يمر العالم بلحظات تاريخية فارقة في مواجهة جائحة
كورونا، حيث لم يشهد العالم مثيلاً للتطورات الراهنة منذ زمن بعيد في ظل الانتشار العالمي السريع للفيروس، الذي سيعمق التأثير الذي طال معظم المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.
رغم أنه يصعب حالياً التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية عالمياً فيما يخص مواجهة انتشار فيروس كورونا، إلا أنه يمكن أن نتشارك مجموعة من الأفكار التي جاءت بالخصوص في مجلة فورين بوليسي. السؤال الذي طرحته المجلة على أعظم الدارسين والمهتمين بالسياسات والعلاقات الدولية: "كيف سيبدو العالم بعد وباء كورونا؟"، على اعتبار أن أزمة كورونا هي أكبر أزمة على مستوى العالم في هذا القرن. فهي تهدد ثمانية مليارات نسمة ولها تداعياتها الاقتصادية والسياسية على مجموعة من الدول. ومما جاء في تقرير مجلة فوريين بوليسي:
- فشل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكل عام في قيادة العالم وتحول الدفة إلى
الصين ودول جنوب شرق آسيا، خصوصا بعد نجاحات كوريا وسنغافورة وتايوان أمام تخبط الولايات المتحدة إلى اليوم مع فيروس كورونا.
-
النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير.
- انتهاء نظام العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل والبحث عن سلاسل توريد محلية.
- فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها الذي كان متوقعا في التحذير والتنسيق للحد من الأزمة.
- توقع تفكك الاتحاد الأوروبي بعد فشله في مواجهة الأزمة على مستوى أعضائه.
- مزيد من الانكماش على الداخل وتراجع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
- تقوية مفهوم الحكومة المركزية وتعزيز قبضة الحكومات دون معارضة.
- ستعيد الأزمة تشكيل هيكل القوى العالمية بطرق يصعب تخيلها.
- سيعجل كورونا من تحول بدأ بالفعل من عولمة تتمحور حول الولايات المتحدة الأمريكية إلى عولمة تتمحور حول الصين.
رغم أهمية الأفكار التي جاءت في هذا التقرير، والتي توحي بأنه من المحتمل أن تصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى عالميا، وهي تخطط لذلك فعلا، ففي المؤتمر الأخير للحزب الصيني الحاكم تم توقع أن يصبح الدخل القومي للصين عام 2035 أكثر من الولايات المتحدة، لكن ورغم هذا فأنا أظن أنه من الصعب أن تقود الصين العالم كما تقوده الولايات المتحدة حاليا، لمجموعة من الأسباب:
- أن قوة الولايات المتحدة هي في الأفكار ومنظومة القيم والحرية والعدالة التي ألهمت (وما زالت تلهم) الشعوب، عكس الصين ذات النظام الشمولي العسكري الصارم.
- القوة الناعمة الضاربة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما النموذج الأمريكي في الحياة المعيشية الذي يصعب تعويضه بالنموذج الصيني في العالم.
- أن قوة أمريكا أيضا في لغتها الإنجليزية، حيث يتم تداول 80 في المئة من الدراسات وبحوث العالم باللغة الإنجليزية، وهي بذلك تشكل لغة العالم ويصعب تعويضها باللغة الصينية. فمثلا من منا الآن يستطيع أن يحسب من 1 إلى 5 باللغة الصينية.
لهذا، في اعتقادي من الصعب أن تصبح الصين الإمبراطورية المسيطرة في العالم كما الولايات المتحدة، ممكن أن تصبح الصين (والهند أيضا) اقتصاديا أكثر قوة من الولايات المتحدة، لكن أن تعوض الصين الولايات المتحدة في سيطرتها على العالم التي استمرت حوالي 70 عاما؛ أظن أن ذلك أمر مستبعد.
مسألة أخرى غاية في الأهمية، وهي الحديث عن تفكك الاتحاد الأوروبي. وهذا كلام بعيد عن الواقع لأن الأوروبيين عقلاء فعلا، ويستحيل أن يأخدوا إجراءات قد تؤدي إلى تفكيك هذا الاتحاد، خصوصا أمام مستجد رئيس الوزراء الإيطالي الذي أشار إلى استمرار إيطاليا في الاتحاد الأوروبي.
في المحصلة، يبدو أن مرحلة ما بعد جائحة كورونا ستترك العالم بشكل وهيئة وطبيعة مختلفة عما كان عليها من قبل، كما أن أزمة كورونا ستؤدي لمزيد من الأضرار في العلاقات الأمريكية الصينية، وتضعف شيئا ما التكامل الأوروبي، لكن من الناحية الإيجابة يمكن أن نلحظ تقوية متواضعة لقطاع الصحة العامة في البلدان النامية.