياسية والعسكرية بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي إلا أن خضعت في عام 2013 للضغط.

 

 

اقرأ أيضا: تقدير استخباري: انفجار "نطنز" أعاق نووي إيران لسنوات


على النقيض من المقاربة المعاندة التي كان يتبناها زعيمها في بداية الأمر، أجبرت إيران على الحضور إلى طاولة المفاوضات، وبعد عامين اثنين، ورغم المعارضة الشديدة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو، وقعت ست قوى عالمية صفقة مع إيران تهدف إلى الحد من طموحاتها النووية، وهي الصفقة التي عرفت باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالمقابل وُعدت إيران بأنه سيتم بالتدريج رفع العقوبات المفروضة عليها.

إلا أن نتنياهو استمر في هجومه على الصفقة، مشبها إياها بالجبن السويسري ذي الثقوب.

انقلبت حظوظ نتنياهو عندما دخل دونالد ترامب البيت الأبيض في يناير 2017، فبعد سبعة عشر شهرا، وبدفع من نتنياهو، أمر ترامب الولايات المتحدة بالانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات على إيران.

أما القوى الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاق – وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين – فاستمرت جميعها في التمسك بالاتفاق. كما أن إيران ظلت لمدة عام أو ما يشبه ذلك على احترامها لخطة العمل الشاملة المشتركة.

انشغال الخصوم

في هذه الأثناء وجدت طهران نفسها منهمكة بتدخلها في الحروب التي تدور رحاها داخل سوريا والعراق واليمن ومنشغلة بخطتها الطموحة لفرض هيمنتها على المنطقة. نشرت إيران قوات ومرتزقة وميليشيات شيعية في سوريا، وسلحت حزب الله اللبناني بالصواريخ وبدأت بمواجهة إسرائيل.

بل وإسرائيل هي الأخرى أصبحت أكثر انشغالا وأكثر اهتماما بإزالة الوجود الإيراني على حدودها مع لبنان وسوريا، ولم تزل تشن حملة عسكرية باستخدام قواتها الجوية لمهاجمة المواقع الإيرانية ومواقع المقاتلين التابعين لإيران داخل سوريا.

وبدا كما لو أن الموضوع النووي ترك جانبا. ولكن في عام 2019، وإدراكا منهم بأن العقوبات الأمريكية عادت لتسبب الأذى تارة أخرى وأن الاقتصاد لم يكن يتعافى، قرر زعماء إيران التصرف، فبدأوا يخرقون الاتفاق النووي، ولكن دون أن ينسحبوا منه تماما.

زادت إيران كمية ومستوى ما هو مسموح به من تخصيب لليورانيوم بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة من 3.5 بالمئة إلى 5 بالمئة، وبدأت العمل على تحسين أجهزة الطرد المركزي.

لم تسع إيران نحو التخلي تماما عن الاتفاق أملا منها في ألا يعاد انتخاب ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، ورجاء أن تعود إدارة ديمقراطية بقيادة جو بايدن فتنضم من جديد إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

إلا أن مسؤولي الأمن والمخابرات في إسرائيل والولايات المتحدة خشوا أن ما تقوم به إيران من تحسينات على أجهزة الطرد المركزي الجديدة سوف يقربها أكثر من العتبة النووية، ولذلك قرروا التصرف.

ولربما كان التخريب في نطنز الإثبات الأخير على ذلك، وكان المسؤولون الإيرانيون قد صرحوا بأن الانفجار كان ناجما عن قنبلة تم زرعها داخل المباني.

ظلت إسرائيل صامتة لعدة أيام، فلا هي تؤكد ولا تنفي مسؤوليتها عن الانفجار. ولكن الذي حدث فيما بعد أن صحيفة نيويورك تايمز نقلت في وقت مبكر من هذا الأسبوع عن مصدر "استخباراتي كبير في الشرق الأوسط" القول إن إسرائيل كانت بالفعل وراء الهجوم، مؤكدا أن الانفجار نجم عن قنبلة قوية.

سارع وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان إلى القول إنه يعلم من أين جاء التسريب، ونصح نتنياهو بإخراس المصدر، مضيفا إنه أيا كان المسؤول عن التسريب فهو يعد نفسه للترشح عن حزب الليكود اليميني.

لا يحتاج المرء لأن يكون خبيرا في فك الشيفرات لكي يتمكن من ترجمة ما ألمح إليه ليبرمان، فقد كان يقصد أن يوسي كوهين، رئيس الموساد، هو مصدر الخبر الذي نشرته صحيفة ذي نيويورك تايمز. وكان كوهين، الذي لا يخفي إعجابه بنتنياهو بل ويحمل أراء يمينية مشابهة لآرائه، قد وافق هذا الأسبوع على تجديد فترته لعام آخر حتى يونيو / حزيران 2021.

يعتبر تفجير نطنز انتكاسة أخرى بالنسبة لإيران، في وقت يمر فيه اقتصادها بوضع في غاية السوء، زاد من تعقيد أموره وباء فيروس كورونا، مما شجع الجمهور الإيراني (وخاصة الأقليات العرقية) على البدء في التعبير عما في نفوسهم من إحباطات.

لا يشاهد الكثير من ذلك في العلن بسبب عدم تسامح السلطات مع أي معارضة، وخاصة بعد أن تم في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي قمع الاحتجاجات التي انتشرت في أرجاء البلاد بعنف يقال إن المئات قضوا نحبهم بسببه.

أيا كان الأمر، وكما شهدنا في الماضي، سيكون صعبا على الزعماء الإيرانيين تجاهل حقيقة أن الحوادث الخطيرة التي شهدتها البلاد في الأيام الأخيرة – سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة – تقوض المعنويات وتوجه ضربة نفسية.