الاختطاف يعني القبض على شخص "الضحيّة"، أو احتجازه وحرمانه من حرّيّته بأيّ وسيلة غير مشروعة، سواء أكانت بالإكراه، أم بالحيلة، ونقله لمكان مجهول، وربّما، تتمّ تصفيته، أو تكون هنالك مفاوضات مع دولته، أو ذويه لإطلاق سراحه!
وتختلف أهداف
جرائم الاختطاف ما بين الغايات السياسيّة والأمنيّة والترهيبيّة، وربّما، الشخصيّة والانتقاميّة!
وقد عدّ المشرّع العراقيّ "الاختطاف" من الجرائم الماسّة بحرّيّة الإنسان، وحدّدت المادّة (421) من قانون العقوبات العراقيّ (111) لسنة (1969) عقوبة الاختطاف بمدّة "لا تزيد على 15 سنة"!
ومع هذه العقوبات الرادعة التي قد تصل في بعض الحالات إلى الإعدام، نجد أنّ جرائم الاختطاف مستمرّة منذ المراحل الأولى للاحتلال، ولهذا فإنّ محاولة الإحاطة بهذه الآفة المجتمعيّة بحاجة لعشرات الدراسات، لكنّنا سنحصر كلامنا في الأشهر السابقة الأخيرة!
في اليوم الأخير من العام 2019 أعلنت مفوّضيّة حقوق الإنسان العراقيّة، أنّ إجمالي إحصائيات
الخطف والفقدان الموثّقة رسميّا لديها " بلغت (68) حادث خطف وفقدان على خلفيّة التظاهرات، وأنّ المتبقّي فعليّا ممّن لم يكشف عن مصيرهم لحد الآن هو (56) ناشطا"!
ومنذ بداية مظاهرات تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 بدأت حملات منظّمة لاختطاف المتظاهرين والناشطين المدنيّين، وقد قتل العشرات منهم، وأطلق سراح بعضهم، فيما بقي العشرات منهم بلا نهايات واضحة ما بين الحياة والموت، ومنهم المحامي علي جاسب الذي اختطف من مدينة العمارة الجنوبيّة في الثامن من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
ويوم الثلاثاء الماضي، ناشد والد علي جاسب خاطفيه بلغة مليئة بالألم والأسى، للدلالة عليه حيّا أو ميتا، وذلك بعد وصوله لمرحلة اليأس من بقاء ولده على قيد الحياة!
وفي خطوة "مُحرجة" لحكومة بغداد، اختطفت مجموعة "مسلّحة" الناشطة الألمانيّة، هيلا ميفيس، من أحد شوارع بغداد مساء الاثنين الماضي!
وهذا الفعل الإجراميّ يدخل ضمن لعبة
المليشيات التي تلعب وفقا لأجندات خارجيّة وداخليّة، ولا علاقة له بما يراه بعض المتابعين للشأن العراقيّ بأنّه بسبب دخول شركة سيمنز الألمانيّة سوق الكهرباء، وذلك لأنّ الشركة دخلت للعراق منذ أكثر من عام ونصف، لذا أتصوّر أنّ السبب الأكبر هو كون ميفيس تتحرك بسهولة ببغداد عبر درّاجة هوائيّة، وكانت صيدا سهلا لعصابات الخطف لكونها امرأة ضعيفة، ويمكن لأيّ مجموعة بسيطة أن تسيطر عليها وتختطفها، لتُحرج الحكومة، أو لتساوم دولتها عليها، وهذا ما حصل بالضبط!
واقعة الاختطاف نُفّذت بشارع أبي نؤاس، وهو من الشوارع الواقعة تحت نفوذ وسيطرة المليشيات المعروفة للحكومة!
ميفيس أحبّت
العراق واستقرّت ببغداد منذ العام 2015، ودَعَمت الشباب في العديد من النشاطات الثقافيّة والفنّيّة، وقد اشتركت في المظاهرات الأخيرة ببغداد، ووثّقت بكاميرتها أحداث القمع والانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها المليشيات ضدّ المتظاهرين، وتحدّثت بذلك لوسائل إعلام أوروبيّة!
فمنْ الذي اختطف ميفيس؟
أعتقد أنّ الخاطفين هم من المليشيات التي تتاجر بحياة المواطنين والأجانب المُقيمين في البلاد، وهذه المعلومة أكّدها موقع قناة الحرّة الأمريكيّة، نقلا عن مصدر أمنيّ بأنّ "الحكومة كانت تعتقد أنّ الخاطفين هم مجموعة من كتائب حزب الله العراقيّة"!
وصباح اليوم الجمعة، ذكر المتحدّث باسم القائد العامّ للقوّات المسلّحة يحيى رسول، أنّ "القوات الأمنيّة تُحرّر الناشطة الألمانيّة هيلا ميفيس"، دون ذكر أيّ تفاصيل!
وقبل قليل ذكر مصدر أمنيّ عراقيّ أنّ" تسوية جرت مع الحشد الشعبيّ أدّت لتحرير ميفيس"!
فإلى متى سيستمرّ عبث المليشيات بِأمن المواطنين والمُقيمين؟
الحكومة العراقيّة انشغلت بمعرفة مصير المواطنة الألمانيّة لأنّ هنالك دولة تُطالب بها، بينما المئات من العراقيّين المختطفين لا بواكي لهم!
أعتقد أنّ جرائم الاختطاف في العراق تؤكّد جملة من الحقائق، منها:
1- هشاشة الواقع الأمنيّ في عموم البلاد.
2- تنمّر القوى المالكة للسلاح والعجلات الرسميّة في ارتكاب جرائمها.
3- تغلغل الكثير من عصابات الإرهاب في الدوائر الأمنيّة.
4- غياب هيبة القانون وعدم وجود قوّة رادعة لتلك القوى الشرّيرة.
5- لا يمكن بناء دولة في ظلّ غياب
الأمن والقانون.
هذه الأسباب وغيرها تدمّر مفاهيم الدولة والأمن والسلام والحرّيّة!
اختطاف الأجانب فيه إحراج أمنيّ ودبلوماسيّ وأخلاقيّ؛ كون الأجنبيّ في أيّ بلد يعدّ ضيفا، ولا يليق أن تُساء معاملته، فضلا عن اختطافه، وربّما قتله!
المُختطفون الأجانب في كلّ الأحوال لديهم دول معتبرة ستتابع قضاياهم، وتتمكّن في الغالب من فكّ أسرهم وإنقاذهم، بينما يبقى مصير المئات من المُختطفين العراقيّين في دهاليز النسيان والضياع!
الدولة العراقيّة بحاجة لإثبات وجودها بالقضاء على عصابات الفوضى، ومنها مليشيات القتل والاختطاف، فهل يمكنها ذلك؟
twitter.com/dr_jasemj67